اعتبر أن لوحة الخط بحاجة إلى من يسبر أغوارها
عـلي الأميـري: الحـرف العربي غير محايد المشاعر
علي الأميري: المال ليس معادلاً صحيحاً لقيمة اللوحات الحروفية. تصوير : أحمد عرديتي
الدوام الرسمي ومتطلباته في قسم تفتيش المباني التابع لبلدية دبي، لا يمنع الموظف علي مراد الأميري، من معايشة تفاصيل جمالية عبر إبداعه لوحات خطية، يرى أن أجواءها ليست بعيدة عن التي يعايشها الشاعر أثناء إلحاحه على استيلاد معانٍ جميلة تحملها القصيدة، أو تلك التي يبحث عنها الفنان التشكيلي بألوانه، مؤكداً أن لوحة الخط العربي أيضاً بحاجة إلى من يسبر أغوارها، كي تفصح عن كوامن أسرارها الفنية.
الأميري المولود عام 1969 بدأ إبداع لوحات خطية ناضجة في تسعينات القرن الماضي، معتبراً أن فن الخط لا يمكن أن يكون هواية وفق المفهوم السائد لهذا المصطلح، وهو ما دفعه إلى دراسة قواعده في معهد الشارقة للخط العربي علي يد د.صلاح شيرزاد، ود.علي ندا، قبل أن يستكمل مزيداً من الدراسة في تركيا، ما أهله لإنجاز مئات اللوحات لم يعد يحتفظ منها سوى بـ48 عملاً فقط .
وعلى الرغم من أنه رئيس جماعة لغة الضاد في بلدية دبي، إلا أن الأميري يرى أن الأخطاء والتشوهات التي تلتقطها العين في بنية الحروف العربية قد تبدو أكثر فداحة وتأثيراً سلبياً من الأخطاء النحوية والإملائية، مضيفاً لـ«الإمارات اليوم» ان «أكثر المشاهد القادرة على إثارة مشاعر سلبية بالنسبة لمحب (العربية) مرتبطة بالتشويه الذي أصبح سمة يومية نلتقطها في كثير من المظاهر حولنا، بسبب إهمال البعض أهمية بهاء الحرف الذي هو غير محايد المشاعر عبر قدرته على حمل دلالات ومشاعر كثيرة ومختلفة، وفي حين أن الأخطاء في القواعد النحوية والأصول الإملائية قابلة للتغلب عليها بيسر، إلا أن فساد الذوق بحاجة إلى جهد أكبر لإصلاحه».
فن جاذب
|
زهد أرجع الخطاط الإماراتي، علي الأميري، الذي قام بتأليف كتاب بعنوان «قواعد الخط العربي.. تمرينات في خط النسخ» عدم مشاركته في جائزة «البردة»، لأسباب تتعلق بقناعاته الشخصية، فيما أكد أنه لم تتم دعوته من وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع للمشاركة في ملتقى رمضان لخط القرآن عبر دوراته المختلفة، مضيفاً «أقيم بعض معارضي الشخصية بين الحين والآخر، وأمتلك علاقات جيدة مع زملائي الخطاطين الإماراتيين، وهم محدودون عدداً بالأساس، لكن هناك زهداً من قبل بعض المشهورين في حضور معارض لا تحتضنها مؤسسات رسمية، وبالتالي تشهد هذه المعارض أيضاً زهداً مماثلاً في التغطية الإعلامية والحضور الجماهيري». |
مقتنو لوحات الأميري، حسب تأكيده، ليسوا إماراتيين أو عرباً فقط، بل إن الخط العربي فن شديد الجذب للجاليات الأجنبية، خصوصاً المقيمة منها في البلدان العربية، موضحاً «مررت بتجربة عملية تؤكد ذلك، إذ قمت بتدريس فنون الخط العربي لمجموعة من أبناء الجالية اليابانية المقيمة في دبي، بناء على طلب جمعية النهضة النسائية، وحينما أنهت المجموعة دورة مكثفة لمدة أسبوع، فوجئت بأن المجموعة ذاتها طلبت دورة أكثر تخصصاً لشهرين، وما إن انتهت حتى تقدمت بطلب ثالث لدورة متوسعة تستغرق عاماً، وهو ما لم أستطع تلبيته، على الرغم من أن بعض الملتحقين بالدورتين كانوا مقيمين في إمارات مختلفة في الدولة».
