نهاية قاسية ترجمت قوّة النص

«أمس البارحة».. حـــب بين البندقية وخيوط التلي

صورة

في صحراء الماضي وفي زمن مجهول التاريخ، يظهر رجل ببندقيته التي تلازمه، وخيوط التلي المتدلية من مخدة «كاجوجة» صنعتها أنامل امرأة، ونظرات غزاة يعتدون على أعراض البشر، تاركين ألماً وعذاباً، عرضت مسرحية «أمس البارحة» لفرقة جمعية كلباء للفنون الشعبية والمسرح، أول من أمس، ضمن العروض المشاركة في مسابقة أيام الشارقة المسرحية، في معهد الشارقة للفنون المسرحية. وتدور أحداث المسرحية للمؤلف جمعة بن علي حول قصة شاب قوي صنديد يذود عن أرضه وعرضه ويحارب الغزاة، والمعروف في منطقته بسلاحه الذي لا يفارقه أبداً، والذي اذا رفعه بيمينه دق طبول حرب لا يعرف نهايتها. في المقابل، وعلى المستوى الانساني يمتلك ذلك الشاب مبارك، والذي أدى دوره مؤلف النص جمعة بن علي، قلباً محباً طاهراً ومخلصاً لقريبته حليمة التي عاش طفولته معها وشبّا معاً، لتتفجر علاقة حب بينهما صارت حكاية تروى ويضرب بها المثل.

أما حليمة، والتي أدت دورها الفنانة آلاء شاكر، فهي البنت العربية بامتياز، والتي تمتلك من الجمال فتنة والأخلاق آية والحب الكثير الذي خصته لرفيق دربها وحبيب قلبها مبارك، ليتكلل هذا الحب وتلك العلاقة البريئة والطاهرة بزواج اجتمع تحت سقفه بارود البندقية وخيوط التلي، لتنسج فصلاً جديداً من حياة زوجين اخترقتها رصاصة في صميم العلاقة.

بن علي: «لم أخرج عن النص»

قال الممثل جمعة بن علي أثناء الندوة التطبيقية لمناقشة عمل «أمس البارحة» والذي شارك في تأليفه وتمثيل دور «مبارك» الشخصية الرئيسة فيه: «لم أخرج عن النص، اذ التزمت بكل كلمة فيه»، على عكس ما يشاع عن كونه كثير الخروج عن النص. وأكد بن علي أنه يعاني كثيراً تلك المسألة، لاسيما وقد تردد ذلك في الوسط الفني. واضاف «انا ملتزم حرفياً بالنصوص». ولفت إلى أن «العبارات الجنسية في المسرحية وصف، وهي جزء من النص، ولأنني كوميدي، فأي عبارة اقولها يمكن لأي أحد تأويلها».

حدود مفروضة

تبدأ المسرحية من نهاية القصة، بمشهد حدود من حبال وجرار وشباك متدلية على خشبة المسرح، وتفصل الفضاء إلى قسمين، بين عجوز يصنع جراراً من الفخار ملوث بالطين وممزوج بالماء، وقد أحناه الزمن وكسره الهم فما عاد يقوى حتى على صنع الجرار، ومسنة ترك الزمن بصمته على وجهها وخط الشيب رأسها وانهكت الذكريات حالها، فصارت كثيرة التذمر والشكوى قليلة الصبر حتى على تلك «الكاجوجة» المخدة التي اعتادت نسج خيوط التلي عليها، والتي طالما شكت لها حالها وروت لها حكاية حبها الذي دفن بين تلك الحدود.

تتصاعد احداث المسرحية، لتتكشف تفاصيل هموم الماضي التي قلبت حالهم تدريجياً وأنهكت قواهم، إضافة إلى السنين التي مرت عليهم وذاقوا فيها المر وتبدل حبهم إلى عتاب ولوم وحسرة على ما فات، فيعود الزمن إلى الوراء وينتقل ليكشف عن توتر علاقة الزوجين مبارك وحليمة، ويدور حوار لا يخلو من العتاب وتبادل الاتهامات والمشاعر المختلطة والحنين إلى الحب المحرم والمحكوم بقسم وحدود رسمتها حليمة، لتمنع نفسها عن مبارك الذي رغم السنوات لم ينسَ ما حصل في تلك الليلة.

