خلطة ناجحة في ‬6 أيام.. وعبدالله زيد «المنقذ»

«أنت لست كارا».. القتل من أجل تاريــخ مزوّر

نص قوي وأداء مبهر وسينوغرافيا مبدعة اجتمعت في «أنت لست كارا» للمخرج محمد العامري. تصوير: تشاندرا بالان

عندما يجتمع النص القوي والأداء المبهر والسينوغرافيا الجيدة والجوقة المبدعة يكون هناك عمل مميز من إمضاء المخرج محمد العامري، الذي تفوق على نفسه، واستعاد ثقته بنفسه، وسرعان ما وقف بعد سقطة مؤلمة في مسرحية «خلطة ورطة»، التي عرضت قبل يوم واحد من عرض مسرحية الابداع «أنت لست كارا».

وإن كان المساس بالتجربة الفنية والمخاطرة بها أمر لا يغتفر، لاسيما ممن تعودوا على ابداعات العامري، مثل مسرحية صهيل الطين وحرب النعل، وغيرها الكثير، إلا أن العامري سرعان ما كفّر عن ذنوب ارتكبها في حق اسمه مخرجاً متميزاً، وفي حق كل من يهمه نجاح العامري، من خلال عرض مسرحية «أنت لست كارا»، والتي تعتبر أحد أقوى العروض المنافسة لاقتناص جوائز المهرجان كأفضل ممثل دور أول «كارا» الفنان «عبدالله زيد»، وأفضل عرض متكامل، بل وأكثر من ذلك، إذا ما أمعنت لجنة التحكيم النظر في تكاملية العمل والجهد المبذول، سواء من المخرج أو الممثلين أو السينوغرافيا والصورة البصرية التي رسمها المخرج بإبداع.

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل يرجي، الضغط علي هذا الرابط.

وما لا يعرفه الكثير عن مسرحية «أنت لست كارا» للمؤلف عزيز نيسين لمسرح الشارقة الوطني، والتي أعدها واخرجها العامري، أنها مسرحية آخر لحظة، كونها نفذت قبل ستة أيام فقط من عرضها على لجنة المشاهدة واختيار العروض المشاركة في مسابقة أيام الشارقة المسرحية، والمثير أن التحضير للعمل استغرق أقل من شهر، ليظهر بتلك الصورة المبهرة في عمل متكامل من جميع عناصر العرض المسرحي.

تاريخ مزوّر

«أنت لست كارا» عندما يقتل انسان في سبيل الحفاظ على تاريخ مزور، هو الوجه الآخر للحرب التي لا يميزها، فالحرب هي الحرب في كل مكان، إذ يمكن أن تحمل تاريخها وتضخمه وإن كان مزوراً، فالغرض هو ابقاء هذا التاريخ وتمجيده وتخليد ذكرى البطولات المزيفة، قائمة على صعلوك وغد تحول إلى بطل حرب، بل ونصب له تمثالاً لتخليد ذكرى الشهيد كارا. من لا يعرف كارا يصدق بأنه بطل مغوار ومحارب جبار لا يخشى الموت، بل يقاتل من أجل نيل شرف الشهادة في سبيل الحفاظ على الارض والعرض، وهذا ما أراد الجميع تصديقه، وتكريماً لتلك الروح الخالدة والطاهرة التي عانت من أجل الحفاظ على شرف المدينة والذود عنها، أقيم احتفال شعبي ضخم للشهيد كارا تضمن تشييد نصب تذكاري في ساحة المدينة وخطابات رسمية لأعلى طبقاتها ورجالاتها، الجميع يشيد بدور الشهيد، والكل يبكي كارا ذلك الفارس الذي تغلب في بطولات استثنائية على أعداد كبيرة من جيوش العدو، بل وسجلت بطولات له عندما اخترق صفوف وأسوار العدو، الأمر الذي دفع برئيس مدينة «يونطابور» إلى تبديل اسمها ليتضمن اسم الشهيد وتصبح «كارابور».

الاحتفال بالشهيد

من هذا الاحتفال والمراسم التشريفية، يبدأ العرض، الذي أراد العامري جمهور الصالة ان يشاركوا فيه، إذ فرش السجاد الأحمر ووضع الحواجز الرسمية ليبعد الجمهور الذي وقف في انتظار وصول رئيس البلدية الممثل «محمد اسماعيل» ورئيس الأمن الممثل «حميد سمبيج» ويرافقهم قائد الحرس الممثل «أحمد عبدالرزاق»، الذين دخلوا من بوابة معهد الشارقة للفنون المسرحية وصولاً إلى قاعة العرض واعتلوا خشبة المسرح، إذ كانت في انتظارهم الفرقة الموسيقية العسكرية وأعضاء الأحزاب وأهالي مدينة بونطابور.

