«مونومنتال 11/11».. احتفال بين الكتلة والفراغ على القماش

 في أشكال هندسية تحرر الحروف العربية من شكلها المألوف والمقروء، يقدم الفنان العراقي، وسام شوكت، مجموعة أعماله في معرضه الأخير بمركز «تشكيل» بعنوان «مونومنتال 11/‏‏11». تتأرجح أعماله بين الكلاسيكية والمعاصرة، فهو يتعلق بثوابت الخطوط الكلاسيكية مع التوجه إلى الابتكار والتجديد في روح الخط وشكله. تحمل لوحته حوارات خاصة بين الحروف التي يقدمها، فيرسم الأخيرة كما لو أنه يصيغ أشكالاً لونية تتقاطع وتتعانق، فيحتفي بالعلاقة بين الكتلة والشكل والفراغ على القماش. وتتنوع الأعمال في المعرض الذي افتتحه رئيس المجلس الوطني الاتحادي، محمد المر، بين الرسم، والطباعة بالشاشة الحريرية، واللوحات القماشية.

سيرة فنية

حصل وسام شوكت على درجة الهندسة المدنية من جامعة البصرة عام 1996، وكانت هذه الشهادة هي التي توجت ميوله الإبداعية ومنحته المهارات الضرورية للتفوق في فنون الرسم والتصميم، فهو يستمد فرادة أسلوبه من البراعة اليدوية للممارسين التقليديين وحيوية الثقافة المعاصرة. وحمل الخطاط العراقي خبرة طويلة في تصميم الشعارات منذ أكثر من 20 عاماً، وقد عمل مع عملاء مرموقين في مجال تصميم العلامة التجارية والوكالات الإعلانية والشركات الكبرى. وإلى جانب التطبيقات الغرافيكية للأعمال الخطية، مارس وسام شوكت الخط العربي شكلاً فنياً، حيث أبدع قطعاً من الفنون الجميلة تتمحور حول جمالية الخط العربي، وهي اليوم تعود لمجموعة مقتنيات خاصة وعامة حول العالم.

يقدم شوكت رؤيته التطويرية للخط العربي في هذا المعرض، الذي يستمر حتى السابع من يناير المقبل، فالفنان الذي ابتكر منذ تسع سنوات، خط الوسام الخاص به، نجده اليوم ينازع الحروفيين في لوحته، فيتعمد الالتزام بالإرث الأول لتعلمه وكلاسيكية الخطوط، ثم يطورها ويخضعها للعديد من التغييرات، فتكتسب معه أشكالاً جديدة وغير مألوفة.

يعتمد شوكت على الحركة في انسيابية العمل الفني، فنجد التراكيب لديه تقوم على الحوار، حيث تتقابل الحروف، كما لو أنها تنكمش على بعضها، أو نجدها تبدو في حالة تنافر وصراع وكأنها في حلبة ينتصر فيها الأقوى، بينما تتراقص كما لو أنها سيمفونية في لوحات أخرى. هذه الروح التي تتأتى من الأعمال تنتج عن التمازج بين أشكال الحروف، فنجده يوازن اختياراته بين ما هو ممتد وما هو منحنٍ، ليوجد الشكل الهندسي الذي يبحث عنه.

نجد في لوحات شوكات بعض الحروف التي لا تخرج عن هويتها الأصلية، فنراها تقودنا إلى قراءة ما، كحرف الهاء أو الواو، بينما ما يميز اللوحات أنها لا تحمل كتابات، فهي مكونة من أحرف مبعثرة فقط، على الرغم من منح الفنان لها العناوين التي تأخذنا إلى التفكير في عمق دلالاتها، ومنها «أزلي»، «ملحمة»، «أحلام الطفولة»، «وهم». هذا العمق يدلنا على قوة وقع الحروف على الفنان، فهي ليست مجرد مفردات وكلمات وتعبير عن محتوى لغوي، بل أشكال تنبض بالحياة وتحمل في دواخلها الطاقة، والقدرة على التبدل والحركة.

أما الألوان التي يختارها في اللوحات، فهي مختارة بعناية، إذ نرى التقشف في المزج، والحرص على جعلها متناغمة ولغة مقتصرة على الجمال في ما قل ودل، باختصار يبقينا شوكت من خلال المعرض على اتصال مع الماضي، مع الحرص على إيجاد ممارسة مرئية ونصية للغة بشكل حديث ومعاصر. ويقول حول ذلك «الأعمال مبنية على خط الثلث، ولم أستخدم الخط الخاص بي، بل استخدمت هذا الخط الكلاسيكي الذي يخاف الخطاطون التغيير فيه، ويعتبرونه متكاملاً، وذلك لاقتناعي أن الخط يجب أن يتطور»، وأضاف «حاولت التغيير في الشكل الخارجي للخط، لأني منذ بدأت في الخط في سن صغيرة، كنت أعجب بالشكل، وبهذا المبدأ أعدت النظر في الحروف، فأجردها من الفراغات، وأقرأها كأشكال وليس كحروف».

بينما اعتبر مسألة اللون من الأمور التي تأتي من شكل الحرف، فالشكل والهندسة هما الأساس في اللوحة. ورأى الخطاط العراقي أن الألوان في لوحته مدروسة جداً، بينما ينسج الفراغ مع الانحناءات، لأنه يحتفي بهذه العلاقة، ويتوجه إلى شكل إبداعي أكثر من القراءة، فحرر اللوحة من الكلام.

وتحدث عن التجارب الحروفية التي بدأت في نهاية الأربعينات، معتبراً أنها تجربة كانت جديدة ومتميزة، إذ قدموا حروفاً غير مقروءة، وكان هناك صراع بين الفنانين الحروفيين والخطاطين، فقد اعتبروا الخطاطين ليسوا فنانين، إذ يرون أنه ليست هناك أي إضافة في أعمالهم، ولهذا لابد للخطاط من إيجاد هوية خاصة.

الأكثر مشاركة