مونودراما سودانية وفانتازيا قطرية تلتــــــحمان مع «زهايمر» التونسية

جمهور «المســـــرح العربي» يتحدى أجواء عـــمّان الباردة

«زهايمر» التونسية وقعت في فخاخ التطويل الذي انتقص من جماليـــــــــــــــــــــــــــــــــــات السينوغرافيا وقوة أداء الممثلين. تصوير: عيسى أبوعثمان

جمعت الليلة الثانية من ليالي مهرجان المسرح العربي، الذي تحتضن العاصمة الأردنية حالياً فعاليات دورته الرابعة، بين ثلاثة أعمال مختلفة، مستهلة عروضها بالمسرحية القطرية «مجاريح»، تلتها السودانية «احتراق»، قبل أن يكون مسك الختام في المركز الثقافي الملكي بعرض تونسي بعنوان «زهايمر»، تمكن من جذب بساط السجالات النقدية بشكل أقوى من سابقيه.

وعكس العروض الثلاثية لثاني أيام المهرجان تكاملاً عفوياً بينها، جاء بمثابة وجبة مسرحية متكاملة للحضور، ففي حين اقترب العرض السوداني من فن المونودرما، جاءت «مجاريح» القطرية شغوفة باستثمار الفانتازيا وتوظيف الموروث الشعبي، فيما تنسمت «زهايمر» تونس من حرية ثورة بلدها، متطرقة إلى إشارات سياسية بأسلوب ربما لم يكن بهذه المباشرة التي كسرت قيوداً إبداعية في نقدها للواقع السياسي خصوصاً، ليشكل الثلاثي التحاماً منتصراً للمسرح لمصلحة الجمهور ومبدعيه معاً.

وشهدت العروض الثلاثة حضوراً جماهيرياً كثيفاً تحدى برودة الطقس الشديدة حالياً في عمّان، في الوقت الذي أثرت الندوة الفكرية التي افتتحها وزير الثقافة الأردني صباحات المهرجان، الذي بدأ بالفعل يتحوّل إلى مظلة حقيقية تجمع المسرحيين العرب، الذين عكست الكثير من محتوى نقاشهم وجدالهم، قناعة بأن المسرح العربي بحاجة إلى تغيير لا يستثني العلاقات الحقيقية المتقلصة بشأن التعاون بين المسارح العربية المختلفة، بفلسفة تتجاوز الأنا القُطرية، نحو قومية عربية لم تتحقق سياسياً .

على فضاء مفتوح دارت «زهايمر» التونسية خالطة بين السياسي والاجتماعي، من خلال ثنائية العلاقة بين أب يقوم بدوره الفنان صلاح مصدق أصيب بالزهايمر، الذي ينهش في مجده، الذي بناه في مهنة المحاماة من جهة، وسلطته الأبوية من جهة أخرى، وبين ابن شاعر يجسد دوره الفنان قابيل السياري، يعاني صراعات بمستويات متعـددة، أبرزها مع القوى المسيطرة والحاكمة، بما فيها سلطة الأب، الذي يمثل كل القوى الضدية بالنسبة للابن.

العلاقة المتوترة بين الأب والابن في هذا السياق تنسحب بوضوح على العلاقة بين المثقف والسلطة الرجعيـة، وربما بين الإنسان العادي والسلطة حينما تكون أحادية الصوت والحوار والقرار، وبدا جلياً سهولة ربط «زهايمر» بواقع سياسي عاشته تونس، حتى من دون الإشارة شبه المباشرة لذلك، من خلال مشهد مثير ارتدى فيه الابن رأس ثور، بينما توشح الأب بالعلم التونسـي الذي يسوده اللون الأحمـر، بطريقة تحاكي أسلوب مصارعي الثيران، قبل أن تخور قوى الابن معلناً الهزيمة والاستسلام لسلطـة الأب.

هذا النسيان اللا إرادي عبر الإصابة بالزهايمر كسر جميع المحرمات، وبات مسوغاً منطقياً لحدوث كل المتناقضاتـ ليصبح الأب ابناً ، والعكس، متخلياً عن كل شيء، إلا السلطة، لذلك فهو رغم آفة النسيان لا يتذكر سوى قانون وحيد: «ما دمت أنا المالك الشرعي لهذا البيت، فأنت تحت أمرتي، ويحق لي أن أقوم بطردك في حال ارتكابك جريمة مخالفة طاعتي».

الإطالة غير المبررة كانت السلبية الأبرز في العرض من خلال إصرار المخرجة على الزج بلوحات كثيرة متشابهة لا تضيف جديداً للتطور الدرامي للأحداث على الخشبة، ما أفقد المشاهد الكثير من أواصر التواصل مع ما يدور، ولولا خفة ظل الفنان صلاح مصدق، وقدرته على الإضحاك في أبسط المواقف، سواء من خلال الحركات الجسدية البعيدة عن الابتذال، أو الجمل التي بدت متوافقـة مع الموقف الدرامي وغير مقحمـة، لتعرض العمل لإشكالية كبرى قد يكشفها انصراف الجمهور أثناء العرض، وهو ملمح لم تنج منه تماماً رغم ذلك «زهايمر».

الإضاءة رغم بساطتها كانت شديدة التأثير في العمل، فهو الفن الذي خدم كثيراً أداء الممثلين، من دون أن نشعر بحضوره المقحم، ولولا مشهد أخير تبدلت فيه الإضاءة إلى الظلال الزرقاء لحظة تأبين الابن لأبيه ما كان الحضور يلتفت إلى أن ثمة إضاءة تتحور وتتبدل بتطور الأحداث، وهنا أحد معالم جمالياتها.

