يفتتح السبت المقبل في غاليري اعتماد بدبي

معرض للفن الصيني يعيد تعريف مفاهيم في الثقافة والسياسة

الفن الصيني الحديث يطرح أسئلة ثقافية وسياسية جريئة. من المصدر

للمرة الأولى، ستعرض 25 عملاً فنياً صينياً في المنطقة العربية، وتحديداً في غاليري اعتماد في دبي، فأخيراً وصلت سفينة المملكة الوسطى إلى شواطئ الشرق الأوسط، ومنذ أن حل أوائل الفنانين المعاصرين خارج بكين في يوان مينغ يوان عام ،1989 يقوم هؤلاء الفنانون بإعادة تعريف الهوية الثقافية والسياسة. ويضم المعرض الذي يفتتح في السابع عشر من الشهر الجاري ويستمر أسبوعاً، مجموعة متنوعة من المنحوتات ورسوم الفحم واللوحات والأشغال الفنية الورقية والأعمال الفنية الرقمية وفن البوب السياسي لمجموعة من الفنانين منهم: الشقيقان غاو، تشيو جي، هونغ تونغ لو، هان بينغ، شين هانغ فنغ، ليو داو، وانغ زيوي.

وجاء في بيان صحافي عن المعرض «يعد الشقيقان غاو منذ فترة طويلة من ضمن مجموعة آراؤها مثيرة للجدل، لكن هذه الآراء مبررة وتمثل جانباً حقيقياً وغير بارز للمجتمع الصيني، فتمثال «الآنسة ماو» بأنف بينوكيو وضفيرة المانشو يسخر من الشخصية الأولى في المؤسسة الرسمية، ماو تسي تونغ، الرجل الذي يمكن القول إنه غيّر الصين غالباً إلى الأفضل وأحياناً إلى الأسوأ. ويستطيع الشقيقان غاو، اللذان أعدم والدهما أثناء الثورة الثقافية من أجل آرائه السياسية، فهم هذا الغموض أكثر من أي شخص آخر، فيما تركز أعمالهما على الصين ومكانتها المتطورة في العالم».

ويعد عملهما «بناء غير مكتمل للأبد» إحدى هذه الإطلالات على العالم الخارجي، مثل الكثير من المباني غير المكتملة في الصين، وكجزء من الطفرة العقارية، تنتصب شخصيات كثيرة واقفة على طوابق الهيكل الاسمنتي العاري. لقد كتب إيمانويل كانط (الضرورة المطلقة) «ما من شيء مستقيم بني من خشب البشرية المعوج»، وهنا فإن أبطال العالم وأشراره: سبايدرمان، ماو، بول بوت، ماجيك جونسون، مارلين مونرو، شارلي شابلن، جميعاً يقفون جنباً إلى جنب على ناطحة سحاب الشقيقين غاو غير المكتملة، فهم يمثلون عالم اليوم بكل ما فيه من عصاب وإنجازات، وهناك مبنى بنك الصين في هونغ كونغ، برج جنغ ماو أو المركز المالي في شنغهاي، الرواد الشيوعيون بأوشحتهم الحمراء، أشهر عارضات الأزياء، الرياضيون، رجال الأعمال بهواتفهم النقالة، الفلاحون بسترات ماو، كلهم يملأون الطوابق كرموز صرح غامض، إذ تتعرض الصين لتغيير غير مسبوق.

وتبدو رسومات الفحم العملاقة التي أنجزها تشيو جي، الذي ولد في شنغها ،1961 بسيطة للوهلة الأولى، لكنها تستند إلى الملصقات الكبيرة وفن دعاية الواقعية الاشتراكية أيام الثورة الثقافية، وعندما يصور تشيو جي جمال الصين الخالد مثل ملصق للجولات السياحية الأوروبية الكبرى أو لرحلات السفينة كوين ماري أو كدعاية ماوية فإنه يتحدى هذه الصين التي نراها. إن رسوماته، التي بدأ بها في أواخر تسعينات القرن العشرين، كانت بحجم الملصق الصغير، نظراً لصغر مساحة مرسمه في ذلك الوقت، لكنه يلصقها معاً لتشكل جداريات عملاقة. كان والده وعمه يعملان في مهنة السفن، وذلك موضوع متكرر في أعماله، إنه من جيل ضائع، كان ينتمي إلى الثقافة والمثل الشيوعية في شبابه، وهاجر الى سويسرا لاحقاً في منحة دراسية، ليكتشف الثقافة الرأسمالية في الغرب، وهو يجمع عنصري الرموز الشيوعية والصور الصينية التقليدية للطبيعة والثقافة. وتصور لوحة «سنونوتان» شابتين بالزي الماوي «حذاء قماشي وسترة ماو» تتسلقان عمود كهرباء للقيام ببعض التصليحات. إنهما محلقتان فوق المشهد الطبيعي، مبتسمتان، وتعملان بسعادة، وتجسدان المرأة الصينية الحديثة، كما تصورها المُثل الشيوعية، لكن هاتين المرأتين تمثلان أيضاً الصين القديمة، فجمالهما ورقتهما وملاحتهما تذكرنا بصورة من الماضي، بجماليات المناظر الطبيعية الصينية ومعابدها وزهور البرقوق المحمرة، السنونو أحد بشائر السعادة والربيع والحظ الجيد في المملكة الوسطى.

