الإيرانية مارينا نعمت تروي تجربتها في معتقل «إيفين»

«سجينة طهران».. من المدرسة الثانوية إلى الزنزانة 246 للنساء

صورة

عامان وشهران و12 يوماً في معتقل بطهران، قلبت حياة فتاة إيرانية، تلخص مذكراتها حكايا كثيرات من رفيقات الزنزانة، من جيل «الثورة» الذي حلم بالتغيير والحرية، لكن انتهت به الحال إما على المقصلة، أو محكوماً بالسجن مدى الحياة، أو لاجئاً إلى منافٍ بعيدة، مثل مارينا نعمت التي تسرد قصتها شديدة الدرامية والتركيب في كتابها «سجينة طهران» الذي ترجمته إلى العربية سهى الشامي، وصدر عن مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة. شلال من الذكريات الحزينة؛ بين دفتي «سجينة طهران»، الذي يستحيل إلى مساحة ممتدة من الرثاء: رثاء لقصة جيل ثورة أراد أن يرى وطنه أجمل «لكنهم سقطوا بعدها في شراك حريق هائل خرج عن السيطرة وجلب لهم السجن والتعذيب والموت بدلاً من الحرية والديمقراطية». التقت كثيرات من بنات ذلك الجيل وراء أسوار معتقل سيئ السمعة من أيام الشاه، فمن تجرعوا التعذيب، عادوا جلادين ينتقمون من الجميع؛ لا يفرقون في ذلك بين أعداء «ثورتهم» الحقيقيين، وفتيات مراهقات في مدارس ثانوية تحدين يوماً معلمات الحرس الثوري، وطالبنهن بأن يبتعدن عن السياسة، ويشرحن الدروس فحسب؛ لذا وجب تأديبهن كما روت مارينا نعمت في كتابها الذي قدمت لنسخته العربية الشاعرة فاطمة ناعوت.

سنوات القهر

تتماس «سجينة طهران» لمارينا نعمت مع كتب عدة، تحدثت عن سنوات القهر التي أعقبت الثورة في إيران، لعل من أبرز الكتب «المذكرات» التي تناولت ذلك «أن تقرأ لوليتا في طهران» للكاتبة آذار نفيسي، و«كامليا.. سيرة إيرانية» للكاتبة كامليا انتخابي فرد.

بين الحياة والموت داخل معتقل «إيفين» وخارجه، تطوف صاحبة الحكاية، تصف يوميات المعتقلات في العنبر 246 للنساء، وكيف نقشت إحداهن (سارة) ذكرياتها على جسدها كي لا تنساها، ورفضت أن تقرب الماء، كأنّ تمسكها بالذكريات هو تشبث بالحياة، ومقاومة لجلاديها، فيما نقشت أخرى على الحائط بطريقة «برايل» بعض يومياتها، وهو ما دفع مارينا إلى أن تحاول تسطير ذكرياتها كي تظل عصية على النسيان. وفي الذاكرة تبقى التفاصيل الصغيرة، مثلاً عن الخبز ورائحة الشاي الغريبة: «كان الشاي ساخناً ولكن رائحته غريبة. أخبرتني سارة أن هذه الرائحة بسبب الكافور الذي يضعه الحرس في الشاي، وأنها سمعت أن الكافور يوقف الطمث لدى السجينات؛ فمعظم الفتيات هنا قد انقطع الطمث لديهن تماماً، لكن الكافور له أعراض جانبية، منها تورم الجسم والاكتئاب».

ترصد مارينا في ذكرياتها تغيّر الحال داخل السجن وخارجه بعد الثورة الإسلامية؛ فالعنبر 246 الذي كان يضم في عهد الشاه 50 سجيناً صار بعد الثورة الإسلامية يجمع 650 سجيناً، والمدرسة التي كانت مكاناً للتعلم، باتت حيزاً لترديد شعارات الخميني، وتثبيت دعائم الثورة الإسلامية في نفوس الطلبة، وأيضاً التفتيش على الطالبات المراهقات وإلزامهن بما لا يلزم: «كل صباح تقف مديرة المدرسة ونائبتها في مدخل المدرسة حاملتين دلواً من الماء وقطعة قماش، حيث تتفحصان وجوه كل الفتيات أثناء دخولهن المدرسة، فإن وجدتا فتاة تضع مساحيق التجميل فركتا وجهها حتى يؤلمها. وذات صباح أثناء التفتيش جذبت محمود خانم إحدى صديقاتي وتدعى نسيم، واتهمتها بأنها نمصت حاجبيها لأنهما متساويان أكثر من اللازم، فبكت نسيم وأكدت أنها لم تمسّ حاجبيها قط، ولكن المديرة اتهمتها بالفجور. كانت نسيم جميلة بطبعها، ودافعت عنها الكثيرات منا وشهدن أن تلك هي طبيعتها، لكنها لم تتلق اعتذاراً قط على ما حدث». ليس سهلاً استدعاء الذكريات، خصوصاً حينما تكون حافلة بالقهر والتعذيب ومشاهد الخوف، فمنذ مقدمة «سجينة طهران»، تبدو الكاتبة كأنها تعاني كي تمسك بالتفاصيل الحزينة، علاوة على أنها تحاول أن يتحلى قلمها بموضوعية ما ولا يتجنى على «الملتبسي الشخصية»، فالمحقق الذي أجبرها على الزواج منه، ووجدت فيه خلاصاً من المعتقل، ومن الحكم بالإعدام، بعدما توسط لها لدى الخميني؛ فخفف حكمها من الإعدام إلى السجن مدى الحياة، هو ذاته الذي لم يأبه لمشاعرها، وأجبرها على الزواج منه، وعلى تغيير دينها (كانت مسيحية تمارس صلواتها بالتزام)، وهو نفسه الذي عمل على تخليصها من السجن، وإعادة محاكمتها، على الرغم من معارضة بعض المتنفذين لذلك. و«علي» أيضاًَ، في مشهده الأخير، هو من أنقذ حياة مارينا، حينما دفعها بعيداً عنه، كي لا يصيبها رصاص كان موجهاً إليه.

يبدو قلم مارينا كذلك متعاطفاً مع أسرة علي، إذ تتحدث عن تلك العائلة ومناقبها، والدفء الذي شعرت به بين الأب والأم والأخت، حتى بعد اغتيال «علي» الذي أوصى لها بجزء من أمواله، لكنها رفضت تسلمها، وعادت إلى حبيبها القديم، وهربا معاً إلى كندا، حيث مقر إقامتها مع ولديها.

 

 

تويتر