حاكم الشارقة استردّ آثاراً سُرقت من الشارقة وعُرضت في مزاد عالمي

«الاتجار في الآثار» سوق سـوداء وأفراد يجهلون قيمة التــــاريخ

صورة

تعد سرقة الآثار وتهريبها والاتجار بها، أحد أبرز التجارات وأكثرها رواجاً على مستوى العالم، إذ تعادل سرقة القطع الأثرية والاتجار بها وعرضها للبيع في مزادات شرعية أو تداولها في السوق السوداء، تجارة المخدرات الأكثر ربحاً في العالم.

وصنفت المتاجرة بالقطع الأثرية بطريقة غير شرعية وسرقتها من المواقع الأثرية أو نهبها من المتاحف، من أكثر الأعمال التجارية غير الشرعية في العالم، إذ تزايدت تلك التجارة جراء نهب وسرقة المشغولات والقطع الأثرية خلال فترات الحروب والكوارث الطبيعة وتطوير الأراضي الزراعية والأعمال العمرانية.

والشارقة على وجه الخصوص، تعرضت لتجربة إنقاذ لآثارها التي تم تداولها في سوق الآثار غير الشرعية أو كما تعرف بالسوق السوداء للإتجار بالآثار المسروقة، إذ تمكن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة من استرجاع بعض تلك الآثار.

عدم إزالة

كذلك هناك بعض الأمور التي قد يساهم من خلال الفرد في المحافظة على الآثار وحمايتها، منها عدم إزالة القطع الأثرية من أي موقع أثري، لأن بموجب القانون من يقوم بإزالة القطع الأثرية فإنه يقوم بعملية نهب، خصوصاً أن القانون خص علماء الآثار الذين حصلوا على موافقة وتصريح مسبق من إدارة الآثار بإزالتها من مواقعها لأغراض البحث، أما إذا وجدت قطعة اثرية في أرض مملوكة لشخص ما عليه ابلاغ إدارة آثار الشارقة.


أوراق ثبوتية

وحذرت إدارة الآثار من شراء أو جمع القطع الأثرية بصفة غير قانونية، إذ لا يتوجب شراء أي قطع معروضة للبيع، إلا إذا كانت تحمل معها أوراق ثبوتية للامتلاك الشرعي أو تصريح تصدير من بلد المصدر، فعلى سبيل المثال أنك لا تقوم بشراء سيارة إذا علمت بانها مسروقة كذلك الحال بالنسبة للقطع الأثرية.


وقف الشراء

وترى إدارة الآثار إن أفضل طريقة لحماية آثار الشارقة والبلدان الأخرى من النهب، تكمن في رفض شراء أي قطع غير قانونية، إذ أن المقتنين والمقبلين على شراء القطع غير القانونية هم من يسهم في رواج تلك التجارة التي لو امتنعوا عن عمليات الشراء المشبوهة لن يستمر هذا النشاط، كما أن الابلاغ عن الحفريات غير الشرعي أو القطع الأثرية المسروقة والتي تباع بصفة غير قانونية يحد من تفاقم المشكلة.


مكافئات وحوافز

كذلك تقترح إدارة الآثار ضرورة منح العاملين في حقل التنقيب عن الآثار والمحيطين بهم مكافئات وحوافز عند اكتشاف آثر جديدة وبعد انتهائهم من عمليات التنقيب في المواقع حتى لا يفكروا في بيع تلك المكتشفات أو سرقتها والتصرف بها.

وكانت قد نجحت بعض محاولات النهب والتخريب في السنوات التي سبقت قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971م ، من تهريب مجموعة من القطع الأثرية التي لا تقدر بثمن إلى خارج أراضي الإمارة، كما دمرت أعمال البناء وكذلك أنشطة الحرث والحصاد آثاراً أخرى على مدى القرون وخاصةً في الأراضي الخصبة التي ظلت محل استيطان دائم للبشر.

وبحسب أمين متحف الشارقة للآثار ناصر الدرمكي، فإن "موقع المليحة يعد أحد أكثر المناطق تضرراً من محاولات النهب وأنشطة البشر على حد سواء، وذلك قبل أن تقوم حكومة الشارقة بجهودها للحفاظ على تاريخها من خلال المحافظة على الآثار و مواقعها، خصوصاً أن منطقة المليحة تزخم بالآثار القديمة، إذ أظهرت المكتشفات الأثرية وجود وثائق مكتوبة على مواد متنوعة منها الطوب والفخار والمواد النحاسية والحجرية، كما شمل التنوع ظهور اختلاف في العبادات والمعتقدات الدينية وأنواع الكتابات المنقوشة منها الكتابة الآرامية وخط المسند".

