الفنان العراقي الرائد يؤكد نهب 7000 لوحة من متحف الفن الحديث في بغداد

نوري الراوي: الفنان قائد روحي يـغذّي الجمال في أرواح البشر

صورة

الفنان التشكيلي نوري الراوي لا يتوقف عن العمل، إبداعاً وتوثيقاً وكتابة، على الرغم من بلوغه الـ86 من العمر. يرسم بهمة شاب، ويتابع بهمة باحث، ويدقق بهمة مؤرخ. أسس متاحف عدة في بلده العراق، من بينها المتحف الوطني للفن الحديث، ومتحف الرواد، إضافة إلى إنشاء اول مصهر للبرونز للنحاتين.

الراوي الذي يعد من الجيل اللاحق لجيل الرواد في مسيرة الفن التشكيلي العراقي، يعتبر الفنان قائدا روحيا، يغذي الجمال في أرواح البشر.

أطلق الفنان «صرخة» لاتزال مدوية لانقاذ إرث بلاد وادي الرافدين، بعد الاحتلال، وكتب خمس مذكرات إلى منظمة اليونسكو، لحماية الارث الحضاري والتاريخي في بلد اصبح في مهب النهب. وقال الراوي في حوار لـ«الإمارات اليوم» إن «النهب طال اعمالا فنية وأثرية كثيرة، من بينها 7000 لوحة كانت ضمن مقتنيات متحف الفن الحديث الذي تعرضت وثائقه للحرق». وكان المتحف تأسس في عام 1962 بمبادرة من الراوي.

وأكد الفنان المولود في عام 1925 انه يحتفظ في أرشيفه الشخصي بوثائق تعوض جانباً مهماً مما تعرض للحرق. لكنه اشار الى غياب ثقافة التوثيق عربياً، وعدم الاهتمام بالثقافة بالصورة اللائقة، خصوصاً انها تمثل روح الانسان.

وكشف عن مشروع تبناه وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع عبدالرحمن العويس، تمثل في تسجيل شرائط تلفزيونية توثق سيرة الفنان الراوي ومراحل حياته وتفاصيل من مذكراته اثناء عمله الابداعي، وعمله في اطلاق مشروعات رائدة في العراق، خلال 46 عاماً، منها 30 عاماً في وزارة الثقافة العراقية.

وتحدث الراوي في الحوار عن علاقته بالمرأة ومبادراته الثقافية الريادية ومفهومه للفن واهمية توثيقه، وقال انه يواكب التطورات في مجال الفن، وانه يتعلم من الجيل الجديد، على الرغم من تجربته الفنية الطويلة، مؤكداً ان الثورة التكنولوجية فتحت آفاقا جديدة امام الفنان ليبتكر ويبدع ويضيف، من دون الانغلاق على مفاهيم قديمة. وأكد «موت المدارس الفنية» وانتهاء عصرها بدءاً من منتصف القرن العشرين، موضحاً ان كل فنان يمكن ان يكون مدرسة. واضاف الراوي انه يوالف في لوحته بين اللون والقصيدة في نسيج واحد متناغم، وأنه ليس ناسخا للطبيعة وليس مقلدا لها، وأن قريته «رواة» على الفرات الأعلى تظهر في اعماله بوصفها قرية حلم.

كيف بدأت مسيرتك الفنية، وفي أي فضاءات، وما أبرز المشروعات الثقافية التي أسهمت في إنجازها؟

مسيرة حياتي موزعة بين العمل الفني والتأسيس الثقافي في ميادين متعددة. ففي الخمسينات من القرن الماضي هويت المسرح، وكنت عضوا في فرقة المسرح الحديث بإدارة المخرج يوسف العاني، كما كنت اتابع الاعمال المسرحية واكتب عنها نقديا. ثم اتجهت اهتماماتي الى النقد السينمائي، وكانت بغداد تعتمد على ما يردها من افلام عالمية ملحمية، منها افلام مأخوذة عن اعمال ادبية لكبار الكتاب في العالم، من بينهم تولستوي وديستوفسكي، وتصل مدة الفيلم الى نحو ست ساعات. مثل هذه الافلام الشهيرة فتحت بها هوليوود ابواب القرن العشرين سينمائيا، وكانت السينما تمثل كنزا معرفيا وجماليا بالنسبة لاهالي بغداد، يمضون ساعات في مشاهدة افلام تتناول قضايا الانسان ومصير البشرية، وكانت السينما فضاء حيويا يؤنسهم، قبل انتشار التلفزيون.

