إسماعيل عبـــدالله.. المبدع المسرحي من خورفكان إلى فضاءات الإبداع

مشاعر الفرح والشجن اختلطت لدى الفنان إسماعيل عبدالله، الذي شاءت الأقدار أن تكون الدورة الـ25 لمهرجان أيام الشارقة المسرحية التي تحتفي به مكرماً على منصتها، تستوعب أيضاً تكريماً لشقيقه الأصغر، ورفيق دربه إلى خشبة المسرح، وأعلاها، الفنان محمد إسماعيل، الذي غيّبه الموت منذ أشهر قليلة.

عبدالرحمن المناعي: للشارقة يشد رحال المسرح

قال الفنان القطري عبدالرحمن المناعي إن وجود مهرجان أيام الشارقة المسرحية، والحفاظ على استمراريته، من خلال دعم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، جعلا الإمارة مركز صناعة أعمال مسرحية جادة، ولها يشد الرحال، من بين دول مجلس التعاون الخليجي.

وأضاف «أصبحت أسماء، مثل إسماعيل عبدالله، بمثابة حل لمن يبحث عن نص متفرد، وعمل جاد، لذلك فإن تكريم إسماعيل عبدالله فعل يتجاوز الحالة الاحتفائية ليوم بعينه، ليكون تكريمه ممتداً عبر أعماله، التي طالما أثرت الخشبة، ليس المحلية والخليجية فقط، بل والعربية أيضاً».

ورأى المناعي أن إشكالية البحث عن نص جيد كانت أشد وطأة لدى المسرحيين الإماراتيين في ثمانينات القرن الماضي، عنه الآن، وهو ما جعل تجارب تلك الفترة تستعيض عن مسرحيات من الواقع مباشرة، إلى أخرى عالمية.

وأبدع إسماعيل عبدالله أعمالاً مسرحية كثيرة، اجتذبت المخرجين إليها، نظراً لتفردها وطرحها عوالم ورؤى مختلفة عن السائد والمألوف.

وكانت أعمال إسماعيل عبدالله بمثابة الفرس الرابح، الذي يراهن كثيرون على اقتناصه جوائز في محافل عربية وليس محلية فحسب، وآخر تلك الأعمال هي مسرحية «لا تقصص رؤياك».

عبدالله صالح: شاعر ينبش المسكوت

وصف الفنان عبدالله صالح، الذي يشغل منصب رئيس مجلس إدارة مسرح دبي الشعبي، إسماعيل عبدالله بـ«شاعر الحوارات الملحمية»، مضيفاً «أعماله دوماً تستعصي على التقليدية، أو ترديد السائد، من أجل نبش المسكوت عنه».

واستطرد «هو رجل المراحل المسرحية، ودينامو نشاط لا ينفد، وبمنتهى الحيادية، يستحق الرجل أن يكون أحد رموز المسرح الإماراتي، من خلال أعماله التي عودنا فيها تجاوز الممنوع لتغزو عقولنا، قبل أن تعود لتبحر بنا في محامل قوافيه، إلى موانئ البحث الأزلي». ووصف صالح إسماعيل عبدالله بـ«الواضح الغامض»، و«المفكر المبتكر»، مضيفاً «لا خوف على المسرح في الإمارات، في ظل وجود مبدعين من أمثال إسماعيل عبدالله، يتفانون ويبدعون من أجل نصرة المسرح».

مفرح مبكٍ هذا اليوم، في حياة إسماعيل عبدالله، الذي لم يفارق محمد إسماعيل في دروب الإبداع، بدءاً من المسرح المدرسي، ثم مسرح خورفكان، دروب استقبلتهما منذ النشأة المسرحية، وغيرها من المحطات المتعددة، وحتى حينما فرقهما الموت، جمعتهما منصة تكريم أيام الشارقة المسرحية، وفي جعبة كل منهما الكثير من الإنجازات.

