اعتبر «عام القراءة» مبادرة للعمر وليس لـ 2016

إبراهيم الهاشمي: «ما قالته لي أمي» صنع كياني

صورة

دوائر وعي عائلية؛ شكّلت بدايات الشاعر إبراهيم الهاشمي مع القراءة، وكذلك مع الإبداع، بدايةً من الأم التي دوّن الابن، وهو لم يزل في مرحلة مبكرة من العمر، ما كانت تقوله «كبيرة العائلة» من أمثال ونصائح وأشعار، مروراً بسيرة بني هلال التي أهدتها له الخالة، وصولاً إلى الخال الذي كان يقرأ لأفراد الأسرة قصائد، يحرص على إلقائها منغمة كي تستقر في قلوب الجميع.. تلك الأجواء وغيرها جعلت الهاشمي منذ الصبا مولعاً بالكتب، وحتى بالدفاتر، محاولاً أن يخط فيها الكلمات الأولى بشكل جمالي، محاكاة لآخرين في تلك الأسرة كانوا يتشاركون محبة الحرف. ويؤكد المبدع الإماراتي أن «القراءة بشكل خاص تلعب فيها الأسرة فيها دوراً كبيراً، وأنا - والحمد لله - من عائلة تقدر قيمة الكتاب، فلدي كتب لجدي المتوفى منذ 50 عاماً، مخطوط على بعضها: انتقل هذا الكتاب من حضرة الفقير إلى الله كذا كذا، ولدي كتب بالطباعة الحجرية»، مضيفاً لـ«الإمارات اليوم»: «من أفراد الأسرة الذين غرسوا فيّ حب الكلمة الخال، الذي كان يأتي بقصائد ويقرأها منغمة لنا؛ فحببنا في الشعر والإلقاء، بالإضافة إلى خالتي التي كانت عندما كانت تذهب إلى الحج كانت هداياها لي هي الكتب، إذ كانت تعرف أن إبراهيم يحب القراءة، ومن بين ما اقتنيته من هداياها سيرة بني هلال في طبعة أولى».


يشدد مبدع «مناخات أولى» و«مس» على أن القراءة فعل محاكاة «كنا نطالع المجلات، ونحاكي من هم أكبر منا عمراً، وأغلب أفراد الأسرة كانوا شغوفين بالقراءة، وكذلك لديهم خط جميل؛ ولذا حاولت تقليدهم.. وعندنا في الأسرة كان ابن خالتي يحرر مجلة ويوزعها على أبناء الأسرة والحي، واستمر ذلك عاماً، وزرعت تلك الأجواء فينا حب القراءة وكذلك الكتابة منذ فترة مبكرة، وفي العائلة أغلبنا تعلق بذلك الشغف: واحد يكتب قصة قصيرة، وآخر في لون مختلف، فأنا أكتب في مجلة الأزمنة العربية وعمري 16 عاماً، وللمجلة فضل كبير عليّ».

كبيرة العائلة

«كانت المناهج ثرية بنصوص العقاد وعلي أحمد باكثير وشكسبير، إذ كنا ندرس (العبقريات)، و(واإسلاماه) و(تاجر البندقية)، ما أسهم في الارتقاء بذائقتنا، بالإضافة إلى أن بعض المدرسين كانوا يفتحون أمامنا الآفاق».

ويقول الهاشمي: إن «جزءاً من الشغف بالقراءة يعود إلى أمي – الله يغفر لها ويرحمها – إذ كانت صاحبة ذاكرة قوية، تحفظ الكثير، وبدأت منذ الثانوية، أدون كل ما تقول: شعراً وأمثالاً.. أي شيء، سجلت لها ستة دفاتر تشكل عماد كتاب أتمنى أن أصدره قريباً بعنوان (هذا ما قالته لي أمي).. كانت معرفة تمشي على الأرض، كبيرة العائلة، لم تمنعني يوماً عن الكتاب، بل كانت تنصحني دوماً بالقراءة: اقرأ اقرأ.. وحينما كانت تردد عبارة قال المتوصف؛ فمعنى ذلك أنها ستقول شعراً أو مثلاً.. وكان ذلك لغة يومية، وكل ما أفعله أن أدون وراءها، حتى جمعت من على لسانها ما يقرب من 2000 استشهاد.. فهذه المرأة شكلتني، وصنعت كياني كله.. القارئ والمتعامل. وعندما بدأت حياتي الوظيفية نادتني وقالت أوصيك: (لا تكبر على حدا.. ما تكبر إلا الصنيه (النفايات).. لأن الجميع يرمون أوساخهم فيها، ومازالت دروسها ترن في أذني». ويؤكد أن المجتمع - رغم بساطته - كان دوماً عارفاً، يمتلك كثيرون من أفراده علماً فطرياً «فالشخص القارئ كان يتحول إلى كتاب متنقل، ينقل المعرفة للآخرين، يكلمهم عن الدين وحكايا العرب، ويحظى بتقدير من الجميع، يكفيه أن كثيرين يهبون إليه، عندما يحدث شيء، قائلين: اسألوا فلاناً لأنه يقرأ».