وتمتاز المليحة بموقع أثري غني، إذ تقع في سهل داخلي مباشر غربي السلاسل المنخفضة من جبال الحجر، وعلى بعد 20كم جنوب مدينة الذيد، وعلى مسافة 50 كم شرقي مدينة الشارقة ، ويحتوي الموقع على تضاريس كثيرة ومتنوعة، منها منحدر خفيف على الجنوب الشرقي وكثبان رملية في الوسط ونحو الشمال الغربي ومنخفضات رملية إلى الشمال الغربي والشمال، أما في الغرب فتمتد مرتفعات فايا بقممها الصغيرة المنحدرة إلى الشرق وتتخللها وديان صغيرة ضيقة وعلى مسافة بسيطة إلى الشمال تتقدم الكثبان المتموجة الواسعة بين الأحديدبات المطمورة لجبل فايا وارتفاعات جبل مليحة.

وتابع الدرمكي أن "مواقع أثرية في الشارقة تعرضت لعدد من محاولات النهب منها ظهور بعض القطع الأثرية المهربة من مليحة وغيرها في سوق الآثار الدولية، وأغلبها يعود للفترة بين 300 قبل الميلاد و 300 بعد الميلاد، وهي فترة الازدهار الملحوظ الذي سجلت جانباً من مظاهره بعثات التنقيب في هذه المحطة التجارية الهامة التي عاصرت ازدهار ممالك البخور واللبان في اليمن".

موضحاً أن "القطع تعد جزء من آثار الشارقة التي نهبت في الماضي، وتمكن حاكم الشارقة من استرجاعها بعدما علم أنها معروضة للبيع في مزاد عالمي في الخارج، وتكرم سموه بإهدائها لمتحف الشارقة للآثار على اعتبار أنه مكانها الأصلي الذي يجب أن تعرض فيه، لتسرد لزواره جانباً مهماً من التاريخ الأثري".

مجموعة مستردة

وقال الدرمكي إن "مجموعة حاكم الشارقة من الآثار المعروضة في المتحف، تتكون من مجموعة قطع مميزة التي تصور جانباً من حياة سكان الشارقة في الفترات الأخير قبل الميلاد وكذلك في القرون الميلادية الأولى، وتشمل زوايا الصورة بعض دلائل الثراء ومهارة الصناع سواءً في مليحة أو في البلدان التي جلبت منها القطع، وهي وإن استوردت فإنها ولا ريب تشير إلى بعض خفايا المعتقد وجزء من ملمح الحس الجمالي والتفكير الفني لدى سكان تلك الفترة".

ومن هذه القطع آنية معدنية منقوشة برسوم لحيوانات تسرح "جمال"، وجرة صغيرة خبأت في جوفها قطعاً ذهبية، إضافة إلى تماثيل صغيرة جداً لأسود وكذلك لأقدام بشر، كانت تستخدم كتعاويذ وتمائم وذلك بحسب اعتقاد بعض المختصين، غير أن كل هذه القطع المعروضة تشي بثقافة أصحابها في تلك الفترة وانفتاحهم على حضارات عريقة مجاورة وبعيدة، ولعلهم ربطوا في حينها بين الهند في الشرق وسواحل البحر الأبيض المتوسط المعتقة بطابع الحضارة الهلينيستية.

ولم تتوقف مبادرات حاكم الشارقة عند هذا حد، إذ أمر سموه بتغيير مسار أحد الشوارع في منطقة المليحة وذلك بعد ان خضع لكافة الاجراءات التطويرية من تركيب تمديدات المياه والإضاءة، إذ تبين أن الشارع يضم بين طياته العديد من القطع الأثرية التي لم يتم التنقيب عنها بعد، على أن تخضع المنطقة لمسح وتنقيب للآثار التي تزخر بها منطقة المليحة وتعد أبرز موقع أثري في الشارقة.

من يسرقها؟

وتابع الدرمكي أن "من يقوم بسرقة تلك الآثار هم أشخاص يجهلون أهمية وقيمة التاريخ المرتبط بالآثار خصوصاً أن إزالة أي قطعة أثرية من موقعها، يستحيل معه معرفة تاريخ تلك القطعة وتوثيقها، كما أن الأشخاص الذين يعيشون وضعا اقتصادي متدني يلجؤون إلى سرقة وتهريب الآثار من أجل الحصول على القليل من المال، الذي لا يعادل جزء بسيط من القيمة الفعلية لتلك الآثار".

لافتاً إلى أن "تجارة الاتجار في الآثار المسروقة، تلقى رواجا في المناطق غير المستقرة سياسيا في العالم وهذا يعكس ما حصل في مصر وسوريا والعراق وافغانستان من عمليات نهب للمتاحف الأثرية، إذ باتت تلك الآثار بلا هوية ومنتشرة في العالم من خلال وصولها إلى مزادات عبر تجار السوق السوداء الذين يستغلون الوضع الاقتصادي لهؤلاء الأشخاص، إذ أحبطت أخيراً جمارك الشارقة محاولة تهريب كنوز أثرية من تركيا بقيمة تتراوح بين 27 و33 مليون درهم وارجاعها إلى مكانها الأصلي".

