رسومات قديمة تكشف عروبة وسحر بلاد الشام
مقتنيات حاكم الشارقة.. الفن قبل اكتشاف الصورة
طباعات حجرية لرسومات تحمل فنوناً عريقة رسمت بأيدي مستشرقين، أعادوا اكتشاف مدن ومناطق قديمة ضمن رحلاتهم إلى بلاد الشام، تلك الأعمال جمعت مثل حبات العقد لتنظم مجموعة فريدة من نوعها عرضت في متحف الشارقة للفنون ضمن مقتنيات صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.
وتكشف مقتنيات بلاد الشام، عن رحلة حافلة وزخم طباعي بوقائع مشاهدات الرحالة من الفنانين المستشرقين، والتي تعود بها إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر، وهي المرحلة التي سبقت اكتشاف الصورة الضوئية، إذ يصور هؤلاء المستشرقون سحر الشرق، كونها أرض النعيم المكتشف والحكايات المنسوجة بألوان الصحراء ورمالها وطبيعتها الخلابة.
وتتيح رسوم بلاد الشام الاستشراقية المختارة من مجموعة مقتنيات حاكم الشارقة، فرصة حقيقية أمام الباحث التخصصي الساعي لاستجلاء هوية المكان وقراءته ضمن توثيق مرئي لا يخلو من الواقعية، ويعتمد على جملة من الأساليب الفنية المعنية بالمشاهد الشرقية العامة، إضافة إلى عنايتها بمناظر أخرى من الشرق تجمع بين طياتها اهتماماً بالتفاصيل شديدة التركيب والتعقيد، الأمر الذي يمنح تلك الأعمال سراً من أسرار الخلود إلى جانب الدهشة والابداع.
تسجيل بصري
|
دمشق القديمة تنقل لوحات المستشرقين في سورية، ضمن معرض بلاد الشام، كثيراً من الآثار والأماكن الشهيرة التي يأمل الباحثون ألا يطالها الدمار والخراب جراء ما تمر به المنطقة من أحداث سياسية، إذ رصد المستشرقون قلعة شما، ومغارة بانياس، وجبل حرمون، ونهر بردى، وطرطوس، ومدينة دمشق العتيقة وسهر اللاذقية، كما يصور البعض لوحات لمشاهد من عرب حوران ومناظر داخلية في خانات دمشق. |
تنحاز الأعمال الفنية المعروضة ضمن معرض بلاد الشام الذي افتتحه أول من أمس حاكم الشارقة، بوضوح إلى رصد وتسجيل الأمكنة بصرياً، مع الحفاظ على هيئتها الكائنة، فقد عمل الرسامون المستشرقون على تصوير راهن وحال وواقع تلك الأمكنة وما يجول في ثناياها من بشر وكائنات، إضافة إلى كل الموجودات المرتبطة بحياة الانسان وما يرتبط بها من سبل العيش والتعبد والأعمال التي تمت مزاولتها في تلك الحقبة من الزمن، الأمر الذي يجعل من تلك الرسومات شواهد حقيقية لتلك الفترة.
وتضم تلك المجموعة النادرة العديد من لوحات الغرافيك (الطباعة بأنواعها المختلفة)، والتي ابدعها مجموعة الفنانين المستشرقين الذين زاروا البلاد العربية والآسيوية، وتأثروا بما شاهدوه من معالم تاريخية وجغرافية، إضافة إلى اطلاعهم على عادات تلك الشعوب وتقاليدهم وكل ممارساتهم الحياتية، ما نتجت عنه أعمال فنية يمكن وصفها بـ«الأعمال التوثيقية».
ومن الموضوعات المعروضة في اللوحات الفنية التي قد يلحظها المتجول في المعرض، أن الموضوعات رغم كثرتها إلا انها في الواقع متشابهة إلى حد قريب، لاسيما انها تركز، بحسب ما تأثر به الفنانون، على المناظر الطبيعية التي سحروا بها، خصوصاً الجو الصافي الذي يتيح لهم مجالاً للرؤية، فمنها الطبيعة الصحراوية والبحيرات والكثبان الرملية والجبال الشامخة.
