الكاتب السعودي محمد الرطيان يهديهـا إلى «أعـز الناس»

«وصايا» لا تدّعي الحكـمـة أو الوصـاية

صورة

«وصايا، وليست وصاية».. عبارة يكررها ويشدّد عليها الكاتب محمد الرّطيَان في آخر مؤلفاته «وصايا»، دافعاً بذلك عن قلمه شبهة الآمر الناهي، حتى وإن كانت كلماته ووصاياه موجهة إلى أعز الناس وأقربهم، وهم الأبناء.

يترك الكاتب السعودي في «وصايا» الصادر عن دار مدارك للنشر في دبي، منطقته الأثيرة، وسماته المميزة، من السخرية والنقد اللاذع والتداعي الحر، إلى ساحة أخرى تتطلب هدوءا وتنظيما وضبطا للكلمات، وغيرها من الملامح التي يتمرد عليها الرطيان في كتاباته بشكل عام. لكن المفارقة هنا أن الكاتب برز في التحدي الجديد، فبدا في «وصايا» صاحب نفس هادئ، وأطلّ في عباءة مجرّب لا يصطنع الحكمة ولا يدعيها، بل يحاول أن يهديها بمحبة إلى عزيز غالٍ، لعلها توفر عليه بعض العناء، وتحميه من الاكتواء بنار تجربة حياتية صعبة.

يميل الرطيان، صاحب «محاولة ثالثة»، و«ما تبقى من أوراق محمد الوطبان»، إلى التكثيف والاختزال، سواء في مقالاته أو حتى في قصصه، وإذا كان ذلك ديدنه في الكتابات التي تحتمل المط والتطويل، فهو في «وصايا» أشد إيجازا وتكـثيفا، إذ يحاول أن يختزلها في أقل عدد من الكلمات، كيـما تستقر في الوجدان.

شاعرية

عن الكاتب

محمد الرطيان الشمري، كاتب سعودي، كتب المقالة والقصة القصيرة والقصيدة العامية في صحف ومطبوعات عربية عدة، حسب التعريف به الوارد في نهاية كتابه «وصايا». تنشر مقالة الرطيان شبه اليومية في صحف عدة بالاتفاق مع جريدة «المدينة السعودية». فاز نصه «هليل» بالجائزة الأولى في مسابقة القصة القصيرة. ومن بين كتبه، «كتاب» .2008 و«محاولة ثالثة» .2011

ومن أبرز نتاج الرطيان رواية «ما تبقى من أوراق محمد الوطبان» التي حازت جائزة رواية العام في 2010 بالسعودية. والتي تميزت، بأنها لارواية، إذ تمرد كاتبها على العديد من السمات الفنية التي يتحلى بها ذلك الفن، فجمعت بين السيرة والبوح الذاتي الحر والرواية، وبرزت فيها روح السخرية العالية النبرة في إطار قصصي حافل بالإسقاطات، سواء على الصعد السياسية والاجتماعية، وحتى الثقافية.

من حيث الصياغة عمل محمد الرطيان على صبّ «وصاياه» في شكل تعبيري مشرق، يتزيّن بالشاعرية، بألقهـا وصـورها الجميلة، لكنه في الآن ذاتـه لا يبـالغ في ذلك، كـي تظـل مراميه قـريبة، ومقاصده واضحة غير غائمة، تتناسب مع روح الوصايا التي لا تحتـمل غير المبـاشرة، حتى ولو غلفت بإطار شـاعري رقـيق.

يحرص الرطيان في كل وصية على كاف الخطاب، كأنه يستحضر في كل واحدة منها الابن، وكذلك القارئ المعني بتلك الوصايا: «الكذبة التي سيمضي العمر دون أن تكتشفها هي الكذبة التي كذبتها على نفسك.. الفراش الوثير لن يمنع الكوابيس من زيارتك.. عندما يقول لك رئيسك: عندما تشي بزملائك ستحصل على ترقية. قل له: إنني أرتقي لأنني لا أشي بأحد». ورغم اللغة الشفيفة، والصور الشاعرية، لم يسلم أسلوب الكاتب أحيانا من بعض المزالق، كالتكرار الذي أخذ من بهاء بعض الوصايا.

شبه تغريدات

لا تقف «وصايا» الكاتب السعودي، التي تشبه التغريدات التويترية، عند جانب بعينه، بل تتجول في الكثير من شؤون الحياة، اجتماعية وسياسية وثقافية، وتحاول البحث عن وصفات تضمن للابن سعادة وراحة بال.

تبدو كلمات الرطيان مهمومة بأمور كبيرة، وكذلك مشغولة بأشياء صغيرة قد يعتبرها البعض غير ذات بال، ولا يلتفتون إليها، إذ تتحدث «وصايا» ما مثلاً عن الإيمان والشجاعة والمغامرة والأحلام، وبعدها بقليل تأتي أخرى خفيفة الظل، تتحدث عن كرة القدم، وأهمية تشجيع فريق بعينه: «إذا استهوتك كرة القدم، فعليك بتشجيع الفرق الإيطالية والإسبانية.. الطليان يلعبون كأنهم يدافعون عن أولادهم. والإسبان يلعبون كأنهم يراقصون حبيباتهم. شجع ريال مدريد فهو نادٍ عظيم».

