رحيل سالم حميد.. شاعر العامية السياسية و«أبنودي» السودان

سالم «حميد» شاعر العامية والرمزية السياسية. أرشيفية

أخيرا.. ألقى سلاح الكلمة أرضاً، ورحل صاحب ديوان «أرضاً سلاح» الشاعر السوداني محمد الحسن سالم (حميد)، شاعر العامية والرمزية السياسية التي جسّدها في قصيدته الشهيرة «عم عبدالرحيم»، ذلك الكادح البسيط الذي يعاني من أجل لقمة العيش، ولايزال يبحث عن حريته. رحل «حميد» ابن الشمال الذي كتب للسودان الواحد الموحد، شرقاً وغرباً وجنوباً، وتحمّل بأشعاره قضايا الفقراء والكادحين، وعبّر عن آلام وآمال الشعب السوداني وعن جراحاته وعذاباته.

رحل «حميد»، أحد الشعراء الكبار معنى ورمزية في تاريخ السودان الحديث، إثر حادث سير بطريق شريان الشمال، وهو في طريقه صباح الثلاثاِء الماضي من مدينته «نوري» بالولاية الشمالية إلى الخرطوم، للمشاركة في احتفالات عيد الأم، وتدشين ديوان «بحر المودة» لصديقه الشاعر السر عثمان الطيب.

«حميد» كان مرآة عكست حال الكادحين «الغبش» من اهل السودان بشعره، وكان ملهم الغلابة، وعرف بقصائده التي طوّع من خلالها العامية السودانية، وتميزت أشعاره ببساطة الاسلوب وسلاسة المعنى، والانحياز لقضايا البسطاء، ثم معالجتها في قوالب شعرية تصوّر حالة الشارع السوداني.

«حميد» عرف بشاعر العامية، أو كما يحلو للبعض بـ«أبنودي» السودان، مع الفارق في لونه السياسي، كان يحلم ببناء السودان الوطن الشامخ الذي ظل حاضراً في كل تفاصيل حياته التي وهبها لهذا العنوان «السودان الوطن الواحد». ظل شاهراً سلاح الشعر في وجه كل متربص بتراب الوطن. عاش حياة الكفاف، في أرض الشمال، وتشبع بتراثها العميق، لينطلق منها إلى كل السودان، جمع بين أهله ولم يُفرق، ظل حاضراً في كل المناسبات الوطنية، محتفلاً مع الناس في الداخل والخارج، لقد كان بحق «حميد السودان».

عاش الراحل مناضلاً لا يهاب قول كلمة الحق، متسلحاً بعشق الوطن، فأحبه أهل السودان جميعاً، كادحين ومناضلين.

«حميد» صاحب تجربة ثرة جديرة بالوقوف أمامها، لونه المتفرد في الشعر جذب طلاب الجامعات، وكان حاضراً في منابر النقاشات السياسية، فضلا عن أنه كان عطاءً ثراً ورصيداً نضالياً للحركة الطلابية السودانية التي ظل الفقيد ملازماً لها في مناسباتها الوطنية والقومية.

تغنى بقصائده العديد من الفنانين السودانيين، أبرزهم الراحل مصطفى سيد أحمد. ومن أشهر ما كتب «أرضاً سلاح»، و«عم عبدالرحيم»، و«التساب»، وهي كلمة في العامية السودانية تعني فيضان النيل، و«عمنا الحاج ود عجبنا»، و«ياتو وطن»، و«لبن الطيور»، و«نورة»، و«من حقي أغني»، و«الجابرية»، و«ست الدار».

«حميد» سطر بمداد من نور تاريخاً وتراثا شعرياً ضخماً، وكان إضافة نوعية للشعر، السياسي منه والعامي، وكان دوماً داعية سلام، معلناً نداءه المستمر «أرضاً سلاح». وبرحيل الشاعر حميد، يكون السودان قد فقد نجمين خلال شهر واحد فقط، حيث رحل فنان إفريقيا الأول، محمد وردي، في الـ18 من فبراير الماضي، وكان قد شرع في تأليف لحن «أوبريت» لقصيدة حميد الخالدة «عم عبدالرحيم»، غير أن القدر لم يمهله.

تويتر