في دار السينما كنت اجلس واكتب في العتمة ملاحظاتي حول الافلام، وانقل الحوار الذي يظهر على شاشة صغيرة، وحين اخرج من السينما ارى السطور متداخلة، وابدأ قراءتها كما لو انني أفك رموزا أثرية، كانت تلك المرحلة مفعمة بالحياة.

في عام 1940 دخلت كلية الفنون الجميلة في بغداد، ولم اكمل دراستي فيها، بعد تخرجي في دار المعلمين، اذ كان عملي خارج بغداد، واصبح من الصعب التوفيق بين العمل والدراسة الجديدة في تلك الفترة، بعد ذلك دخلت معترك الحياة السياسية، وكان آنذاك خمسة احزاب، انضممت الى حزب الشعب، وهو حزب وطني تقدمي، ورئيسه عزيز شريف اصبح نائب رئيس مجلس السلم العالمي.

لم يكن العمل الفني وحده الذي يشغل حياتي، اذ صاحبته انشغالات أخرى، خصوصا انني دائم البحث عن المعرفة واطلاق مبادرات ثقافية جديدة، ففي عام 1945 اثناء عملي في التدريس، جمعت رسومات اطفال من مدارس متعددة في العراق، ودرستها لمعرفة كيف يرى الطفل العالم من حوله، وكيف يفكر، وما الذي يخيفه او يؤنسه. استقصيت في قراءتي للوحات الاطفال رؤيتهم وطريقة تفكيرهم، ونشرت هذا التحليل في مجلة «المعلم الجديد» التي كانت تصدرها وزارة المعارف في عام ،1945 وكنت بذلك فتحت بابا جديدا امام الاهتمام بمواهب التلاميذ وضرورة دراستها لمعرفة احلام الطفل وهواجسه.

كيف ولدت فكرة إنشاء متحف الفن الحديث في بغداد؟

أحياناً المصادفة تصنع تاريخا، فقد كنت احلم بتأسيس متحف للفن الحديث في العراق، وتحقق ذلك وافتتحه عبدالكريم قاسم في عام ،1962 وكنت التقيت، مصادفة، مدير عام الآثار اثناء انتظاره لقاء وزير الارشاد، آنذاك، واثناء الحديث طرحت فكرة المتحف، خصوصا ان مجموعة من اعمال الفنانين الرواد الاوائل من فائق حسن الى جواد سليم وعبدالقادر الرسام موجودة في دائرة الآثار العامة، وكنت قد اشتريت لوزارة الثقافة اول دفعة من لوحات لفنانين عراقيين، ولدي القائمة الاصلية للوحات في ارشيفي الخاص الآن. وتحمس المدير لفكرة المتحف، ووافق الوزير عليها فورا، وكانت مؤسسة غولبنكيان تدعم مشروعات ثقافية وخيرية في العراق، آنذاك، وقد انشأت ملعبا ومدرسة ومستشفى للصم والبكم، وكانت اهدت امانة العاصمة مبنى حديث هو «مركز الفنون»، فوجدتها فرصة مهمة ليكون مقراً للمتحف الوطني للفن العراقي الحديث، وكان ذلك، واصبحت معارض الفنانين تمثل فرصة لتعزيز مقتنيات المتحف، إذ يتم شراء اعمال من تلك المعارض لتصبح من مقتنيات المتحف.

ماذا حل بمقتنيات المتحف إثر احتلال العراق في عام 2003؟

بعد احتلال العراق نُهبت اعمال فنية وأثرية كثيرة، من بينها 7000 لوحة كانت ضمن مقتنيات متحف الفن الحديث، وكان المتحف يضم اعمالا لكثير من الفنانين العراقيين منذ عام .1962 كما تعرض المتحف للحرق من الداخل بعد نهبه، واحترقت وثائق للفن العراقي، لكنني احتفظ شخصيا بأرشيف وثائقي يمثل بديلا لما تعرض للحرق، ويضم ارشيفي الخاص وثائق ورسائل وصورا للفنانين وملصقات المعارض تحت 30 عنوانا، وفق نوع الوثيقة، وقد طالبت بدعم مشروع التوثيق مجدداً، وبعثت بخمس مذكرات الى منظمة اليونسكو بهذا الشأن، عبر مقارها في بغداد وبيروت ودمشق وعمّان، إضافة الى مذكرة الى رئيس الجمهورية العراقية، لكن لم يصلني اي رد. وانا ادين «اليونسكو» لتجاهلها الوضع في العراق، اذ انها لم تبذل جهداً يذكر لانقاذ تراث البلد الحضاري والتاريخي والثقافي، اذ ان الاحتلال فتح الباب واسعا لنهب آثار البلاد وتراثها، وارتكب الاحتلال كل فظائع الارض في العراق، وتعرضت الثقافة العراقية لانتهاك واسع النطاق.

