«المشهد الأخير من المأساة» لاقت الإعجاب.. و«مجلس العدل» كشفت عن خامات جيدة

«المسرحيات القصيرة» بنكهة الربـيع العربي

«المشهد الأخير من المأساة» لاقت الاستحسان. تصوير: أسامة أبوغانم

لا يمكن التعميم بأن الثورات العربية أو ما يعرف باسم «الربيع العربي»، تركت بصمتها على كل انسان يحمل في قلبه نبض الحرية والتحرر، إلا ان ذلك الوضع يمكن ان يلمسه المتتبع لمهرجان الشارقة للمسرحيات القصيرة في كلباء، تلك الحالة باتت ثيمة بالنسبة لمعظم العروض المشاركة وإن اختلفت طرق طرحها، فمنهم من كان مباشراً فيها، والآخرون تشبهوا بها، وغيرهم من جعلها سياسة مبطنة وترك خيال المتفرج يقوده أينما أراد. ولم يكن حال مسرحيات اليوم الثاني للمهرجان بعيدة عن تلك الثيمة المبطنة أو حتى الظاهرة للعيان، فقد تناولتها المخرجة سهير عبدالباسط مصطفى وفجرتها صراحة في مسرحية «مجلس العدل» ضمن نص ينتمي للأدب العربي للمؤلف توفيق الحكيم، إذ قالت مصطفى في رؤيتها الاخراجية «عندما تموت الضمائر يلبس الباطل ثوب الحق، يعم الفساد والظلم».

نقد واجب

على الرغم من أن عرض «المشهد الأخير من المأساة» لاقى استحساناً ملحوظاً من قبل المشاركين في الندوة التطبيقية، فإنه لم يسلم من النقد البناء، منها أنها لم تشتغل على الإضاءة بشكل جيد، الأمر الذي انعكس على المسرح فبات مسطحاً طوال المسرحية، إذ كان لابد من اللعب على بقع الضوء لاسيما أثناء الأداء الفردي، كما أن رفع الميكروفونات أضعف قليلاً من أصوات الممثلات التي كانت في أحيان غير واضحة.

وحصلت المخرجة والممثلة نور غانم على الجائزة اليومية كأفضل ممثل في العرضين المسرحيين، «مجلس العدل»، و«المشهد الأخير من المأساة»، وذلك بنسبة أصوات متقاربة بينها وبين محمد البلوشي وبثنية سلوم.

وتدور أحداث المسرحية في قاعة المجلس القضائي، الذي يفترض أن يكون بمثابة السلطة الحاكمة والفاصلة بين الظالم والمظلوم، تلك السلطة التي وجدت لتحكم بالعدل ولا شيء غير العدل، وفي المسرحية يحكم القاضي بالعدل بحسب ضميره الميت، فصار ينصر الظالم على المظلوم، بل ويلبس الباطل بالحق فيحكم للمذنب بتعويض وغرامة عما تعرض له من خسائر نفسية جراء شكوى المظلوم له، بل إنه في أحيان كثيرة يجعل من ذلك المظلوم متهماً أو حتى خارجاً على القانون، بل وأكثر من ذلك من التجريم والزندقة وحتى التكفير.

الجميل في المسرحية أنها واقعية ومناسبة لما يمر به الشارع العربي، لاسيما في وجود الشخصية الطاغية على اختلاف درجاتها وأسمائها الإدارية في نظام كل دولة، إذ تناولت المسرحية شخصيتين رئيستين، هما القاضي ويؤدي دوره الممثل الشاب خالد الحمادي، وصاحب الفرن (الفران) ويؤدي دورة محمد السويدي، تلك الشخصيتان استغلتنا سلطتهما على ما يمكن تسميتهم «الشعب» باختلاف ثقافاتهم وانتماءاتهم، صار القاضي يحكم بالظلم لما يتناسب مع مصلحته، فيما الفران كان يعيث فساداً بين الأفراد، فيسرق هذا ويقتل ذلك ويستغل الآخر، إلا انه واثق في النهاية بأن الشكاوى المرفوعة ضده ستصبح لمصلحته بفضل القاضي الفاسد.

فساد السلطة

يبدأ المشهد الأول ليظهر عنصري الفساد، القاضي والفران، متقابلين وكيفما اتجها إلا ان مصالحهما مشتركة وقائمة على تبادل المنفعة، فقد حصرتهما المخرجة في بقعة ضوء حمراء تدل على الشر والفساد المنبعث منهما، هنا يدخل صاحب الإوزة التي أعطاها للفران ليطبخها، فما كان من الاخير إلا سرقتها، فيدور حوار بين القاضي وصاحب الإوزة المطالب بحقه وتطبيق القصاص بحق الفران، فما كان من القاضي إلا ان تحايل عليه باسم القانون ووجه إليه تهمة سباب الفران وطولب بدفع غرامة مالية لنعته الأخير باللص، على الرغم من انه امام عينه أدخل الإوزة إلى الفرن إلا ان الله تعالى هو من جعلها تطير وتخرج من الفرن مثلما هو يحيي العظام وهي رميم، فوجد صاحب الإوزة نفسه متهماً وظالماً بل وكافراً أيضاً.