وغير بعيد عن تلك الوصية قد تأتي ثالثة تتحدث عن قيم الحق والخير والجمال، وكذلك السعي وراء المجد، وغيرها من القيم. ولا تغفل «وصايا» الرطيان، عن فتح عين الابن، أو بالأحرى قلبه، على عوالم حواء، وصفائها إذا أحبت، وموجاتها المتقلبة إذا أبغضت، كيف يتعامل مع مشاعرها، وكيف يدلل من ستصير زوجة «دلل زوجتك، أشعرها أنها سيدة النساء، وقمر السماء، والهواء الذي تتنفسه. قل لها كل صباح: أحبك، وقل لها كل مساء: كم أنا محظوظ لأنني كنت خيارك بين ملايين الرجال.. إن لم تتزوج حبيبتك.. أحب زوجتك، لا ذنب لها في فشلك السابق».

واللافت هو حرص الكاتب على التشديد في كثير من الوصايا على قيمة الكلمة وأهميتها، يوصي ابنه، وقارئه أيضا، على مدار كثير من الصفحات، بالسيطرة على الكلمات، والتحلي بالصمت حينما لا يكون للكلام ضرورة.

أبواب أخرى

لا يكتفي محمد الرطيان في «وصايا»، الذي يقع في 125 صفحة، بكلماته هو فحسب، بل يفتح لمن توجه إليه الوصايا، أبواباً أخرى، فيستعين بمقولات حكماء، في مقدمتهم لقمان الحكيم، ومواعظه الخالدة، والتي كانت موجهة هي الأخرى للابن، ومن الحكم الشرقية، إلى أخرى غربية يسديها أب ثانٍ، وهو الأميركي جاكسون براون، إلى ولده. وأخيرا يورد الرطيان بعض وصايا الشريف بركات، والتي صاغها صاحبها شعراً، على خلاف سابقيه.

يقول الرطيان في استهلال كتابه تحت عنوان «ليست مقدمة بل اهداء آخر»: «كان لقمان حكيماً.. وكان الشريف الحجازي شاعراً.. وكان جاكسون براون بسيطا وسهلا.. وانا حـاولت عبر هذه الوصـايا أن أكون بحكمة لقمان وشاعرية الشريف، وبساطة جاكسون براون وهم يوصون أبناءهم، كل على طريقته. أقول حاولت، وأرجو ألا أكـون قد فشلت في محاولتي. الحكيم لقمان، والمكي بركات الشريف، والأميركي جاكـسون براون ثلاثة آباء ينتـمون إلى أعـراق مختلفة، وأديان مختلفة، وولدوا في أزمنة وأماكن مختلفة. ثلاثة آبـاء حكـماء يجمعهم أنهم قرروا أن ينقلوا تجاربهم إلى أبنائهم عبر وصايا تدلهم على الطـريق، وتساعدهم على تحمل مشاق السفر، وتحـذرهم من مخـاطر الرحـلة، وتختصـر لهم الحـياة عبر الكلمـات. ثلاثة آباء أشعر تجـاههم بالامتـنان، فهم كانوا المحرض الأول لي بكتابة هذه الوصايا وإصدار هذا الكتاب. شـكراً لقمان الحكيم. شكرا الشريف بركات. شكراً جاكسون براون. شـكراً آيها الآباء الرائعون».

يلفت الرطيان نظر ابنه إلى مقولات أولئك الحكماء، ويحثه على الاستفادة منها، وحفظها، وهو ما لم يفعله الرطيان حينما كان يورد «وصاياه» هو.

ويشير الكاتب إلى أن جاكسون براون، هو أميركي بسيط، لم يكن يوما كاتبا شهيرا، لكنه فوجئ ذات صباح بان ابنه الصغير قد كبر، وصار على أبواب الجامعة، وسيتركه بعد أسابيع، وعليه أن يواجه الحياة وحده، فهرع إلى القلم والأوراق، وأخذ يسدي لابنه (آدم) بعض النصائح، والتي طالت لتبلغ ،1560 «وكانت النتيجة كتاباً من أكثر الكتب مبيعا على مستوى العالم، وترجم إلى 28 لغة، ودخل قائمة الـ(نيويورك تايمز) كأفضل الكتب مبيعاً لسنوات عدة». وهو كتاب «إرشادات الحياة القصيرة». ولم يبلغ الرطيان العدد الذي بلغه براون من الإرشادات، إذ وقف عند نحو 273 نصيحة ووصية، بالإضافة إلى عدد آخر لم يضمه الكاتب السعودي إلى الوصايا المرقمة.

تويتر