وأد الأحلام

بالاسترجاع الزمني إلى الوراء، يعود مبارك وحليمة لمرحلة الشباب وتبادل النظرات وكلمات العشق وهمسات الحب الذي رافقهما منذ كانا صغيرين حتى كبرا، ليتكلل ذلك الحب الكبير بعلاقة مشروعة، تجمع زوجين بالحلال، إلى أن دقت طبول معركة حامية، عندما جاء غزاة إلى المنطقة، وآن لمبارك أن يحافظ على أرضه التي هي عرضه ايضا، والذي لا يترك الغريب يدنسه. في تلك الأثناء تظهر حليمة في مشهد الزوجة المحبة التي لا تريد من زوجها الذهاب الى حرب مجهولة المصير، من شدة حبها له. ولأن مبارك لا يثنيه شيء عن الذود وحماية أرضه، أقسمت حليمة بانها لن تكون محللة له كزوجة، وانها طالق، لو حمل سلاحه وتركها وحيدة في ظل انتهاكات العدو واستباحته الأعراض. غير أن مبارك لا يساوم على أرضه، وتركها وإن كان حائراً في ما يفعل، إلا أن عبارة «الشهامة في يد الرجال لا تقيد في يد الحريم» كانت تعميه عن رؤية الحقيقة كاملة. ولأنها تحبه بقيت في بيته، رغم أنها لا تحل له، ووجودها عنده يخالف الشرع، إلا أنها قسمت المنزل إلى قسمين تفصل حدوده بينها وبين من تحب، الذي تركها وحيدة بين أيدي غزاة اعتدوا عليها وسلبوها شرفها، الذي نسي مبارك الحفاظ عليه، كونه واجباً مفروضاً عليه، وعندما علم بأن شرفه انتهك، لم يتمالك نفسه وظهر في صورة المنتقم الذي حاول دفن شرفه ووأد أحلام زوجته على أرجوحة شهد بذرة حبهما الصادق. كما انتقم من نفسه وتخلى عن بندقيته التي باتت للزينة وليس للقتال، وصار صانع فخار، بعد أن كان فارساً مغواراً.

نص استفزازي

أكد نقاد ومسرحيون أن نص مسرحية «أمس البارحة» يعتبر «استفزازيا وقويا ويميل إلى القسوة»، لذلك جاء مشهد الوأد الأخير ليترجم تلك القسوة، وإن اعتبرها البعض سوء تعامل مع الأنثى، والعنف طاف حدود التمثيل، إذ يحسب للمؤلف ذلك النص الحازم والقوي. فيما قال نقاد إن «العودة للخلف في السرد والانتقالات الزمنية كانت مباغتة ليس لها مبررات كافية، إذ إأن ثلاث انتقالات حصلت في أحداث المسرحية لم تكن مفسرة، كما ان النص لم يوضح مرجعيات تاريخية للشخصيات، خصوصاً أن تجسيد شخصية حليمة كان مربكاً، فضلاً عن مواجهة الفنانة آلاء شاكر مشكلة في اختيار طبقة الصوت وأدائها في العمل.

أما تجسيد شخصية مبارك فقد برع الفنان جمعة بن علي في تقمّص الشخصية، وإن كانت هناك تناقضات في بناء تلك الشخصية، إلا ان بن علي يعد طاقة أدائية متميزة على الخشبة».

فيما حسب لمصلحة المخرج عبدالرحمن الملا استخدامه طريقة الاسترجاع الزمني من اللحظة الحالية إلى ما قبل، وعودة بالزمن تدريجياً لتتكشف تفاصيل الأحداث، اما السينوغرافيا في العمل، والتي اعتمدت على الحبال من السقف، والتي تتدلى منها جرار وشباك كانت تقيّد قليلا، كما لم يتم توظيف جميع القطع الموجودة على خشبة المسرح، خصوصاً صندوق الذكريات، كما أن هناك بلاغة في فكرة الحبال والجرة التي تسقط بعد دفن مبارك زوجته، إلا أن العمل لم يخلُ من مفردات وعبارات جنسية تعد خارج سياق الشخصية.

تويتر