وتتوالى مشاهد الظلم والقهر، عندما جاء رجل معصوب العين للشكوى للقاضي بما فعل به الفران، إذ إن الأخير فقأ عين الرجل، أثناء محاولاته فض الخلاف بين الفران وصاحب الإوزة، ولأنه طالب القاضي بتطبيق القصاص فقد حكم على الفران بأن تفقأ عينه وأن يفقأ هو الآخر العين السليمة الوحيدة للرجل، على اعتبار ان القصاص يعني العين بالعين، فإذا سلمنا بأن الرجل يمتلك عيناً واحدة أصلاً فيعني أن تفقأ عينه الأخرى إذا أراد القصاص من الفران، فما كان من الأخير إلا ان تنازل عن حقه خشية العمى، الأمر الذي أغضب القاضي فوجه إليه تهمة الاستخفاف بأحكام المجلس وطولب بدفع غرامة مالية.

وهكذا تتابع الحالات المظلومة التي تخرج من مجلس العدل وهي ظالمة ومطلوبة أيضاً، على اعتبار أن القاضي يحكم بالعدل الذي يطلبونه وعندما يحكم به يرفضونه، ليظهر المشهد الأخير عندما يتقاسم القاضي والفران قيمة الغرامات المحصلة ظلماً من أصحاب الحقوق، بل وظهر الاثنان وهما يتشاركان أكل الإوزة المسروقة، هنا ترجح كفة ميزان الظلم ويرتفع كرسي الظالم المعلق كخلفية للمسرح، والذي أرادت به المخرجة إيجاد تلك العلاقة الطردية بين الظلم وكرسي الحكم، أنه كلما زاد الظلم ازدادت احتماليات سقوط الكرسي الذي لن يصمد كثيراً أمام كل ذلك الظلم والقهر.

 

فرجة جيدة

اعتبر مشاركون في الندوة التطبيقية التي تلت عرض مسرحية مجلس العدل، أن النص مهم والفرجة كانت جيدة، ولعل أهم ما يميز العرض وجود خامات وقدرات يمكن وصفها بالمهمة، فقد أشاد كثيرون بالممثل طارق عماد الذي أدى دور صاحب الإوزة، لما أظهره من نضج فني وقدرة على التمثيل أبهرت كثيراً من المتفرجين، في المقابل ورغم أن شخصية القاضي كانت رئيسة في العمل فإن الاشتغال على الشخصية لم يكن كافياً. كما أنه يؤخذ على المخرجة كثرة الاخطاء النحوية وضعف اللغة العربية لمعظم شخصيات العمل، إضافة إلى استعانة المخرجة بأغنية باللهجة المصرية في بداية العرض رغم أن إدارة المهرجان تشترط أن تكون المسرحيات المشاركة في المهرجان تقدم باللغة العربية الفصيحة دون الاستعانة باللهجات المحلية، وطالب مشاركون في الندوة التطبيقية المخرجة بإعادة النظر في الكرسي المعلق الذي، بحسب اعتقادهم، أنه لو أوقعته أثناء تقاسم القاضي والفران الغرامات المالية لحققت رؤيتها الفنية.

المتسلط القابع

لعل مسرحية «المشهد الأخير من المأساة» وهي نص للمؤلف الايرلندي صموئيل بكيت، أوجدت معادلة أخرى للقهر والقمع والتسلط، من خلال اخراج المتسلط القابع في داخل كل انسان والذي ينتظر لحظة الخروج، ويتحين الفرصة متى وجدها لينفجر في وجوه من يعرفهم كما لو أنه لم يعرفهم قط، تلك باختصار رؤية المخرجة والممثلة في المسرحية نور غانم، إذ تدور أحداث المسرحية التي لاقت استحسان وإعجاب المتفرجين والمشاركين في الندوة التطبيقية، حول ممثلتين تنتهز الأولى، نور غانم، تأخر المخرج عن موعد البروفة التدريبية فتنفجر لدرجة تصل إلى التسلط الجنوني على زميلتها، فتتقمص هي دور المخرج، فيما تمارس سلطتها على الأخيرة، الممثلة بثنية سلوم، ويدخلان معاً في رحلة من القمع والتسلط لدرجة تصل فيها نور لأقصى حالات السادية والعدائية متجاهلة كل مشاعر الالم والعذاب التي أظهرتها بثنية أثناء تقمصهما مجموعة من الشخصيات. وأكدت المخرجة نور غانم لـ«الإمارات اليوم» أنها حاولت من خلال مسرحية المشهد الأخير من المأساة ايجاد ذلك التزاوج والدمج بين مسرح العبث والمسرح الملحي الشعري لما يخدم فكرة المسرحية التي اختارتها وكانت في البداية تود ان تكون ممثلة في العمل الذي لم تود إخراجه أصلاً، إلا ان القائمين على اختيار الأعمال أصروا على اعتمادها كممثلة ومخرجة للمسرحية. واعتمدت نور في إخراج المسرحية على الاهتمام بالممثل على اعتبار أنه أساس العمل ويأتي في المقام الأول، دون إغفال العناصر الأخرى سواء السينوغرافيا والاضاءة والديكور، الذي كان بسيطاً جداً ويتناسب مع ما يخدم العمل، إذ لا يوجد اسراف في الديكورات.

تويتر