الروحانية والحداثة

في عمل فني آخر، يصور ماو تسي تونغ «القائد العظيم» كقطة ترتدي سترة ماو، فهناك جناس لفظي بين كلمة «قطة» وكلمة «ماو» في اللغة الصينية، وهذا التصوير الهزلي لشخصية تاريخية في مشهد تقليدي، جنباً إلى جنب مع الخط اليدوي، يظهر لنا كيف يمكن أن تصبح الصور أقل قوة، لكنها تجارية أو دارجة أكثر. يعمل تشيو جي شهوراً على كل تركيب، ويستخدم الفحم، وهو أبسط الوسائل، والغواش الأحمر وهي أداة قديمة، لتصوير الصين بتفاصيلها الدقيقة.

هونغ تونغ لو فنان تايواني يعيش الآن في بكين، ويعمل على موضوعات تجمع بين الروحانية والحداثة. لقد كانت الصين دوماً أرض المعتقدات الثلاثة: الداوية والبوذية والكونفوشيوسية، وتعايش أتباعها دائماً بوئام، لكن البوذية اجتذبت المزيد من الأتباع، وتصور بوديساتفا الرحمة عائمة في فقاعة فوق بحر من اللوتس. وخيالها في الماء والسماء يعني أنها تتجاوز العالم المادي، إذ يعتقد البوذيون أن المرء عندما يموت تضعه هذه الإلهة في قلب زهرة لوتس وتعيده غرباً إلى الأرض الطاهرة في سوخافاتي. في العمل الآخر لهونغ تونغ لو سفارا «سامع الأصوات أو سامع معاناة الشعب»، يجلس بوذا على زهرة لوتس، ويكون أيضاً متعدد الأبعاد، ومنعكساً في الماء كمرآة، وفي السماء كصدى.

«الطوب الأحمر»

في سلسلة هان بينغ «حركة الثقافة الجديدة» يقف الفلاحون والعمال والعائلات وتلاميذ المدارس أمام منازل لم يكتمل بناؤها، ومواقع بناء وباحات مدارس وهم يحملون الطوب، رمز حلم الصين الرأسمالي. ويعتبر «الطوب الأحمر» من الطراز القديم في المدن الصينية، لكنه لايزال يمثل البيت والمستقبل لدى جماهير الريف، فأحياناً يتوجب على الأسر الفلاحة أن تختار بين تعليم أولادها أو تزويجهم أو بناء منزل خاص. إن لوحات هان بينغ تذكر بصور الواقعية الاشتراكية للعمال والعاملات والأسر في الصين الماوية، فسترات ماو وقبعات القش والوجوه البهيجة، كل شيء يتنفس تفاؤلاً وفخراً. لايزال الاعتقاد بالمثل قوة فعالة في بلد المليار وربع مليار نسمة.

ولد هان بينغ لأسرة ريفية في مقاطعة جيانغسو الريفية عام ،1974 وكان في صغره أفقر من أن يتحمل تكاليف الأدوات الفنية، فكان يرسم في التراب باستخدام قطعة من الزجاج المكسور. وقد اعتبر والده «مثقفاً»، فصودرت كل ماشيته، واضطر الى حرث حقله بمجرفة. وفي عام 1994 تم قبول هان بينغ طالب فنون في جامعة سوزهو، وكان الطفل الوحيد المقبول في المدرسة من قريته، وعندما وصل الى أكاديمية الفنون في بكين، أذهله التناقض بين الأغنياء والفقراء وبين المدينة والريف. لقد أعلن الحزب الشيوعي عام 2000 أن «مجتمع الرخاء المتواضع» قادم، وأخذ هان بينغ يتساءل عما إذا كان هذا الرخاء المتواضع سيصل إلى الريف أو أن العمال المهاجرين سيتدفقون الى المدن، وجاءت سلسلة الصور الفوتوغرافية من وحي هذه الفكرة.