السينوغرافيا عموماً تحولت إلى فضاء خادم لحضور الفعل المسرحي على الخشبة، وتخطت إشكالات حضورها على حسابه، على النحو الذي يقع فيه الكثير من المخرجين، ولم تشغل المخرجة نفسها بأدوات غير موظفة فنياً، لدرجة أن الكرسي الذي يجلس عليه الأب، بات مصطحباً له أينما حل، بل ربما حوره الابن بسهولة إلى منضدة بتلقائية إذا لزم الأمر، وهو أمر أسهم في الاقتصاد الشديد لما لا لزوم له على المسرح.

المشهد الأخير كان بمثابة تعميق للصراع داخل الابن الذي لايزال متخبطاً وغير مستقر رغم تخلصه من سلطة الأب، فهو ليس حزيناً على فراقه وليس سعيداً، بل تحول زهايمر الأب ربما إلى زهايمر الابن الشاب، ربما بأسلوب ميراث التركة، وفي الوقت الذي يحاسب فيه الابن أبيه الميت، بحسم معلناً أنهذا الوقت الذي يؤول إليه لأول مرة حق تقرير مصائر الأمور، نجده يغني أغنية عيد الميلاد الشهيرة على قبر أبيه مختتما بـ«سنة حلوة يا جميل»، تاركاً «زهايمر» مفتوحة على تأويلات تتجاوز فضاءات السينوغرافيا القاتمة التي ظللت خلفية المسرح.

ضمن المسابقة الرسمية أيضاً عرضت المسرحية السودانية «اختراق» من إخراج وتأليف وتمثيل هدى مأمون، حصلت من قبل على جائزة مهرجان «أيام البقعة» المسرحية في دورته الأخيرة، وهو عبارة عن عمل «مونودراما»، تجسد فيه شخصية امرأة ممزقة نفسياً بفعل ضغوط الحياة.. وتتعرض لمواقف تؤثر في قواها النفسية والجسدية، لتعرض مشكلتها في صرخة أنثى توضح من خلالها ما أوصلها لهذه الحالة، والعمل تمت إعادة كتابته عن مسرحية «صوت امرأة» للكاتب السوري الصحافي فرحان الخليل، وربما كان أداء الممثلة هو أقوى النقاط المضيئة في هذا العرض الذي يتواءم مع تخصيص عام 2012 عاماً للمرأة في المسرح العربي.

العرض الثالث في المسابقة الرسمية ضمن عروض أول من أمس، كان«مجاريح»، إخراج الفنان ناصر عبدالرضا، واستضافته خشبة مسرح مركز الحسين الثقافي بتقديمه للتراث الشعبي القطري، من خلال قالب مسرحي متماسك، عالج مشكلة التمييز الاجتماعي بسبب اللون، فضلاً عن تزويج الفتاة الصغيرة، وفقاً لرغبة أهلها فقط، دون الاكتراث بموقفها.

وفي إطار من استثمار الفلكلور القطري، ومزج الفانتازي بالواقعي، جاء نص الإماراتي إسماعيل عبدالله «ثريا»، فيما أجاد المخرج تفجير دلالات الشخصية المحورية «فيروز»، الرجل ذو البشرة السوداء، الذي تزوّج من امرأة أحبّها، بعد أن هربت من بيت أهلها، كون أبوها سيّداً، فلا يمكن أن يوافق لابنته على الزواج من عبد، فتزوّجها فيروز، الذي أدّى دوره الفنّان عبدالله سويد، رغماً عن أنف أبيها ، الذي لحق به العار نتيجة هذا الزواج. وبعد مرور وقت، أنجبا ابنة.. وأراد أبوها أن يزوّجها لابن صديقه، خيري، رغماً عنها، وطوال المسرحيّة، دار نقاش بين الأب والأم والابنـة، حـول رفض الابنـة الزواج من ذاك الشخص الذي لا تحبّه.. فاستنكر أهلها عليها ذلك، وهنا يكمن التناقض، ففيروز يرى أنّ ابنته بنت، وليس لها أن تكون صاحبة قرار في الأمر، بينما وجد من المستساغ أن يتزوّج مـن امرأة عصت أمر أبيها وهـربت من أجله.


العروض المشاركة

هدى مأمون في المسرحية السودانية «إحتراق».

تتضمن عروض مهرجان المسرح العربي، المقام حالياً بالعاصمة الردنية عمّان، 14 عرضاً مسرحياً، منها سبعة عروض فقط ضمن المسابقة الرسمية هي: «الهواوي قايد النسا» لفرقة (طقوس 4) من المغرب، و«الشهداء يعودون» للمسرح الوطني في الجزائر. و«زهايمر» للمسرح الوطني في تونس، و«احتراق» لفريق مستقل من السودان. و«مجاريح» لفرقة قطر المسرحية، و«حرب النعل» لفرقة مسرح الشارقة الوطني من الإمارات، و«عشيات حلم» من الأردن.

أما العروض التي تشارك خارج إطار المنافسة فهي: «خراريف» من ليبيا لفريق يمثل كل محافظاتها، وهو أول عرض مسرحي ليبي يتم إنتاجه في المرحلة الحالية، و«بيت النفادي» لمسرح الشباب من مصر، و«مريم وتعود الحكاية» لمسرح النورس من السعودية، و«طقوس وحشية» للمسرح الكويتي. و«مكاتيب» لفريق نقابة الفنانين المحترفين في لبنان، و«سي في» سيرة ذاتية من الأردن بترشيح من نقابة الفنانين، و«بس بقرش» من الأردن.

تويتر