بعلبكي تستدعي عمالقة الطرب العربي في أبوظبي
أمسية المغامرات الموسيقية
سمية بعلبكي أخذت جمهورها في رحلة عبر مدارس واتجاهات موسيقية مختلفة. من المصدر
«هي تجربة فيها الكثير من التحدي، ولكنها ممتعة»؛ هكذا وصفت الفنانة اللبنانية سمية بعلبكي الغناء في قاعة «زها حديد» في «قصر الإمارات» في أبوظبي، خلال الحفل الذي أحيته أول من أمس، ضمن فعاليات مهرجان أبوظبي ،2011 في إشارة منها إلى تجربة الغناء من دون استخدام الميكروفون، ودون ان تكون هناك مساحة فاصلة بين الفنان وجمهوره سوى خطوات قليلة، وهو الاسلوب الذي تقوم عليه القاعة والمتبع في الحفلات التي اقيمت خلال الأيام الماضية ضمن المهرجان.
الواقع أن حفل بعلبكي لم يقتصر على مغامرة الغناء من دون ميكروفون، ولكنه تضمن أيضا مغامرة فنية أخرى تمثلت في الجمع بين واحد من أشهر الإيقاعات الموسيقية الغربية وهو التانغو، والموسيقى الشرقية بايقاعاتها المميزة، ولكن كلا المغامرتين كانت محسوبة تماماً، فالقاعة التي أقيم فيها الحفل، ليست مجرد قاعة عادية، ولكنها قاعة متنقلة قامت المهندسة العالمية عراقية الأصل زها حديد بتصميمها خصيصاً لاستضافة موسيقى الحجرة، خصوصاً موسيقى الموسيقار الشهير ليوهان سبيستيان باخ، وحرصت على أن تمنح الجمهور فرصة حضور فعاليات فنيّة راقية في أجواء فريدة، وتوظّف بتناغم بديع التقنيات الضوئية وأنظمة الصوت المبتكرة لضمان وجود الحضور في بيئة مثالية للاستمتاع بمجموعة من العروض الفنية المتميّزة.
|
عراقة اعتبرت مُؤسس مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون، المؤسس والمدير الفني لمهرجان أبوظبي، هدى الخميس كانو، أن الأمسية المميزة تلقي الضوء على عراقة الإرث الموسيقي العربي الممتد الجذور عبر التاريخ، منتقلاً كما الموسيقي الشهير زرياب، من الشرق العربي إلى الغرب الأندلسي وصولاً إلى أميركا اللاتينية. وأضافت «لقد كانت الأمسية احتفاءً بالعلاقة التاريخية الراسخة بين الألحان العربية والألحان الأندلسية والأميركو - لاتينية، والتي يعود تاريخها الحديث إلى الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وعادت بنا سمية بعلبكي إلى هذا الزمن الساحر الجميل عبر الكلمات والألحان التي أطربتنا جميعاً عرباً وأجانب في رسالة واحدة مفادها أن من صنعوا تلك الفنون التي اندمجت في بوتقة المنجز الموسيقي والغنائي العالمي قديماً، هم بدورهم قادرون اليوم على أن يتصدوا لصناعة المنجز الغنائي والموسيقي المعاصر، كما توحدت إبداعاتهم الرائعة في أمسية متميزة من أمسيات مهرجان أبوظبي ،2011 وضمن الفعاليات التي تستضيفها قاعة زها حديد تحت شعار «إبداع الشرق: إرثٌ موسيقي، معمارٌ إنساني». |
تصميم استثنائي
اعتمدت زها حديد صاحبة العديد من تصميمات أبرز المعالم المعمارية العالمية، والحائزة جائزة برتزكر المرموقة وجوائز عالمية عدة، نموذجاً استثنائياً للقاعة، كانت الركيزة فيه تصميم لما يشبه شريطاً ضخماً باللون الأبيض، يحيط بحميمية فراغ القاعة التي سادها اللون الأسود في تناغم بصري لافت يمثل امتداداً لمعطيات الصوت من معزوفات موسيقية خالدة، وصمم هذا الشريط الضخم ليلتف بانسيابية حول المكان المخصص للمطرب والفرقة الموسيقية، ثم يرتفع قليلا ليعود ويلتف من جديد حول مقاعد الجمهور بالانسيابية والرشاقة نفسها، وبخلاف الدلالات البصرية التي يمثلها الشريط، يأتي تصميمه بهذا الاسلوب ليسمح بتوزيع الصوت بانسجام وتناغم بين أرجاء القاعة، وبهذا التوزيع المتناغم والمدروس للصوت، لا يمكن اعتبار الغناء من دون ميكروفون أو على بعد خطوات معدودة من الجمهور مغامرة بالمعنى، دون التأكيد على كونها مغامرة محسوبة تماماً، ويزيد من هذا التأكيد أن الشريط الذي استخدم في تصميم القاعة يتكون من عناصر لها تأثيرها في توزيع الصوت وتناسقه في أرجاء القاعة كافة التي لا تزيد سعتها على 200 مقعد تقريباً.