«يلعب الناس في هذه الصور دور أنفسهم، إلا أن هذه الصور أعمال معروضة كي تتيح للناس تمثيل أنفسهم وهمومهم فيها، وتربط بينهم من خلال مآزقهم المشتركة وأحلامهم الرقيقة».

يتناول بينغ فكرة الأشغال الفنية الورقية، وينتشر تقليد أشغال الورق في الصين منذ آلاف السنين، ففي الريف، يستخدم الناس أشغال الورق للتزيين وكزجاج للنوافذ والأبواب، وفي المناسبات الاحتفالية كالزواج وشراء منزل جديد وقدوم طفل جديد، إلا أن تشن يتصور أشغال الورق في العالم الحديث تحمل شعارات الأسماء التجارية مثل شانيل، فيراري، جاغوار، نايك، اديداس، بوما، غوتشي، وكان قد صنع حواجز صينية وأسرة وقواطع اكريليك بناء على هذه العناصر الزخرفية، لكن مشروعه الأحدث هو السجاد. يظهر فيديو تشن هانغ فنغ «وجبات سريعة» شعار كنتاكي فرايد تشيكن مكتوباً بحبات الذرة وموضوعاً على الأرض، ثم يطلق الدجاج ليأكل حبات الذرة، بشيء من السخرية الخفية.

عرض بالمصابيح

ليو داو، ولدت في شانغهاي عام ،2006 وأخذت اسمها من موقعها الأصلي في مطحنة دقيق فو فونغ في موغان شان لو.

وكان هذا المبنى هو الناجي الوحيد من عمليات الهدم الجماعي أثناء طفرة شنغهاي العقارية، ويبدو كجزيرة منبثقة من بحر الانقاض، ولذلك اكتسب اسم ليو داو، أي الجزيرة .6 تضم الجزيرة تشكيلة من الفنانين الصينيين والأجانب عددهم 30 فناناً، وقد تمكنت ليو داو من إنتاج أعمال فنية رقمية معقدة باستخدام قواطع الفينيل والليزر الضوئي وموجهاتCNC وتطبيق جافا وغيرهٍ، وذلك بفضل مواهب وأفكار العديد من أعضائها. والمصابيح التي تستخدمها داو ليو تعكس حواس الجسم، ويطلق كل مصباح الآخر عضويا، وتمثل «رفرفة في خيشوانغبانا، 2010» عرضاً بالمصابيح لفراشات باستخدام أشغال ورق الأرز التقليدي في إطار من الصلب.

وترفرف الفراشات عبر غابات الخيزران، فتضفي لمسة عصرية على نوع من لفائف الرسم العائدة إلى سلالة سونغ. وفي «أغنية شمالية»، يضفي عرض دائم للألعاب النارية نفحة حياة على المشهد الجبلي، وفي «شكل منسي»، تصور قطعة الأشغال الورقية عارضة لحمل الأزياء.

«البوب السياسي»

ولد وانغ زيوي في شنغهاي عام ،1963 وتحوي صور البوب لديه أعمالاً فنية شهيرة تتربع فيها دوماً شخصية ماو تسي تونغ. وفي أواخر أربعينات عمره، أسس حركة «البوب السياسي» في شنغهاي مع شخصيات بارزة أخرى مثل يو يوهان، فيما كان يوي مينجين، وانغ غوانجي، وآخرون في الشمال في بكين عاصمة البلاد، يجربون بالفعل «فن البوب» وينشرونه، لكن شنغهاي كانت متخلفة عن الركب. يصور وانغ شقراوات روي ليشتنشتاين يحلمن بماو، القائد العظيم أو بميكي ماوس، ويركبن «موجة الاشتراكية»، وهي جرأة سياسية فُهمت لاحقاً كنوع من الدعابة المرة، لها جذورها القديمة في التاريخ الصيني. ولو كان ماو في أيام عزه لعوقب زوي أو أعيد تأهيله بسبب سخريته من الزعيم.

تويتر