وأكد الدرمكي أن "ظاهرة المتاجرة بالآثار مسألة عالمية، ويتوجب الاهتمام بها واخذها بجدية، إذ أن القطع الأثرية التي تم التنقيب عنها ذات أهمية عالية كمصدر للمعلومات عن حياة سكان المنطقة، إذ لا تتوفر أية سجلات أو وثائق مدونة في حال ضياع تلك الكنوز، خصوصاً أن القطع الأثرية التي تتم إزالتها من مواقعها بطريقة غير قانونية عادة لا توجد لها سجلات أثرية".

موضحاً أن "السجلات الأثرية تقوم بوصف الموقع الذي يتم العثور فيه على أية قطع أثرية، إذ أن دراسة السجل الأصلي للمكتشفات الأثرية وبيئتها بعناية ودقة هي الطريقة الأساسية في دراسة الحضارات القديمة، أما القطع التي ليس لها سجلات أثرية فلا نستطيع إلا دراسة القليل عنها من خلال التحاليل المحدودة، ونستطيع فقط أن نتأمل جمال تلك القطع، ولكننا على سبيل المثال لن نتمكن من معرفة شيء عن طبيعة التجارة والغذاء والحياة الطبيعية في تلك الفترة التي تنتمي لها القطعة ولا معرفة المجتمع الذي صنعها".

محاربة التهريب

إن حماية التراث الحضاري والثقافي هي مسؤولية تقع على عاتق كل فرد كما أنها مسؤولية وطنية ودولية، من هذا المنطلق وبهدف مكافحة الشارقة لمشكلة الاتجار غير القانوني في الآثار، سن صاحب السمو حاكم الشارقة في عام 1992 قانون لحماية وصيانة تراق الشارقة الحضاري والطبيعي، إذ يعد هذا القانون هو التشريع الوحيد من نوعه المعمول به في الإمارات,

ويحظر ويمنع سرقة الآثار والإتجار بها ويعمل على حمايتها، بموجب هذا القانون، إذ يسمح بإجراء الحفريات والتنقيبات من قبل الخبراء المختصين بالآثار المصرح لهم، كما يعمل على الحفاظ على الآثار، وذلك بمساعدة علماء الآثار الذين يقومون بمسح دقيق لأي موقع قبل الشروع بأي عمل تطويري أو عمراني في إمارة الشارقة.


آثار تونسية ومصرية نُهبت بعد الثورة

• تكرّر مشهد الاستيلاء على الآثار، أخيراً، في تونس، بحسب النشرة الالكترونية لجريدة الشروق التونسية، ليؤكد حقيقة سبق أن كشفت عنها تقارير المعهد التونسي للإحصاء بأن ظاهرة النبش والتنقيب عن المواقع الأثرية ثم الاستيلاء على محتوياتها تجاوزت الـ40 حالة اعتداء وتخريب وهدم، بعد ثورة 14 يناير، وجاءت مبادرة وزارة الثقافة والمعهد الوطني للتراث ووكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية بتنظيم معرض للآثار المنهوبة من قبل الحكومة السابقة تحت شعار «تراث نُهب، تراث يُسترجع» بمتحف قرطاج قدم فيه نحو 100 قطعة أثرية تعود أغلبها إلى الحقب التاريخية الرومانية والفينيقية، وإلى القرن الأول والثاني والثالث بعد الميلاد.

وتكونت من منحوتات وتماثيل تستعمل كأدوات زينة وتزويق، من ذلك تمثال برونزي يجسد «ديونيزوس»، ويعود تاريخه إلى القرن الثاني الميلادي، وتمثال خزفي لـ«إيزيس» (إله الحب) يعود تاريخه إلى القرنين الثاني والثالث ميلادي، إلى جانب قطعة أثرية تمثل مسلة جنائزية من الكأس على هيئة «إيزيس» تعود إلى القرن الثالث ميلادي، وتمثال من الرخام الأبيض يجسد «فينيس» (إله الحب والخصوبة لدى الرومان) ويعود إلى النصف الثاني من القرن الثاني ميلادي، وتمثال يجسّد رجلاً عسكرياً ويعود تاريخه إلى القرن الأول ميلادي.

• شهدت المناطق الأثرية في مصر، عمليات سرقة ونهب بعد اندلاع ثورة يناير، بحسب موقع الوفد المصري، فقد استغل اللصوص حالة الانفلات الأمني، وباتوا ينقبون عن الآثار في كل مكان، فتعرضت مخازن الآثار للسرقة دون أن يتصدى أحد لتلك العصابات التي ازدادت في الآونة الأخيرة. وقد تم إهدار كنوز وتراث مصر الذي ظل صامداً لآلاف السنين، ولم يبالِ أحد بضياع تاريخ عريق يلهث الغرب وراءه، ويدفعون ملايين الدولارات من أجل اقتنائه، ففُتح الباب على مصراعيه لنشاط تجارة تهريب الآثار المسروقة.

تويتر