ما المشروعات الفنية الأخرى التي أنجزتها، وكيف أصبح الفن الفطري معترفاً به في العراق؟

توالت المشروعات الثقافية بعد ذلك، اذ أنشأت اول مصهر للبرونز في الوطن العربي، في نهاية الستينات، الذي استقطب النحاتين العراقيين، بعدما كانوا يصبون قوالب منحوتاتهم في ايطاليا. وظهرت بعد ذلك تماثيل وجداريات ضخمة للفنانين في ساحات بغداد وحدائقها.

كنت لا اتوقف عن العمل، ففي مجال الكتابة الادبية نشرت الكثير في صباي، وكتبت قصيدة النثر في عام ،1937 في وقت مبكر، ونشرت في الصحف والمجلات العراقية، ثم العربية في بيروت والقاهرة، منها مجلات «الاديب» و«العرفان» و«الامالي» و«الرسالة»، وكان نهرا الادب والفن يجريان معا في حياتي، واصدرت كتبا عدة، منها كتاب عن النحات العراقي الرائد جواد سليم، الذي توفي في عام ،1961 كما نشرت سلسلة كتب في التراث الشعبي.

ومن ابرز المبادرات انني وضعت الفن الفطري ضمن الفنون، للمرة الاولى في تاريخ الفن العراقي، بعدما لم يكن احد يعرف عن الفنانين الفطريين او التلقائيين، ولا احد يعترف بإبداعهم في الوسط الثقافي، لكنني استطعت ان اسلط الضوء على هذا الفن الذي يشبه فنون الاطفال، وهو بعيد كل البعد عن المفاهيم المعروفة للفن التشكيلي. وقمت بتنظيم معارض لعدد من الفنانين الفطريين، وعرضت اعمال احدهم في بينالي تشكوسلوفاكيا للفن الفطري، وكذلك في النرويج وإيطاليا.

وبدأ الاهتمام بالفنانين التلقائيين، الذين يعمل بعضهم في مهن مختلفة، وكان من بينهم حلاق وسائق جرار زراعي، الى ان كونت مجموعة من 20 فنانا فطريا في العراق، نظمت لهم معرضا في لندن. وبعد كل هذا، اصبح الفن الفطوي معترفا به بوصفه احد تيارات حركة الفن التشكيلي في العراق، مع ان مبادرتي لاقت صعوبة وسخرية في الوقت نفسه.

من ضمن المشروعات المهمة، كان في بغداد بيت تاريخي لأول رئيس وزراء ايام الملك فيصل الاول، هو عبدالرحمن الجيلاني النقيب، المعروفة عائلته بالصوفية. عملت وزارة الثقافة والاعلام على صيانة البيت البغدادي القديم، وكانت امانة العاصمة تريد ان تحوله مطعما سياحيا، لكنني بادرت بوضع اليد على البيت، وقمت انا والفنانة ليلى العطار بتعليق لوحات على جدران البيت، ليصبح ضمن مسؤولية وزارة الثقافة والاعلام. وأنشأنا فيه متحف الرواد، ونقلنا اليه اعمال الفنانين الرواد التي كانت في المتحف الوطني للفن الحديث.

وعندما توفي الفنان فائق حسن في عام 1992 في باريس، ورثت بيته وريثة وحيدة، هي حفيدة شقيق فائق حسن، إذ لم يكن لارملته وابنه الحق في بيته، لانهما يحملان الجنسية الفرنسية، ولم يحصلا على الجنسية العراقية. وقد احبت الورثة تخليد اسم الفنان فائق حسن، ليتحول البيت الى متحف باسمه، ولم تفكر تلك السيدة في بيع البيت او استثماره تجاريا، انما ارادت ابقاء سيرة الفنان مضيئة في الذاكرة. واشرفت انا والفنان سعد الطائي على التدقيق في الارث الفني لفائق حسن وتوثيقه، لكن بعدما تأسس المتحف الشخصي للفنان، ظهر ورثة جدد، وانتهى المشروع.

كما أسست متحف «ملتقى الفنانين» في بغداد، خلال الاربعينات من القرن الماضي، يضم ركنا لاعمالي، وآخر لتماثيل 35 فنانا صبت القوالب على اجسادهم مباشرة، ويضم المتحف ركنا للمعارض التشكيلية، وآخر لوثائق الفن العراقي، لكن انتهى مصير هذا المشروع ايضا، بسبب غلاء ايجار المقر، ولم يبادر احد أو مؤسسة لإنقاذه.

