صدر في ختام «مؤتمر الحفاظ على التراث الثقافي المهدد»

«إعلان أبوظبي» يحمي ذاكرة الشعوب

صورة

أكد المشاركون في مؤتمر «الحفاظ على التراث الثقافي المهدد بالخطر»، الذي اختتم أعماله، أمس، بقصر الإمارات في أبوظبي، التزامهم بتوحيد الجهود من أجل التراث بما يدعم الجهود الدولية لحماية التراث الثقافي المعرّض لخطر النزاع المسلح والإرهاب.

صندوق التمويل العالمي

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/12/570609.jpg

ثمّن المشاركون في مؤتمر «الحفاظ على التراث الثقافي المهدد بالخطر» ما أسفر عنه المؤتمر من خطوات مهمة وفاعلة في حماية التراث الثقافي الإنساني، وفي مقدمة تلك الخطوات إصدار «إعلان أبوظبي»، مؤكدين أهمية المبادرات التي أطلقها المؤتمر، وما يمكن أن تقوم به من دور مهم في حماية التراث الثقافي، والتصدي لما تتعرض له المواقع التاريخية والأثرية في مناطق الصراعات والنزاعات من مخاطر وتدمير.

وقال المدير العام لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، سيف سعيد غباش، إن صندوق التمويل العالمي، الذي أعلن عن إنشائه مع انطلاق المؤتمر، بهدف حماية التراث الثقافي المهدد بالخطر في مناطق النزاع، سيطلق أولى خططه الاستراتيجية عام 2017، وسيعلن عن مشروعات عملية تستجيب لاحتياجات الدول التي تطلب المساعدة في هذا المجال، مشيراً إلى أن الإمارات وفرنسا تأملان جمع ما يزيد على 100 مليون دولار لمصلحة هذا الصندوق، لضمان تنفيذ مهامه، من خلال استكمال الدول المتطوعة والشركاء من القطاع الخاص هذا الجهد لدعم الصندوق.

وذكر أن «الصندوق يستهدف تأمين مصادر التمويل والاستفادة منها كموارد لتطبيق خطط وبرامج التدخل العاجل والسريع لحماية الممتلكات الثقافية المعرضة للدمار أو التخريب، تحت وطأة النزاعات المسلحة أو الأنشطة الإرهابية، والإسهام في جهود إعادة ترميمها، ومن المقرر أن يقوم الصندوق كمؤسسة دولية مالية غير ربحية بإيداع الإسهامات الدولية وتخصيصها للجهات المستهدفة والمستفيدة، وفي الوقت ذاته ضمان إعادة تأهيل تلك الجهات أو المواقع ومطابقتها لمعايير الصندوق»، وأضاف غباش: «ارتأينا أن تأسيس هذا الصندوق كمؤسسة دولية غير ربحية، وفق قوانين المؤسسات المالية التي تعتمدها الحكومة السويسرية، بهدف جمع الإسهامات المالية من القطاعين العام والخاص، هو الخطوة الأولى والأنسب لهذه المبادرة، على أن يكون مقر الصندوق في مدينة جنيف، حيث تتخذ العديد من المؤسسات الدولية مقار رئيسة لها هناك، وهي المؤسسات التي تتمتع أيضاً بتاريخ طويل من العمل الخيري ودعم المبادرات الإنسانية، مثل الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا».

وأضاف أن شؤون الصندوق سيديرها مجلس إدارة يضم في عضويته ممثلين من الشركاء المساهمين في الصندوق، من القطاعين العام والخاص، وكذلك شخصيات تتمتع بخبرة طويلة وممتدة في هذا المجال، لافتاً إلى أن منظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة (اليونسكو) ستلعب دوراً مهماً في تحقيق أهداف هذا الصندوق، وستتعاون مع الشركاء المؤسسين له، وذلك انطلاقاً من دورها القيادي وخبرتها الطويلة.

وأشار إلى أن المرحلة الحالية تفرض على الدول التدخل بشكل عاجل وفعال لحماية التراث المعرض لمخاطر التدمير أو الاندثار أو السرقة «ولأن الإِمارات كعادتها دوماً تستشرف المستقبل، وتضع الخطط والاستراتيجيات، ولا تنتظر التحديات لتتعامل معها عند حدوثها، وفي طل ما يمر به العالم من نزاعات وصراعات تهدد التراث الثقافي للعديد من الأمم والشعوب، جاءت المبادرة الإماراتية ـ الفرنسية المشتركة لاتخاذ خطوات عملية لحماية التراث الثقافي، قبل أن يصل العالم إلى مرحلة يندثر فيها التراث الثقافي، الذي يعد الثروة الحقيقية للإنسانية، مشدداً على أن المبادرة التي تقودها دولة الإمارات وفرنسا، لن تستكمل فقط جهود المشروعات القائمة حالياً، بل ستكون داعمة لها من خلال تشكيل تعاون دولي، وتفعيل دور الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني والقطاعين العام والخاص».

