رواية الأرجنتيني ممبو جياردينلي عن «اللحظة الفارقة»

«القمر اللاهب».. 3 ليالٍ من العشق والدم

صورة

في اللحظة الفارقة التي يضطرب فيها غزل المرء، فيتحول إلى مسالم سابق، تتوقف رواية «القمر اللاهب» للكاتب الأرجنتيني ممبو جياردينلي، الذي لا يختلف كثيراً عن أبناء قارته اللاتينيين في رسم عوالم واقعية سحرية، والولوج بقسوة في أعماق تحاول بعض الأقلام «المهذبة» الابتعاد عنها، إيثاراً للسلامة، وابتعاداً عن وجع الرأس.

بلا مقدمات طويلة، يوّرط الكاتب الأرجنتيني بطل الحكاية، ولا يحتاج الأمر إلى صفحات ممهدة كي تتلاحق أحداث الرواية القصيرة أصلاً (126 صفحة)، فيدا بطل القصة اللتان طالما تحسستا الجمال برقة، ومستا زهوراً طبيعية وإنسانية بلطف، هما نفس اليدين اللتين أقدمتا على ارتكاب جريمة في ليلة رطبة، تلاشت فيها الحدود ما بين الكائن الخيّر والشرير، فالمحامي الشاب، المتعلم بمدينة النور باريس، والموعود بمستقبل أكاديمي وسياسي زاهر في بلاده، ينزلق في ليلة إلى الضفة الأخرى، بمباركة «قمر لاهب»، ويصير هارباً من ذاته ومن السلطات.

بطاقة

اسم العمل: القمر اللاهب.

المؤلف: ممبو جياردينلي.

المترجم: خالد الجبيلي.

الدار: منشورات الجمل.

عدد الصفحات: 126 صفحة.


قمر آخر

في رواية «القمر اللاهب» ثمة قمر أرضي، يقلب حياة بطل الرواية رأساً على عقب، ويـبدل مصيره في ثلاث ليالٍ فحسب: «آراسيلي فتاة رائعة، بشعرها الطويل الأسود الكثيف، وجدائلها المتغطرسة التي تؤطر وجهها الرقيق الناعم.. وبعينيها البراقتين السوداوين البارزتين غير المباليتين، لكن الماكرتين».

في «القمر اللاهب» التي نقلها إلى العربية المترجم السوري خالد الجبيلي، ثمة قمر أرضي، يقلب حياة بطل الرواية رأساً على عقب، ويبدل مصيره في ثلاث ليال فحسب: «آراسيلي فتاة رائعة، بشعرها الطويل الأسود الكثيف، وجدائلها المتغطرسة التي تؤطر وجهها الرقيق الناعم.. وبعينيها البراقتين السوداوين البارزتين غير المباليتين، لكن الماكرتين»، وبمجرد أن وقعت عينا المحامي الشاب على تلك الفتاة، تبدلت مسيرة حياته التي كان من المفترض أن تبدأ، ليسطع نجمه في ظل حكومة تبحث عن وجوه لم تلوث بعد في تلك الآونة في الأرجنتين التي كانت تعيش تحت حكم عسكري، خلال الفترة من 1976 – 1983.

تتداخل المشاهد والعواطف في «القمر اللاهب» الصادرة عن منشورات الجمل في بيروت وبغداد، فليلة العشق الأولى لم تكن خالصة، فالعشق ذاته كانت مطعماً بالاقتراب من القتل، وبالإكراه، هكذا بدا في البداية من طرف الفتاة آراسيلي، ولا يفتأ أن يعمد ذلك العشق بالدم، فالمحامي يتورط في قتل والد المعشوقة الصغيرة، حينما يشك في أن الأخير كان على دراية بالحكاية، وربما كان يخطط هو الآخر لقتل مغتصب ابنته، أو هكذا اعتقد راميرو.

تتكشف الأحداث بسرعة، فلا وقت في حبكة «القمر اللاهب» للأجواء البوليسية، واللعب على وتر التشويق، ومحاولة المط والتطويل، فالشرطة تتوصل سريعاً إلى راميرو، وتضع يدها على دليل إدانة المحامي، قبل أن تتدخل الفتاة، وتحاول إنقاذ «حبيبها» أو عشيقها الذي يحاول قبل النهاية أن يضع حداً لحياتها هي الأخرى، كما صنع من قبل مع أبيها.

يفرض الواقع ذاته على الرواية، إذ تحضر ملامح المكان وناسه، وكذلك أحداث تعود إلى فترة مضطربة في تلك البلاد (1977 تحديداً)، فثمة أحكام استثنائية، ومعاملات قمعية من قبل السلطات، وتبدى ذلك في أكثر من مشهد، ولعل تلك الأحداث أسهمت، بشكل أو بآخر، في انسياق بطل الحكاية إلى تلك الورطة الإنسانية والأخلاقية.

بخبرة يغوص الروائي الأرجنتيني ممبو جياردينلي في أعماق بطل حكايته، فيجعله في كثير من اللحظات مفخخاً بالأسئلة، يراجع مسيرة حياته التي لم تتجاوز الـ32، يستعيد فصولاً منها، مردداً أقوالاً تختبر مدى إنسانيته، يدخل في حالات مد وجزر، ويحدّث نفسه بما يكتمه آخرون، وتتداعى الأفكار، بعد تداعي صاحبها، وفراره من جريمته، ومن ضميره الذي يحاول إسكاته، أو يقنع ذاته بأنه لا ثمة ضمير، وأن ذلك المسمى ما هو إلا كلمة مخترعة تقمع البعض عن إتيان ما يشتهون. في إحدى تلك التداعيات، يقول بطل الرواية المحامي الشاب: «لم يعد من المجدي أن يواصل الهرب، إنه هارب بأرجل قصيرة. ففي أي لحظة سيأتون للبحث عنه، وكل ما يمكن أن يفعله خلال ذلك هو أن يفكر، أن يفكر ويتذكر، لكي لا يشعر بالندم. هل لديه سبب للندم؟ فمنذ أن بدأ دراسة القانون في باريس، كان يعرف ذلك. أوه باريس، الجميلة المتلألئة، ونهر السين الذي يتدفق بلطف وحياء شديدين، وهاتين الضفتين اللتين تحفهما مراكب صغيرة، وصيادون مثقفون في أفواههم غلايين. تنمية، رأسمالية متقدمة، علم بيئة، نظافة، وبرودة لانهائية تعتري الناس».

 

 

تويتر