هل تعتقد أن المدارس الفنية انتهى زمنها، وكيف أثّرت التكنولوجيا في الفن؟

كنت ولاازال اؤكد أهمية تطور رؤية الفنان وادواته واسلوبه الفني، وان لا يبقى تقليديا وجامدا. ففي الحركة التشكيلية العالمية تحولات هائلة في التشكيل، بفضل التطور التكنولوجي الذي يسّر مواد واساليب وافكاراً جديدة للفنان ليبدع بصور مغايرة للسائد. الفنان يزداد حرية مع اطلاعه على مناخات جديدة، اذ ان افق الفن غير محدود، ولا يتوقف عند الحدود الاكاديمية المتعارف عليها، فالبحث المتواصل طبع الفنان وبوصلته. وأرى ان كل فنان مدرسة، إذا كان مخلصاً لمغامرته الفنية الخاصة وعدم تقيده بنمط معين. لقد كانت المدارس الفنية مكرسة في تاريخ الفن، الى ان اتى الزمن الحالي، الذي يمكن ان اسميه عصر نهاية المدارس الفنية المعروفة، فمنذ منتصف القرن العشرين انتهى عصر المدارس الفنية، وصار على الفنان ان يبدع من دون قيود والتزام حرفي بمدرسة معينة، وبدأت اساليب الفنانين تتعدد في مسارات غير نهائية، واصبح الابداع يعتمد على قابلية الفنان لتطوير ادواته ومهاراته وخبراته، وكيفية تفاعله وانفعاله مع نفسه ومحيطه الانساني والطبيعي، إذ ان الفنان يعتبر بوصلة الحساسية في البناء الثقافي الانساني، وهذا دور عظيم يقوم به. ان الفنانين يقودون العالم الى الجمال والتحديث والانفتاح والتغيير والتواصل الايجابي والمحبة، وفي عصرنا الحالي اصبحت المجتمعات تعتمد على ابداع الفنانين في تصميم وابتكار ادوات وافكار لكل تفاصيل الحياة، وفي تقديم حلول جمالية، ففي المعمار تطورات فنية مدهشة، تقدم الفن في الهواء الطلق.

عايشت الظروف القاسية في بغداد أثناء الحصار فالغزو ثم الاحتلال، ماذا يفعل الفنان في هذه الظروف؟

الفنان يبتكر في احلك الظروف، ففي حصار العراق وغزوه ثم احتلاله، كان قلم الرصاص ممنوعاً من الدخول، لكن الفنانين بحثوا عن وسائل وادوات ومواد جديدة ضمن الظروف القاسية، وفي الوقت نفسه، نتيجة للدمار الذي لحق بالانسان والحجر والبشر والفنون في العراق، اضطر كثيرون الى مغادرة وطنهم الى بلدان عربية او اجنبية، واكتشفوا امكانات جديدة ومناخات فنية مدهشة. وفي منافيهم ابدع العراقيون واكتسبوا خبرات اضافية، وعملوا بروح خلاقة، وتميزت أعمالهم على صعيد عالمي. خصوصاً ان الفنان العراقي لديه قابلية كبيرة للتجديد والتطوير والتفاعل والاضافة، لانه يحمل مورثات (جينات) إبداعية اسطورية في اعماق تكوينه.

لكن الساسة لا يهتمون بالثقافة، وهذه ظاهرة عربية، الا في حالات قليلة، اذ يغيب العمل الثقافي المؤسسي في بلادنا، إذ ان الفعل الثقافي لايزال يقوم على مبادرات فردية، فخلال عملي الوظيفي لمدة 46 عاما، منها 30 عاماً في وزارة الثقافة والاعلام في العراق، كنت اعاني للحصول على موافقة على مشروع ثقافي، لكن هذه الظروف لم تثنني عن حلمي، خصوصا ان لدي ايمانا بأن المبدعين هم الذين يضيئون الحياة بإبداعاتهم وأرواحهم وإسهاماتهم.

للمرأة مكانة خاصة في تاريخ المبدعين، كيف ترى علاقتك بالمرأة؟

مكانة المرأة عالية في سيرتي، سواء في الفن والكتابة او الحياة اليومية، انها في مرتبة انسانية عليا، وكثير من النساء أثرن في حياتي، هناك قصص كثيرة، لكن ما اهتم به كان يتعلق بالبحث عن امرأة تفكر وتبدع وتشعل الحياة بطاقة فكرية وجمالية، حتى تكون جديرة بمكانتها العالية. لكن، للاسف، فإن المجتمعات المتخلفة تكبل طاقات المرأة لتغدو هامشية، وتحاصرها في مهمة واحدة هي الإنجاب، بينما مسيرة البشرية تشهد على حضور المرأة الفاعلة في الحياة والمعطاءة اينما حلت، فهي في الاساطير كانت إلهاً، وفي مراحل متقدمة ظل حضورها جوهريا في كل مناحي الحياة، فهي الأم المعلمة والمهندسة والفلاحة والفنانة والاديبة والصحافية والباحثة والعالمة والمبتكرة لحياة افضل.

