لعبت دوراً لافتاً في حلّ أزمة الشعر

«بيوت الشعر» تجـــارب ناجحة رغم التبعية

صورة

قال أستاذ التعليم العالي في جامعة محمد بن عبدالله بطنجة، ومسؤول الأنشطة الثقافية في بيت الشعر المغربي الدكتور يوسف ناوري، ان المشهد الثقافي ربما يكون مديناً لبيوت الشعر في أكثر من جهة، بإعادة التنبيه إلى اهمية الشعر وضرورته في الثقافة العربية المعاصرة، واستعادة الاعتراف المؤسساتي والمجتمعي بفاعلية الشعر الذي مازال يلاقي عنتاً بعد عنت، عن طريق ابدال مكان الاسئلة في اتصال اكبر بممارسات وتجارب انسانية، والانتصار لقيم الحداثة كشرط للقصيدة وللحياة. معتبراً ان بيوتات الشعر افلحت في تنظيم الرؤية إلى المجال الذي يتحرك فيه الفعل الشعري.

«بيت الشعر» في الشارقة.. شعر خليجي وعربي

افتتح «بيت الشعر» في الشارقة عام ،1997 وهو مركز ثقافي يعنى بقضايا الشعر العربي والارتقاء به في مجالات الكتابة والتوثيق والإعلام، والنهوض بها عبر الإنتاج والتبادل العربي والإنساني، ويحتوي البيت على مكتبة تضم نحو 7000 عنوان متخصص في تاريخ ودراسات ونقد ومراجع، ودواوين الشعر العربي من العصر الجاهلي الى وقتنا الراهن، إضافة الى ركن خاص بأعمال كبار الشعراء العالميين والشعر المترجم من العربية وإليها.

وطرح «بيت الشعر» في الشارقة أهدافاً عدة، من بينها تأصيل دور الشاعر والشعر في حركة الثقافة العربية في المجتمع، وإيصال الشعر الى أوسع شريحة من قطاعات المجتمع، وتوثيق الحركة الشعرية المحلية والخليجية والعربية، والتفاعل مع الحياة الشعرية وطنياً وإقليمياً وعربياً وإنسانياً، ودعم الشعراء وحركة الشعر انطلاقاً من دولة الإمارات العربية المتحدة، والبحث في جماليات الشعر العربي، والبحث والدراسة في شعر وشعراء الإمارات والخليج والوطن العربي.

ونظم البيت مهرجانات عدة للشعر العربي، واستضاف منذ تأسيسه عدداً من شعراء الخليج والوطن العربي، منهم: مانع سعيد العتيبة، خالد البدور، سالم الزمر، عبدالله الهدية، كريم معتوق، إبراهيم محمد إبراهيم، صالحة غابش، نجوم الغانم، عبدالعزيز إسماعيل، عبدالله خليفة، عبدالله الصيخان، يعقوب عبدالعزيز الرشيد، بهاء حسين عزي، عبد المعطي حجازي، محمد علي شمس الدين، المنصف المزغني، وأولاد أحمد وهارون هاشم رشيد، وغيرهم من الشعراء العرب من أمثال شوقي بغدادي، وممدوح عدوان، ومحمد عفيفي مطر، وعزالدين المناصرة، وشوقي بزيع، وعبدالرزاق عبدالواحد، وحسب الشيخ جعفر، والكثير غيرهم.

وأشار ناوري إلى ان مأسسة العمل الثقافي والشعري، لا تنطوي على سلطة وحسب، بل اشتعال ذاكرة هي ذخيرة الثقافة والتواصل، «اي انها فعل يهم عددا من الاطراف والعلاقات، ويسعى إلى تنظيم هذه العلاقة بغية عقلنتها. وأضاف خلال المحاضرة التي نظمتها هيئة ابوظبي للسياحة والثقافة، مساء أول من أمس، بعنوان «بيوتات الشعر هل حلت أزمة الشعر»، «ربما بدت البيوتات غارقة في شكوك الاستقلالية والقدرة على الفعل والمشاركة في دعم ثقافة لها قيم المعرفة والتحديث، وممارسة الحرية والتبادل الفني المجتمعي». معترفا انه ليس من اليسير تغيير الصورة النمطية عن المؤسسات.

وعلى خلاف آراء عدة تسود المشهد الثقافي، أشار د. ناوري إلى انه يجب الاعتراف بأن عمل بيوتات الشعر يصطدم بوهمين كبيرين لطالما كذبتهما ممارسات وأنشطة بيوت الشعر، الأول ان هذه البيوتات إنما اقيمت لتكون جبهة تنتصر لخطاب او لطريقة دون أخرى في الشعر العربي، في حين كان سند التراث والذخيرة الثقافية لم يغب عن تصور متفاعل مع الزمن، وفي هذا كانت التلوينات اللغوية للقصيدة والانماط الشعرية المحلية مدخلاً آخر لراهنيتها وحداثتها.