ويتوقف صاحب «ماذا أسميك» في مسيرته مع القراءة، في محطة المدرسة التي أسهمت في الشغف المعرفي: «كانت المناهج ثرية بنصوص العقاد وعلي أحمد باكثير وشكسبير، إذ كنا ندرس (العبقريات)، و(واإسلاماه) و(تاجر البندقية)، ما أسهم في الارتقاء بذائقتنا، بالإضافة إلى أن بعض المدرسين كانوا يفتحون أمامنا الآفاق، وأذكر أن من أخذ إحدى قصصي الأولى ونشرها في مجلة الأزمنة العربية كان أحد هؤلاء المعلمين».

ويشير الهاشمي، الذي رأى أن مبادرة عام القراءة هي للانطلاق من 2016 إلى هذا العالم الجميل، والاستمرار فيه طوال العمر، إلى أنه احتك في فترة مبكرة بكتّاب ومبدعين مثل عبدالحميد أحمد وغانم غباش ومحمد غباش والدكتور أحمد أمين المدني وشوقي رافع، وغيرهم. واصفاً كل واحد من أصحاب تلك الأسماء بأنه مدرسة، لافتاً إلى أنه كان حريصاً على قراءة المتنبي منذ عمر مبكر «فهو سيد الشعراء، وحتى من قبل سن الوعي كانت قصائد أبو الطيب تستهويني، وكذلك عارف الخاجة؛ فهو شاعر كبير تعلمنا منه؛ بالإضاقة إلى سلطان العويس وأحمد أمين، فسماع هؤلاء كان يغنينا عن الكثير، وأمسياتهم كانت تجتذبنا».

ولا ينسى الهاشمي فضل أول معرض كتاب نظم في الشارقة «وجهد أبوالطيب محمد الذي قال لنا: أريد منكم أن تساعدوني في المعرض، وسأعطي كل واحد منكم مجموعة كتب، وظللنا خلية نحل في المعرض حتى نلنا تلك الكتب، كما منحنا الناشرون المشاركون كذلك بعض الإصدارات».

ويتابع: «أما في مرحلة الجامعة (جامعة الإمارات)، فكنا مجموعة شباب مميزة: أحمد راشد ثاني وخالد البدور وإسماعيل عبدالله وناجي الحاي، وآخرون. عشقنا الكتاب، وأصبح جزءاً من حياتنا، وفي ما يتعلق بالإبداع كانت الدائرة المحيطة بي من الرفاق شعراء؛ فكنا نجلس سوياً أنا وأحمد راشد وخالد بدر ونكتب قصيدة واحدة، وجلسنا مرة والكهرباء مقطوعة وظللنا نكتب، ولدي مخطوطة تلك القصيدة التي كتبت في الظلام. فأنا أهوى الأرشفة.. فالجو العام في تلك الفترة كان يساعد على الانطلاق».

مكتبة أولى

المكتبة الأولى لإبراهيم الهاشمي، كما يتذكرها، كانت مجرد ركن في مجلس منزله، يضم عدداً من الإصدارات، من إهداءات الخالة والأقارب والكتب المتوارثة: «كنت فخوراً بهذه المكتبة الصغيرة، حتى إنني كنت أصر على استضافة أصدقائي في المجلس حتى يروها.. وحينما انتقلنا إلى منزلنا الثاني سمح لي أبي وأمي بأن أحول غرفتي إلى مكتبة، سريري في منتصف الغرفة، وصار لدي مكتبة متكاملة، حافلة بمؤلفات انتقائية من بينها روايات إحسان عبدالقدوس وكتب العقاد وجمهورية أفلاطون، وغيرها كثير». ومثل كثيرين كان إبراهيم الهاشمي يذهب إلى المكتبة العامة في منطقة الرأس، التي لم تكن مجرد مكان للقراءة فحسب، بل للاستذكار، لاسيما أيام الامتحانات، مطالباً بضرورة تطوير المكتبات العامة، كي تصبح نقطة جذب للقراء، على مثال نظيراتها في أوروبا.

