فاتحة عروض «الشارقة للمسرح الخليجي»

«صدى الصمــت» تنطق بتأويلات مختلفة

صورة

بعرض «صدى الصمت» الكويتي، انطلقت، الليلة قبل الماضية، فعاليات الدورة الأولى لمهرجان الشارقة للمسرح الخليجي، التي تستمر حتى 15 من الشهر الجاري على مسرح قصر الثقافة بالشارقة.

ينفتح «صدى الصمت»، أول عروض المهرجان، الذي دشنه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، على تأويلات كثيرة.

لحظات تقدير

كسب مخرج المسرحية الكويتية، فيصل العميري، تعاطف الجميع حينما استدعى أرملة الراحل كاتب نص عمله، العراقي قاسم مطرود، داعياً الجميع إلى الوقوف لحظات «صمت»، تقديراً لإبداع الراحل، قبل أن يطالب الحضور بالفعل نفسه تقديراً لإبــــداع ممثلي العرض.

الندوة التطبيقية التي أدارها الفنان محمود أبوالعباس، جاءت منضبطة، على الرغم من أنها شهدت 11 مداخلة مختلفة تلاها تعقيب المخرج.


عرض اليوم

تعرض اليوم في قصر الثقافة بالشارقة المسرحية العمانية «النيروز» من تأليف عبدالله مبارك البطاشي، وإخراج جاسم الزهراني.

النشاطات تمتد أيضاً خلف الندوة التطبيقية التالية للعرض، لتشمل فعاليات اليوم الأول للملتقى الفكري «في ظل التحولات الاجتماعية الراهنة، أي أفق للمسرح الخليجي»، في فندق راديسون بلو عند العاشرة صباحاً، في حين تخصص فعالية «مجلس الرواد» مساء للمسرح العماني. ويقدم اليوم أيضاً الدكتور عبدالرحمن بن زيدان ورشة في مبادئ النقد المسرحي.

الإشارة إلى أن مسرحية الافتتاح «صدى الصمت» هي للكاتب العراقي الراحل، قاسم مطرود، ومن إخراج الفنان الكويتي فيصل العميري، وكلمة مهندس السينوغرافيا، فيصل عبيد، بأنه أنجز «فضاءات في براويز فارغة» في كتيب العرض، هي بعض من المعطيات المسبقة، التي تشدنا باتجاه البحث عما لم يقل، فالأول له فلسفة خاصة في توظيف اللغة والزمن المسرحيين، فيما الثاني اعتاد أن يقدم رؤية مسرحية تكسر المألوف، وتفاجئ المتلقي، ومن ثم الانفتاح على تأويلات عدة، فيما تبقى المشاهدة الفعلية للعرض تجذبنا بالاتجاه ذاته، وفق مشاهد متصلة منفصلة.

وبمسرح مكتمل الحضور تقريباً يبدأ المشاهد في التعرف إلى ملامح العرض، من خلال رجل يتحدث بلغة رتيبة، يجر حقيبة، وتحكم عباراته تردد صوت رتيب أيضاً يشبه احتكاك حبات المسبحة، لنعرف بعد ذلك أنه من يقف وراء تحريك كل الأحداث، باعتباره «الدراماتورجي»، فنحن إذن أمام حبكة درامية لمسرحية داخل مسرحية.

التسرع بإصدار أحكام تتعلق بهذا القالب المسرحي، واعتباره مكرراً، لن يكونا صائبين، حيث لا تلبث الأحداث التي تفصح عن بقية الشخوص، لتؤكد أننا أمام تجربة مختلفة من مسرح العبث، بداية من «دراماتورجي» يعي أنه يتخطى حدود عمله الوظيفي التنظيري، متغولاً على سلطة المخرج، مروراً برجل قابع في عمق المسرح على كرسيه المتحرك، ساكن بلا حركة، فيما تربطه بحياة، مشكوك فيها، بعض الأجهزة الطبية المعلقة، وليس انتهاء بأداء تمثيلي مميز للممثلتين سماح وسالي فراج، اللتين تستجيبان باستسلام للرجل القابع خلف كرسيه، والمتحكم بمصيريهما في المسرحية، التي هي داخل المسرحية.

امرأتان تبقيان طوال الوقت على طرفي نقيض، وكأن كلاً منهما على طرفي وتر مشدود، داخل أحداث المسرحية التي يديرها «الدراماتورجي» المتخيل، من خلال لوحات مشهدية متتالية يرسمها لهما، لنكتشف أن السياق يشدنا إلى بوح أمّ ثكلى في هذا الطرف، وأخرى مثلها في الطرف الآخر، وبينهما مسافة من غياب الحوار، لأنهما لا تجيدان اللغة نفسها.

الغياب التام لمؤثرات صوتية خارجية كان أحد الحلول التي ألح عليها مخرج «صدى الصمت»، بعد أن وظّف مهارة الفنان، عبدالله التركماني، مستثمراً سلطته المتخيلة على المسرح، ليهيمن كذلك على حضورها، فهو تارة من يصدر أصوات العصافير وطيور الغابة وحتى خرير جداولها، حتى الإضاءة كان يهيمن عليها من خلال تواصله مع شخص قابع في موقع مهندس الإضاءة، ليكسر العمل الحدود الفاصلة بين خشبة المسرح وخارجها، وهو ما وصل ذروته بتوجهه للجمهور منوهاً إياه بأن «هنا إشارة من المؤلف بين قوسين تقول إن الجمهور يضحك».

توالي المشاهد التي يدفع بها الدراماتورجي المتخيل أضحى يقرب بين المرأتين اللتين تؤمنان بأن بلد الأخرى هو من تسبب في فقدان ولدها تحت نير الحروب، قبل أن تقرب المأساة الإنسانية لأم ثكلى المسافات بينهما، في زمن أجاد المخرج توظيفه، وأبدعت الممثلتان، خصوصاً في الإقناع بمروره عبر جهد تمثيلي مميز دفع الجمهور إلى التفاعل معهما تصفيقاً.

لم ينشغل العميري بحلول أو مخرج لأزمة امرأتين بينهما انفصال لغوي، واتصال إنساني، وجاء تكنيك تقطيع زمن المشاهد المتخيلة منسجماً مع الأداء التمثيلي، فإيماءة من الدراماتورجي المتخيل توقف الزمن، وإيماءة أخرى تعيده إلى إيقاعه الرتيب، قبل أن يقرر إنهاء كل شيء، ويعود من خلف مكتبه إلى سياق الفعل المسرحي، لكنه فعلاً يقود إلى النقطة الأخيرة في العمل الذي بدا كأنه المصير المحتوم، الذي يحمله الرجل القعيد في عمق المسرح، لتسقط ستائر بيضاء على كل النوافذ، لكن الظلام الدامس ورحيل القعيد كانا بمثابة تأكيد على أننا كنا بصدد مساحة للفعل المسرحي بين طرفين، هما الموت ومرادفه، وهنا يبقى الصمت لغة شيفرتها المشاعر الإنسانية، سواء الغائبة أو الحاضرة.

تويتر