الوهم الثاني الذي تصطدم به بيوتات الشعر، بحسب د.ناوري، هو الاعتقاد بأن المؤسسة سلطة وإخضاع. موضحاً ان الفعل الشعري امتلك مع هذه البيوتات أساليب مختلفة لا يمكن النظر معها إلى المؤسسة، سواء كسلطة قسر للممارسات تفرض عليها اختيارات ثقافية فنية أو جمالية معينة، أو كتابع خاضع لهيمنة أجهزة رسمية أو مؤسسات أخرى للدولة بعيدة عن حرية الممارسة. مشيرا إلى ان مفهوم الاستقلالية يتضمن بالضرورة معنى الحق في خدمات المؤسسة العامة، وأيضا واجب المشاركة في البناء الثقافي والرمزي الجماعي، وهو أحد مقومات المجتمع والدولة الحديثين.

وفي استعراضه تجارب «بيت الشعر» في العالم العربي، أشار المحاضر إلى انه في الوقت الذي انشئت فيه بيوت الشعر لتكون أمكنة لتحديث العلاقة بالشعر وبممارسة الشاعر، صارت عرضة لاتهامات ومصادر لاتهامات أخرى في اكثر من حالة، ففي المغرب هناك من خرج باتهام هيئة المؤسسة الابتعاد عن قيم الديمقراطية وتعليق مشروع بيت الشعر ذاته بانتظارية، ورهنه بمصالح سياسية وحزبية، لافتا إلى ان في المنجز الشعري ومبادرات البيت رداً عملياً على الدعوى.

وفي الجزائر ما ان اجتمع الشعراء وانشأوا هيئتهم حتى دبت الخلافات بينهم وتوزعوا بين باحث عن الشعر، وآخر متسائل عن العلاقة بالسلطة واستقلالية الممارسة، فكان الشرخ وانفضوا. في حين رعت الدولة تأسيس بيت الشعر في تونس، وهو اول بيت شعر عربي، فكان من البداية خارج اعتداد الشعراء، ولم تثمر جهود القائمين عليه لبناء نسيج اجتماعي ثقافي للمؤسسة غير الرفض والابتعاد. أما في فلسطين، بحسب ما اوضح، فقد اهتدى الشعراء إلى مصير اكثر تعبيرا عن ديمقراطية الاختيار، ففي مقابل «بيت الشعر الفلسطيني» الذي نشأ في محاولة من شعراء ومبدعي فلسطين لتجاوز حاجز الجغرافية والسياسة، نحو وحدة المشروع الثقافي الفلسطيني، انشأ آخرون «بيت فلسطين للشعر» خارج حدود الوطن المحتل، معتبرين مبادرتهم أول مؤسسة متخصصة بالشعر وشؤون الشعراء، وعلى غرار مجلة «الشعراء» الصادرة عن «بيت الشعر الفلسطيني»، واصدروا في ابريل 2012 مجلتهم «قناديل». مشيرا إلى ان انشاء بيت الشعر في الشارقة ثم في أبوظبي كان بغاية الانفتاح على التجارب الشعرية المحلية والعربية والعالمية، ومن خلال هذا الانفتاح التأكيد على اصالة الممارسات في ارتباطها بتاريخها الثقافي وتطلعها للعمل بروح الحاضر والنظر إلى المستقبل.

وتطرق د.يوسف ناوري إلى بعض الأسئلة التي تمس الراهن الشعري من بينها: تبدل اسئلة القصيدة والعلاقة، حيث تصبح اللغة تعبيراً منفتحاً عن تاريخ جسد وعالم متعدد مغاير. وايضا تبدل العلاقة بالذخيرة الشعرية الثقافية، فلم يعد عمود الشعر ولا حتى اشعار التقليديين من القرن الـ20 نموذجا، بل حجة الشعر هي التخلص من النموذج. ومن الاسئلة أيضا فاعلية الترجمة في الانتقال من شعرية شفهية إلى اخرى مكتوبة، وتفاعلات العلاقة بالعالم من خلال الوسائط الاعلامية الافتراضية، وبما وفرته من امكانات النشر والتوسع، كذلك انتقال المركز الثقافي واعتماد الشعراء على نماذج متنوعة من ثقافات ولغات أو جغرافيا مختلفة.

تويتر