من عادات الهاشمي، أنه يقرأ أكثر من كتاب معاً، يستروح بالشعر، ويذهب إلى رحاب التاريخ، حينما يثقل عليه كتاب ما، ينوّع في قراءاته، وقد يطالع أربعة كتب في وقت واحد، كي لا يمل على حد تعبيره، منوهاً إلى أن من أبرز قراءاته الأخيرة رواية «قواعد العشق الأربعون»، معتبراً أن الكاتبة التركية إليف شافاق قد أبدعت فيها، أما محلياً فقرأ رواية لبدرية الشامسي، ورغم أنها العمل الأول للمؤلفة إلا أنها مكتوبة بحرفية، وآخر ديوان بين يدي الهاشمي هو للبحرينية سوسن دهنيم «وهي شاعرة مذهلة من الجيل الجديد وضعت اسمها في الخارطة الشعرية، صاحبة لغة خاصة، وفي التاريخ قرأت كتاباً عن تاريخ الحمرية، ومن أكثر الكتب التي طالعتها في الفترة الأخيرة تميزاً موسوعة تصحيح المفاهيم، للدكتور أحمد شوقي إبراهيم، وهو طبيب يكتب في الإعجاز العلمي في القرآن».

ومن بين القراءات الأخيرة كذلك رواية «زمن السيداف» للكاتبة الإماراتية وداد خليفة النابودة، التي يقول عنها الهاشمي: إنها «مكتوبة بلغة متماسكة، وتعيدنا لعصر عشناه، أو رأينا جزءاً منه: الخيام، والبحر الذي كان يدخل على البيوت قبل المصدّات.. رواية قرأتها وأحسست أنني عشت طرفاً منها.. فجزء من المكتوب فيها حاضر في الذاكرة، سمعناه وعشنا طرفا منه.. إنها رواية عن سيرة وطن.. تاريخ موازٍ مكتوب بشكل قوي.. وأستغرب لماذا لم تكرم هذه الرواية؟».

مفتاح لصنع مستقبلنا

بخصوص عام القراءة؛ يرى الباحث والشاعر إبراهيم الهاشمي أن المبادرة لم تطرح من أجل المطالعة في 2016 فحسب: «بل لتقول إن هذا العام هو البداية ولن نتوقف، تقول ابدأوا القراءة من اليوم واستمروا طوال العمر، فالقراءة مفتاح لنستطيع صنع مستقبلنا ومواجهة التحديات، فالمبادرة تبرز أن الغد مبني على القراءة، ولا أرى أن عام القراءة من أجل أن نقرأ شعراً فقط أو رواية، بل نقرأ في كل الاتجاهات، كلٌّ في مجاله، يقرأ في ما يحب حتى يصير خبيراً، وتفعيل ذلك مهمة الجميع، الأسرة والمدرسة والمؤسسات المختلفة».

ويضيف «نحن في اتحاد الكتاب سنطلق نادياً للقراءة، وسنوفر الكتب مجاناً للمشاركين، وكل أسبوعين سنناقش إصداراً ما، إذ لابد على الجميع المساهمة بشكل أو بآخر في المبادرة، حتى نرى الناس تقرأ في كل مكان. ولقد خاطبنا بعض دور النشر وأبدت تعاوناً كبيراً. وسننسق مع المؤلفين، وسيعمل النادي على إبراز الكتاب المحلي بشكل خاص، كنوع من الدعم لمؤلفينا، ولن يقتصر نشاط النادي على اتحاد الكتاب، بل سيتخطى ذلك، إلى فضاءات أخرى».

طقس يومي

يعتبر رئيس تحرير مجلة «قاف»، التي تصدر عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، الشاعر إبراهيم الهاشمي القراءة طقساً لا يتغير، ويصف الكتاب بأنه «رفيق يومي لا أتنازل عنه.. نمط حياة.. أقرأ وأبحث وأكتب، يومي لا يمر دونما قراءة، أنام متأخراً وأصحو مبكراً وتعودت ذلك، وكذلك أسرتي، حتى صرت بمثابة مرجع بين أفراد الأسرة و(مكتبة عامة).. تفرحك من الداخل مقولة: (روحوا اسألوا إبراهيم)، وهذه قيمة».

ويضيف: «عندي عادة حميدة، إذا قرأت كتاباً وأعجبني، أشتري نسخاً منه وأهديه لمن يشاركونني الاهتمام من أصدقائي وربعي».

وحول المشروعات المقبلة، يقول الهاشمي: «عندي كتاب عن المعتقدات الشعبية في الإمارات بالتعاون مع الدكتورة عائشة بالخير، وجمعنا مادته ودوناها، ويعد أول كتاب في هذا المجال»، مشيراً إلى أن لديه نصوصاً إبداعية جاهزة للنشر «لكن كتاب المعتقدات الشعبية أهم عندي 100 مرة من ديواني والاشتغال عليه.

وأتمنى أن يكون مرجعاً للجميع في وطننا الغالي».

يشار إلى أن للهاشمي عدداً من الدراسات منها: «الشاعر محمد بن حاضر.. سيرته ومختارات من شعره»، و«الشاعر مبارك بن حمد العقيلي.. سيرته ومختارات من شعره»، وديوان الشاعر ثاني بن عبود الفلاسي.. جمع وإعداد بالتعاون مع الناقد والكاتب سلطان العميمي.

تويتر