وشددوا على التزامهم بالعمل على حشد جهود المجتمع الدولي لحماية التراث من خلال إنشاء صندوق دولي لحماية التراث الثقافي المعرّض للخطر في أوقات النزاع المسلح، ليساعد على تمويل العمليات الوقائية والطارئة ومكافحة الإتجار غير المشروع في القطع الأثرية الثقافية، والإسهام في ترميم الممتلكات الثقافية التي لحقت بها الأضرار، وإنشاء شبكة دولية من الملاذات الآمنة لحماية الممتلكات الثقافية المعرضة لخطر النزاع المسلح أو الإرهاب على أراضيها، أو في بلد مجاور، إذا كان تأمينها على المستوى الوطني غير ممكن، أو في بلد آخر ملاذاً أخيراً، وذلك وفقاً للقانون الدولي وبناءً على طلب من الحكومات المعنية، مع الأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات والسياقات الوطنية والإقليمية للممتلكات الثقافية المطلوب حمايتها.

وأوضح «إعلان أبوظبي»، الذي صدر في ختام المؤتمر، أنه سيعقد مؤتمر للمتابعة في2017 لتقييم مدى التقدم المحرز في تنفيذ المبادرات المنطلقة في أبوظبي والمشروعات الأولى التي تمول من قبل الصندوق الدولي.

وشدد الإعلان على أهمية التراث، بكل ما يتميز به من تنوع، باعتباره مصدراً للثروة الجماعية التي تشجع على الحوار؛ فهو وسيلة لمد جسور التواصل بين الحضارات، وتعزيز روح التسامح والاحترام بين شعوبها، ويشكل تدميره تهديداً السلام، من خلال عمليات الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية التي تبرز في كثير من الأحيان في أوقات الأزمات، مشيراً إلى أن تهديد التراث ومهاجمته وتدميره ونهبه، تشكل استراتيجية تهدف إلى إضعاف الأسس المتينة التي تحافظ على هوية الشعوب وتاريخها، والبيئة التي تعيش فيها. ومن دون هذا التراث ستمحى ذاكرة شعوب الأرض ويتعرض مستقبلها للخطر.

وتطرق الإعلان إلى تأثير النزاعات المسلحة والإرهاب بجميع قارات العالم، في ملايين الرجال والنساء وتراثهم الذي يمتد لقرون عدة، وما يقوم به المتطرفون عمداً في معظم الأحيان من هجوم على ثقافات الدول والشعوب، سعياً إلى تخريب وتدمير التراث الذي يخص العالم كله.

وأعرب المشاركون في الإعلان عن إدراكهم الدور البارز الذي تقوم به الأمم المتحدة ومؤسساتها، لاسيما منظمة اليونسكو باعتبارها المنظمة الوحيدة التابعة للأمم المتحدة المكلفة حماية الثقافة، كما دعوا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لدعمهم في تحقيق هذه الأهداف وفقاً لميثاق الأمم المتحدة.

وأضافوا: «نشيد بالدعوة التي وجهتها المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، ونعبر عن دعمنا للائتلاف العالمي (متحدون مع التراث) الذي تم إطلاقه لحماية تراثنا المشترك من الدمار والاتجار غير المشروع، ونرحب باستراتيجية سبل تعزيز أنشطة اليونسكو في مجال حماية الثقافة وتشجيع التعددية الثقافية في حالات النزاع المسلح». وعبّر «إعلان أبوظبي» عن حاجة العالم إلى كفالة وضمان احترام القيم العالمية بما يتماشى مع اتفاقات لاهاي الدولية في أعوام 1899 و1907 و1954، وبروتوكولي لاهاي الأخيرين في عامي 1954 و1999، الأمر الذي يستلزم حماية الحياة البشرية والممتلكات الثقافية في أوقات النزاعات المسلحة، مشددين على أهمية تنفيذ هذه العملية بالتعاون الوثيق مع منظمة اليونسكو التي تسعى منذ عام 1954 سعياً دؤوباً لحماية التراث ومكافحة الاتجار غير المشروع، وتعزيز الثقافة باعتبارها أداة للتقريب بين الشعوب وتعزيز الحوار.

نقاشات

شهد اليوم الختامي للمؤتمر نقاشات شارك فيها عدد من الوزراء ووكلاء الوزارات في الدول المشاركة، فجمعت الجلسة الأولى، التي أدارها رئيس الصندوق العالمي للآثار، جوشوا ديفيد، بين نائب الرئيس التنفيذي لمؤسسة ميلون، ماريه ويسترمان، ومدير متحف بيرغامون في برلين، ماركوس هيلجيرت، والمستشار العام للصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا، غولن اتاوي نيوتن. بينما شارك في الجلسة الثانية التي دارت حول إنشاء شبكة دولية للملاذات الآمنة، رئيس المكتبة الوطنية في فرنسا، لورانس انجل، وفرانس ديماراي من اللجنة الدولية للدرع الأزرق، إلى جانب رئيس قسم حماية الممتلكات الثقافية في المكتب الفيدرالي للحماية المدنية بسويسرا، رينو بوشيل، ومدير متاحف الفن والتاريخ في جنيف، جان إيف مارين، والبطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو بطريرك بابل للكلدان الكاثوليك.

تويتر