ربما كان إسماعيل عبدالله، الذي أبدع العديد من الأعمال المسرحية التي أثرت مخزون المسرح الإماراتي بأعمال متفردة، ولم يوقفه الهمّ الإداري، سواء باعتباره مديراً سابقاً لتلفزيون أبوظبي، أو رئيساً حالياً لجمعية المسرحيين، وأميناً عاماً للهيئة العربية للمسرح، عن مواصلة الإبداع، بانتظام تام، لدرجة أن معظم الأعمال التي مثلت الإمارات في المحافل الخليجية والعربية، كانت تتكئ على بعض نصوصه، وآخرها «لا تقصص رؤياك»، الفائز بأفضل عمل في مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي، والمرشحة لاقتناص جائزة الدورة الـ25 لمهرجان أيام الشارقة المسرحية التي اختتمت أمس، يهرب من منصة تجمعه بأخيه «راحلاً»، لوقع اللحظة، وشدة تأثيرها، وهو ما جعله يسعى لأن يتأخر هذا التكريم، إذا كان مجيئه حتمياً، على حد تعبيره، وهو سعي لم يكلل بالنجاح، نظراً لإصرار إدارة المسرح في دائرة الثقافة والإعلام، على أن تفي الأخوين حقهما من التكريم، حتى إن تأخر قليلاً بالنسبة للراحل محمد إسماعيل.

هذا الأمر لم يكن مجرد استنتاج، فإسماعيل عبدالله نفسه صرح بذلك حينما صعد لمنصة التكريم من أجل تسلم الدرع التكريمية من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، فعلى عكس المطالبة دوماً بتبكيره ليكون محفزاً للإبداع، تمنى الفنان إسماعيل عبدالله أن لو تأخر هذا التكريم «كثيراً»، وليس «قليلاً».

وعلى الرغم من أن تلك الكلمات من إسماعيل عبدالله سبقت ندوة تخللت شهادات في سيرته ومسيرته، شهدت الكثير من المشاعر المؤثرة، سواء من رفقاء الخشبة، أو من تلاميذ مخلصين له، أو حتى من إسماعيل عبدالله أيضاً الذي لم يستطع أن يتمالك نفسه، وذهب في موجة بكاء شديدة أثناء التطرق إلى ذكرى أخيه الراحل محمد إسماعيل، إلا أنها جاءت معبرة، ووصلت إلى الجمهور الذي تفاعل معه بتصفيق احتاج فترة طويلة كي ينقضي، إذ تابع «لايزال بداخلي الكثير من الآمال والتطلعات والأحلام الكبار، التي لم تتحقق بعد، سواء في ما يتعلق بمنتجي الذاتي، أو بالإبداع المسرحي».

محطات سيرة إسماعيل عبدالله، الذي اختار مجال التأليف بعد العديد من التجارب في فنون مسرحية عدة، ليبقى أحد أهم الأسماء التي عرفها المسرح الخليجي في هذا المجال، من خلال أسلوب ومدرسة خاصة التصقت به في رسم شخصيات العمل، وصولاً إلى الفعل الدرامي، وفق بناء وأسلوب يحيلنا دوماً إلى طابعه الشعري الساخر، وفانتازيا تتكئ على الثيمة الشعبية، لتنطلق من خلالها إلى آفاق أكثر رحابة، وهو أمر تؤكده حقيقة أن إسماعيل أصبح أحد أكثر الكتاب الخليجيين الذين تصل نصوصهم، وتتحول إلى أعمال مسرحية خارج المحيط المسرحي لدولته.

محطات إسماعيل عبدالله عن الشخصيات التي أسهمت في تكوين شخصيته المسرحية، جاء في مقدمتها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي احتضنه منذ طفولته في الكويت لذلك كانت الشارقة محل انطلاقته الفنية وتألقه في الكتابة والتمثيل.

الحفل التكريمي لإسماعيل عبدالله شارك فيه عدد كبير من الفنانين والضيوف والمسرحيين من الإمارات والخليج والوطن العربي، وأداره الفنان الدكتور محمد يوسف الذي قدم كلمة بهذه المناسبة جاء فيها على كثير من التفاصيل التي ارتبطت بالشخصية المكرمة كجمعية المسرحيين الإماراتيين، والهيئة العربية للمسرح بالشخصية المبدعة حقاً في سياقات ومراحل بناء الحراك الفني في الإمارات منذ أعماله الأولى «اللوال» التي فجرت إبداعه الفني في الكويت؛ مروراً بتجربته في «الشارقة الوطني» مع المخرج محمد العامري، وصولاً إلى «لا تقصص رؤياك»، وليس انتهاء بالجوائز العديدة التي حصل عليها عبدالله في التأليف المسرحي على مدى سنوات متتالية.