لماذا ترسم؟

لا يستطيع الفنان ان يفسر بالضبط لماذا يرسم، فالفن مشاعر انسانية، يرفدها الفنان وينميها بالمحبة والاحترام والاخلاص لابداعه، واعتقد ان الفنان يمثل رافعة للذائقة الجمالية، يسهم في اقتراح اشكال جديدة دائما تجعل الحياة البشرية اكثر لطفا واغنى معنى. ويبدو لي ان مهمة الفنان عسيرة وشاقة، تبنى مثل المرجان في اعماق البحر، وكل حصيلة الابداع الانساني تغني خيال الفنان وافكاره وقيمه، ليغدو مشحوناً بملكات وطاقات الطبيعة. كل ذلك يساعد الفهم ليبدع، وبالتالي يقوم بتغذية الجمال في ارواح البشر وعواطفهم، إذ يمثل الفنان قائدا روحيا في الحياة.

ما العلاقة بين القصيدة واللوحة في تجربتك، وهل يضيف بيت من الشعر إلى اللوحة أفقاً تعبيرياً جديداً؟

انا اتعلم من الجيل الجديد للفنانين، ولا اكتفي بما توصلت اليه خلال تجربتي الطويلة، إذ انني اتابع اعمال الشباب وافكارهم، ما يحفزني ويمدني بقدرة جديدة على البحث والتجديد. وفي تجربتي ارى تداخل الفنون جوهريا، إذ ان لغتي التشكيلية تتداخل فيها مفردات من الشعر، كما ان الالوان تمثل ايقاعات موسيقية، واعتبر كل الفنون روافد لمزيد من التجليات، وكثيرا ما سئلت عن غياب البشر في لوحاتي، لكن ردي على ذلك يتمثل في انني ابدع عالما من الحلم، ولست مقلدا للطبيعة، ولست ناسخا او ناقلا لمشاهدها. فقريتي التي ارسمها هي قرية الحلم، اذ ابث في اللوحة روحا شعرية وموسيقية، لان الفنان متأمل مثل صوفي وليس مثل آلة تصوير، وكل اضافة في اللوحة من ابيات شعر هي اضافة تعبيرية من نسيج العمل من دون إقحام أو لصق خارجي، خصوصا ان الشعر هو نغمة الانسان الداخلية.

لقد كتبت قصيدة النثر في عام ،1937 وترسمت خطى الادباء الكبار، لذلك هذه الحصيلة الفكرية والجمالية جعلتني اؤمن بقيمة الادب في تشكيل رؤية الفنان وإغناء العملية الفنية.

هل رسم الغائب يمثل حضوراً من نوع خاص في لوحتك؟

استحضار الغائب يأتي بالتماهي في العمل الفني، كأنما عالم جديد ينمو شيئا فشيئا، فالفقدان يحز في النفس، خصوصا انني وجداني التكوين بالدرجة الاولى، وانني قابل للبكاء امام اي مشهد انساني مؤثر او موقف نبيل، مثل اسعاد اطفال يتامى او انتشال انسان من حالة بؤس. وفي الامارات سمعت عن سيدة تبرعت لبناء مستشفى لعلاج مرضى الفشل الكلوي، وهي بذلك تمثل نموذجا انسانيا نكن له التقدير، وقد يعجز الانسان عن شكرها، خصوصاً ان المستشفى ينقذ حياة كثيرين.

كيف كان معرضك في مؤسسة العويس الثقافية في دبي، العام الماضي؟

كان المعرض ناجحا بامتياز، وكانت الزيارة لمدة 10 ايام، لكن وزير الثقافة عبدالرحمن العويس، تنبه بحسه الثقافي الى اهمية توثيق تجربتي وسيرتي الشخصية، فبقيت اسجل سيرة حياتي على اشرطة تلفزيونية، عن تجربتي الفنية ومذكراتي منذ بداية اشتغالي بالفن. واعتقد ان الساحة الثقافية الاماراتية محظوظة بوجود وزير مثقف، يقدر الابداع على رأس الوزارة، إذ يعد الوزير من كبار مقتني الاعمال الفنية.

تويتر