وفي إحدى زوايا الاحتفال، كان يقبع أحد أبناء المدينة، وكان في حالة سكر تام بات معها يترنح ويهذي بكلمات غير مفهومة وملابس رثة وممزقة وشعر أشعث، ومع انتهاء مراسم تخليد ذكرى الشهيد البطل، وانصراف الجميع الذين تذكروا انجازات الشهيد والصداقات المفبركة التي تربطهم به، في خطابات اتسمت بالتأثر والأسف على وفاته، ذهب السكير وقضى حاجته على النصب التذكاري، والذي اعتقد بانه جدار وليس نصباً، وما أن عرف بأنه تمثال لذكرى الشهيد كارا، توقف قليلاً وقال: «أنا كارا حي لم أمت».

ضحك رئيس البلدية ورئيس الأمن، واستخفوا بما يقوله هذا السكير الذي أراد أن ينتحل شخصية البطل كارا، فقرروا أن يجاروه ويتسلوا بسكير لا يعي ما يقول، فصار يحكي لهم من هو كارا، هو أجبن انسان يمكن ان تعرفه، هو بلا احساس ومجرد من الكرامة، ولد صعلوكاً يائساً، كان يسرق البيض، هنا تدخلوا وقاطعوه ليخبروه بأن كل الناس يغارون من كارا، حتى هم يغارون من موته وما تبعه من تكريم له، إذ إن جنازته حضرها الجميع، بمن فيهم رئيس المدينة الذي منح أسرته كل شيء يتمنونه، كما أنهم خصصوا مساحة له في كتب التاريخ والأفلام والمسرحيات.

حكاية بطولاته

لم يستوعب السكير ما يقولانه، فهو كارا، ومع اصراره طلب رئيس البلدية والأمن أن يحكي لهم عن الحرب، وماذا فعل بجيش العدو من بطولات، بدأ السكير يحكي كيف تطوع في الحرب لأنه أراد التخلص من زوجته ومن كل شيء حوله، فضّل الذهاب من الموت إلى الموت، فهو لص ومهرب وصعلوك، ولأنه مريض بداء الكبد لم يستدعوه للتطوع، فزور شهادة ليتمكن من المشاركة في الحرب، كان يرى الموت يحوم حوله والشباب تتناثر أشلاؤهم في كل مكان وفي كل زاوية من الساحة، وهو صار يهرب ويقفز فوق جثث الشبان القتلى، حول صور الجرائد التي نشرت بطولاته واستشهاده والميداليات الذهبية والفضية والنياشين التي حصل عليها وكان بالفعل في حوزته، أكد أنه كان يلعب القمار مع أفراد جيش العدو وكل من يفوز يحصل على الميداليات، كما أنه كان يسرقها من القبور المملوءة بالقادة العسكريين.

وفي كل مرة يحكي السكير أنه كارا لا يصدقونه، ومع توالي سرد حكايات بطولاته المزعومة وقصة استشهاده المفبركة، يتخلل الشك لديهم في أنه هو كارا الحقيقي، ويتابع إحدى قصص بطولاته، أنه في أحد الأيام هجم العدو على سريته، وقتلوا جميع الجنود بواسطة السلاح الأبيض، إذ أصبحت الساحة سوقاً للأرواح، أما هو فقد أغمي عليه وكان الناجي الوحيد من السرية، وحول قصة اختراقه جدار العدو أكد السكير انه تابع لأحد الجواسيس، هو يعمل لكل من يدفع له أكثر، وبينما كان يرقص ويمرح ويغني معهم هجم الجيش على العدو، ولأنه خشي من أن يفضح أمره هرب واختلط بجيش العدو، وبينما الجيش ثمل وعن طريق الخطأ سدد بالسلاح فأصاب قائد سرية العدو فمنحه قائده ميدالية. في تلك الأثناء بدأ رئيس الأمن يصدق بأنه كارا الحقيقي، خصوصاً أن الأخير كشف حقيقته، فهو يعرفه صديق الطفولة عندما كانوا يسرقون البيض معاً، كما أن رئيس الأمن لا يعاني أصلاً إصابة في ساقه إنما هي ساق سليمة، لكنه يتظاهر بذلك، هنا تبين لهم بأنه كارا الحقيقي، فطلبوا منه أن يغادر المدينة كي لا يكشف تلك الحقائق ويشكك في البطولات التي سجلها التاريخ، الذي باعترافه وظهوره يكون بذلك دنس هذا التاريخ الذي بُني على زيف، ومع رفض كارا الحقيقي الذهاب ومغادرة المدينة، اضطر رئيسا البلدية والأمن أن يحافظا على التاريخ المزيف بقتل كارا الحقيقي في سبيل الابقاء على تمثال الشهيد البطل كارا المزيف الذي سقط في النهاية.

تويتر