البداية كانت في خورفكان، مدينة المولد التي هاجر منها مع أسرته طلباً للرزق إلى الكويت ملتحقاً بمدارسها الابتدائية، قبل أن يعود إليها مرة أخرى، لكن بدايات إبصاره بفن الكتابة يعود الفضل فيها إلى جده الذي علمه اختزال الرسائل.

كأنه أمام بناء فني وترتيب للشخصيات الأكثر تأثيراً في حياته، تطرق إسماعيل عبدالله إلى الأثر الإيجابي لشخصية زوجته في حياته الفنية «فهي التي تولت تربية الأبناء، ونذرت نفسها لهذه المهمة الجليلة، فأحسنت إعدادهم».

ولم ينسَ إسماعيل عبدالله شقيقه محمد إسماعيل ضمن قائمة المواقف والأسماء التي أسهمت في بناء شخصيته المسرحية، وكرست لديه ملكة الإصرار والتحدي في مواصلة مشواره الفني، لاسيما أن الكثير من التحديات خاضاها معاً، ومن ضمنها المرحلة الصعبة، وهي مرحلة انطلاقتهما الفنية.

وأضاف «كان شقيقي محمد هو من يوجهني ويشجعني على المسرح منذ (الفريج) في خورفكان، وكان مثقفاً وعصامياً وجريئاً وكان قائدنا الفعلي في مسرح خورفكان، وهو الذي كان يصر دائماً على فصل المسرح عن أي نشاط آخر».

وأشار إسماعيل عبدالله إلى أن «الكويت» كانت المحطة الأولى لاتجاهه صوب «المسرح»، واصفاً إياها بـ«مدينة النور»، إذ بدأ فيها أولى خطواته من خلال المسرح المدرسي، الذي واصله في خورفكان، الأمر الذي مهد لإنشاء الجمعيات الشعبية ومن بعدها الفرق المسرحية، ثم جاءت جامعة الإمارات التي رسمت خريطة صداقاته وعلاقاته في المسرح ومهدت لولادة فرقة المسرح الحر في الجامعة.

الشباب هم الرهان الحقيقي لمواصلة تطور المسرح الإماراتي، من وجهة نظر إسماعيل عبدالله، ويرى أن هذا لن يتأتى من خلال الجانب الأكاديمي، أو حتى العملي المعتمد على الورش المسرحية، ومنح مساحات أدوار بعينها لبعض عناصرهم، بل يجب أن يطلع الشباب على تجارب مسرحية مختلفة، وهو ما جعله يحرص على إيفاد شباب المسرحيين لحضور تجارب مسرحية خليجية وعربية وعالمية متعددة، حتى إن كان ذلك بعيداً عن التمثيل الرسمي، سواء من خلال جمعية المسرحيين، أو الهيئة العربية للمسرح.

حبيب غلوم: فنان نبيل

وصف الدكتور حبيب غلوم إسماعيل عبدالله بأنه «فنان نبيل في عشقه لوطنه، كبير في إبداعه، سخي في عطائه الفني، جموح في صدقيته، من أجل الارتقاء بالمسرح».

وأضاف «يعود لإسماعيل عبدالله جزء كبير من الفضل في تميز الحركة المسرحية في الإمارات، إذ خط لنفسه درباً رصيناً من الكتابة الإبداعية، وناضل بعزم وإيمان راسخ بمسؤولياته الأدبية والفنية والإدارية، فقاد بكل اقتدار دفة جمعية المسرحيين من جهة، ومسؤولية الهيئة العربية للمسرح من جهة أخرى، ليجعلها في مصاف الهيئات الفنية الفاعلة والمتميزة».

وأكد غلوم أن «تكريم إسماعيل عبدالله مستحق ومتعدد الأسباب، بفضل عطائه للحركة المسرحية مؤلفاً ومخرجاً وممثلاً وناقداً ومؤرخاً وإدارياً، فليس أقل من كلمة (شكراً) على ما يقوم به من جهد من أجل المسرح والمسرحيين».

الأكثر مشاركة