سعاد عبدالله دعت إلى أعمال تقاوم «تــــــــــــــــــــعاسة الإنسانية» في الألفية الجديدة

«عشيات حلم».. افتتاح شعري لـ «المسرح العربــي»

«عشيات حلم».. عرض أردني استعان بجماليات الإلقاء الشعري والأداء الراقص. تصوير: عيسى أبوعثمان

افتتحت المسرحية الأردنية «عشيات حلم» عروض الدورة الرابعة من مهرجان المسرح العربي، الذي تنظمه الهيئة العربية للمسرح ومقره الشارقة. واختارت الهيئة تكريم الفنان الأردني ربيع شهاب ،على مجمل إسهاماته وعطائه المسرحي، فيما شكل الفلكلور الأردني معلماً أساسياً لحفل الافتتاح، الذي جاء بمثابة مقدمة تشويقية لانطلاقة العرس العربي فنياً من خلال أول عروض المهرجان التي جاءت أردنية أيضاً، لكنها تمكنت من إثارة أسئلة أزلية مثل الحرية والانتماء.

ومن جملة 14 عرضاً مسرحياً تنافس سبعة عروض فقط على المسابقة الرسمية للمهرجان، التي يقف عملياً إطلاقها وراء المشاركة الجدية من مختلف الفرق المسرحية التي تم قبول عملها في المهرجان، سواء من خلال الترشيح الرسمي لوزرات الثقافة العربية، كل في بلده، أو اختيارها من قبل لجنة فنية سعت لانتخاب العروض المميزة.

التحول من مجرد الاستضافة إلى وجود مسابقة رسمية كان بمثابة الأيقونة الجديدة التي تمت إضافتها على المهرجان، الأمر المرتبط بمكرمة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى للاتحاد، حاكم الشارقة، الذي أمر باختيار أفضل مسرحية عربية لمنحها جائزة نقدية قيمتها 100 ألف درهم، ودعوتها إلى افتتاح مهرجان ايام الشارقة المسرحية.

«عشية حلم» الأردنية لم تخرج عن ألق حفل الافتتاح، ورسائله المكلومة التي لم يغب عنها الواقع العربي. ورغم أن العمل - شكلاً- مغرق في المحلية من خلال استلهامه للشاعر الأردني مصطفى وهبي التل «عرار»، عبر نص لمفلح عدوان ورؤية إخراجية وسينوغرافيا لفراس المصري، وطرح أسئلة معاصرة لقضايا انشغل بها الشاعر في إطاره المحلي تتعلق بالحرية ومقاومة الظلم الاجتماعي، إلا أن معالجة المخرج من خلال عرض يغوص في تفاصيل لأحداث تتداعى كسرديات أحلام، جعل النص يتجاوز المكان، والقضايا تتجاوز المحيط الضيق، إلى آخر ارحب لتجعل الأزمة ليس مجرد أزمة شخص، أو حتى شعب، أو شعوب، بل أزمة إنسان.

من اللحظة الأولى يشعر المتلقي بأنه شيء مختلف في هذا المكان، لكن العمل يلح على نثر رائحة القهوة في ظل حركة على خشبة المسرح، لم يتأكد المشاهد للوهلة الأولى، ما إذا كانت فعلياً ضمن العرض، أم هي تمهيد له، وهو امر رشحه عدم تعتيم الصالة مباشرة. إضاءة خشبة المسرح تكشف عن صبايا تنضح ملابسهن بألوان الفرح المتلونة، فيما توحي حركاتهن الرتيبة وسعي بعضهن لطحن القمح على الرحى التقليدية بأن ثمة حياة لمجرد أنها حياة، في ظل غياب أو افتقاد ما، وهو ما أفصحت عنه الحوارات اللاحقة بين الشخصيتين الرئيستين، الفنانة سهير عودة والفنانة اريج جبور، فكلتاهما في انتظار شاعر آثر الرحيل، وتنتظران مجيئه رغم أنهما تعلمان أنه لن يأتي بعد ما تعرض له من قمع واعتداء ومصادرة لحريته.

بين الأمل بمجيء الشاعر، والإيمان بعدم مجيئه، تتولد أحلام مجيئه من خلال رؤية بصرية فصل عبرها المخرج بين مستويين زمنيين، مستعيناً بإيحاء بقعة ضوء دائرية، وحاجز ستار شفاف، ليأتي الشاعر في تلك الأحلام بلغته الشاعرية العذبة، وأداء شديد التأثير، تلاشت أمانه حقيقة أننا أمام عرض مسرحي، وليس أمسية شعرية تحتضنها إحدى ليالي عمان الباردة.

اللوحات الفنية الراقصة التي مهدت للمحتوى الدرامي ظلت مع تصاعد الحدث كأنها مؤشرات لفعل لم يحدث، ما جعلها تمنح انطباعاً بأن المخرج لجأ إليها لمزيد من تلوين وتنويع العمل، واستثمار غناء التراث الأردني بالأزياء، وخصوصية الاستعراضات الشعبية وجاذبيتها، فيما شكلت الخلفية لعازف موسيقي، وآخر يبدو كحرفي يدوي بمثابة خلفية غير موظفة، في حدث يشع بالتناقض ما بين اللوحات المفعمة بالحركة والصخب الصوتي والأدائي، وما يتفرع عنهما من ثورة الحلم، وهدوء وثبات يصل إلى حد الجمود المتوائم مع الإقرار بضياع أصوات الشاعر وما يلح عليه صوراً شعرية، هباء.

ختام المسرحية لم تكن لحظة يقينية بالنسبة للمشاهد، فالأسئلة التي انطلقت وظل الجميع مشغولاً بالبحث عن إجابات لها طوال العرض، لم تتم الإجابة عنها، أو حتى المسك باستيحاءات محددة يمكن أن يوجه إليها العمل، الذي ظل بالنسبة لكثيرين حلماً كما يوحي عنوانه، لكنه حلم تتخلله صرخات متعالية، تتجاوز إطاريها الزماني والمكاني، لتلتحم بصرخات متوالية أخرى تذكر بكلمة القديرة سعادد عبدالله بأن المسرح مقدر له أن يساير تعاسات إنسانية في الألفية الجديدة، لكن باتجاه لا يهدف إلى مجرد رصد الواقع بقدر التأثير الإيجابي فيه.

تويتر