دين وتاريخ
ركز المستشرقون على الأماكن التاريخية والمدن المهمة بالنسبة لهم، سواء بدوافع دينية أو تاريخية، خصوصاً تلك التي ارتبطت بالحروب، سواء إبان الحكم العثماني أو التي تعود لحضارات ما قبل الاسلام، إضافة إلى تعقب الآثار التي تكاد تختفي بعضها، لاسيما في تلك المناطق التاريخية، إذ رصدوا العديد من اللوحات التي تبين القلاع الصليبية في العديد من الأماكن، مثل قلعة صلاح الدين في مدينة حلب.
وللمدن نصيب كبير من اللوحات وحيز واسع وجد طريقه بين أيدي الرسامين، وذلك لما لها من اهمية دينية وتاريخية، مثل صيدا والقدس وبيت لحم وصور ودمشق وعكا، وحتى الخليل، وتلك المناطق التي تحمل تسميات عبرية في الوقت الحالي، الأمر الذي يؤكد عروبة تلك المناطق، فمثلاً جسدت لوحات القدس ليس فقط الأماكن الدينية والتاريخية كالمسجد الأقصى وكنيستي المهد والقيامة، بل ضمت العديد من صور الشوارع البسيطة والمقاهي القديمة، وحتى الباعة الجائلين، إضافة إلى مواطن الجمال في تلك المنطقة بما فيها بحيرة طبرية الخلابة.
ولم يكتفِ الفنانون برسم المناظر الطبيعية إنما ركزوا على جوانب مهمة في حياة السكان، منها العمارة بشكلها وتفاصيلها المتنوعة، إضافة إلى الأزياء التقليدية والشعبية القديمة، مثل الطرابيش والشروال والعمائم وحتى الخمار والعباءة، وظهرت كذلك عناصر متنوعة من حياة سكان بلاد الشام، مثل نمط الحياة البسيطة وتجسيد صورة مصغرة لحياة الرعاة والمزارعين والتجار، إضافة إلى وسائل التنقل التي كانت رائجة في تلك الفترة من خيول وحمير وجمال.
فلسطين «أولاً»
كان لدولة فلسطين نصيب الأسد من مجموعة أعمال المستشرقين، إذ تحتل المساحة الكبرى في معرض بلاد الشام من حيث عدد اللوحات مقارنة بالأقسام الأخرى، الأمر الذي عكس ولع الفنانين بجمالية الأراضي المقدسة في فلسطين، واتجاههم لرسم ذلك العدد الهائل من اللوحات التي تروي التاريخ وما يحفل به من آثار تنتشر في القدس وبيت لحم والناصرة والخليل وعكا ويافا وبيت جبرين.
كما تضم المجموعة لوحات توثق شواهد شهيرة وعمائر مازالت شاخصة إلى وقتنا الحالي، مع تداعي أجزاء منها وتجديد الآخر، منها تلك اللوحة التي رسمها الفنان س. براوت من مخطوط كاثروود، ويظهر بها محراب المسجد العمري، وهو أعرق مساجد القدس.
أما في لبنان فقد عكست لوحات المستشرقين فيضاً من الجمال والسحر الذي تمتاز به الطبيعة اللبنانية، بما لها من تنوع أخاذ وأفق مفتوح يمتد إلى القصية وبساتين صيدا واودية النهار والشلالات والجسور الممتدة بين ضفتي الليطاني، إضافة إلى منابع المياه والقلاع والمعابد والبوابات الصرحية في بعلبك ودير القمر وقصور بيت الدين، مروراً بجبال لبنان وميناءي بيروت وصور.
فيما تمتاز اللوحات الاستشراقية في الأردن بالتنوع الكبير الشاهد على ثراء التاريخ والطبيعة في هذه البقعة الشامية المترامية الأطراف، إذ تتضمن في ثناياها ضريح النبي هارون ومخاضات نهر الأردن، إلى جانب الوديان والسهول والحصون المنيعة الخزانات.
أما مدينة البتراء جنوب الأردن، فقد اخذت حيزاً كبيراً من لوحات المستشرقين، إذ رسمت تلك المدينة العريقة من أكثر من زاوية، كما رسمت تفاصيل دقيقة للمنطقة والمنطقة المحيطة بها. وأظهرت اللوحات الأماكن التاريخية للمدينة، والتي يتضح أنها أبهرت بجمالها وأصالتها المستشرقين، وذلك كونها مدينة فريدة من نوعها، إذ لا توجد مدينة كاملة نحتت في الصخر الصلد.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news