عالمية الخط العربي، وقابلية جمالياته للتذوق من قبل ابناء ثقافات أخرى هي المبرر لوجود لوحات خطية خارج دائرة الدول العربية والإسلامية، إذ يشير الأميري إلى أنه علاوة على المقتنين الأفراد، فإن بعض المؤسسات، منها مستشفى في ألمانيا، ومركز ثقافي في سويسرا، تستحوذ على عدد من لوحاته الخطية.
الأميري الذي يستضيف متحف الصقور للخط العربي أحدث معارضه الفنية بعنوان «تاريخ الفن الإسلامي» يميل إلى تصنيف أعماله في المعرض إلى مجموعات عدة، حيث يقول «المعرض حمل ثلاث مجموعات خطية أولها اللوحة الكلاسيكية، وعرضت فيها نصوصاً قرآنية وأحاديث ومأثورات قولية مكتوبة بأنواع الخطوط التقليدية من ثلث وكوفي وديواني وتعليق، وغيرها، والتزمت فيها قواعد الخط مع استخدام الزخرفة الإسلامية، خصوصاً الزخرفة النباتية، أما المجموعة الثانية فقد استخدمت فيها (خط الحر)، وهو نوع تعتمد كتابة الحروف فيه على قواعد الخط التقليدي بالنِسَب والأطوال نفسها، لكن الخطاط يمتلك حرية كاملة في إضافاته التشكيلية على الحرف، فيجعل رؤوس الخطوط على شكل أوراق أو أغصان أو أي أشكال نباتية أو حيوانية حسب تصور الخطاط، أما المجموعة الثالثة فهي لوحات تجمع بين الأصالة والحداثة، إذ مزجت الخط بالتشكيل مع الحفاظ على القواعد التقليدية».
مشاعر ولاء
بداية اهتمام الأميري بفن الخط نبعت من اهتمامه بالرسم، وهو ما جعله أكثر قدرة على الاستفادة من عالم التشكيل في إبداع اللوحات الخطية التي يبدو فيها اهتمامه بالألوان ملحوظاً بشدة، في حين تتبدى في كثير من أعماله ايضاً ارتباطه الشديد بتراث الدولة، وهو الرابط الذي يحيل إليه أيضاً وظيفته الرسمية في بلدية دبي التي تُعنى دائماً ببروز الطابع العمراني الأصيل للإمارة.
وذكر الأميري أنه بدأ منذ شهور عدة الاستعداد لمعرضه المقبل الذي سيتزامن مع احتفال الدولة بالذكرى الـ41 للاتحاد، مضيفاً «أسعى إلى انجاز مجموعة خاصة من اللوحات التي تترجم مشاعر الولاء والانتماء لهذا الوطن، والاعتزاز برموزه، فاللوحة الخطية قادرة دوماً على التعبير عن خصوصية الحدث، ليس عبر المحتوى الدلالي فقط، بل من حيث الشكل الفني أيضاً عبر حلول عدة مرتبطة بحرفية وذاتية الفنان ايضا».
ورفض الأميري أن يكون سعر اللوحات معياراً للقيمة الفنية للوحات الخطية إذ إن «الأسعار تحددها شهرة الخطاط، ومدى انتشاره، لكن في الحقيقة هناك الكثير من الأعمال التي تحمل قيمة فنية عالية، من دون ان يكون مبدعوها من زمرة المشهورين، فالشهرة معيار مغلوط للحكمين الفني والجمالي على اللوحة».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news