«أراب تانغو»
المغامرة الثانية في أمسية بعلبكي كانت فنية محسوبة، وهي الأساس الذي تقوم عليه تجربة سمية بعلبكي الفنية وأسلوبها الذي اعتمدته في وجودها على الساحة الغنائية من خلال المزاوجة بين موسيقى أميركا اللاتينية، وفي مقدمتها التانغو والألحان الشرقية الأصيلة، والتي تحملت عنوان «أراب تانغو»، ورغم أن المتلقي العادي قد يظن أن المسافة الفاصلة بين النوعين أبعد كثيرا من أن تسمح بالتلاقي بينهما، لكن الإجابة كانت حاضرة عبر حنجرة بعلبكي وهي تتغنى بأغنيات تعود إلى النصف الأول من القرن الماضي، وطالما كانت قريبة لاسماعنا جميعا بايقاعاتها الرشيقة الجذابة، ليكتشف المستمع مع الفنانة اللبنانية ان هذه الايقاعات ما هي إلا المزيج بين التانغو والموسيقى الشرقية.
خلال الحفل الذي استمر لما يزيد على الساعة تقريبا، غنت بعلبكي مجموعة من روائع من كلاسيكيات المكتبة الشرقية الزاخرة بأغنيات جمعت «البوليرو، والتانغو، وتشا تشا تشا اللاتينية الراقصة» بالإيقاع الشرقي الطربي، ويحسب لها حسن انتقاء الأغنيات التي قدمتها، حيث تقدم نماذج متميزة لفكرة ومضمون الـ«أراب تانغو»، مع إضافة توزيعات موسيقية جديدة على هذه الأغنيات، كما أن جميع هذه الأغنيات جاءت مألوفة وقريبة من أذن ونفس المستمع، ما شكل عنصراً مهماً في التفاعل الذي بدا واضحاً بين الجمهور والمطربة وما تقدمه من أغنيات، حتى ان أصوات بعض الحضور بدت واضحة وهم يرددون كلمات هذه الأغنيات، كما أسهمت اختيارات بعلبكي في لفت انتباه الحضور إلى الثراء والتنوع الكبير الذي قدمه الفنانون العرب في انتاجهم الموسيقي خلال السنوات الماضية، هذا الثراء الذي يمنح لأغنيات الزمن الجميل القدرة على البقاء، ومواجهة النزعة التجارية والتردي الذي يتسم به الغناء العربي حالياً.
أمسية طربية
قدمت بعلبكي في الحفل أغنيات من ألحان محمد عبدالوهاب وفريد الأطرش ومحمود الشرف وهاني شنودة، منها «أطلب عينيّا»، و«شغلوني»، و«دخلت مرة في جنينة»، و«لأ مش أنا اللي أبكي»، و«أهواك»، و«بحلم معاك»، و«أحبك» و«أنت فاكرني»، و«عشانك يا قمر»، و«عاشقة الورد»، و«سهرت» و«يا زهرة»، وهي كلها أغنيات راسخة في وجدان وذاكرة الجمهور العربي، ورافق سمية في أمسيتها، كلود شلهوب على الكمان، وآرثر ساتيان على البيانو، وسلمان بعلبكي فنان الإيقاع، بالاضافة إلى الفنان عبود السعدي المؤلف وعازف الغيتار، والذي قدم توزيعات حديثة لعدد من هذه الأغنيات، وأفرد فيها مساحة للآلات الشرقية، مثل الدف والكمان حيناً، والآلات الغربية حيناً آخر، مثل البيانو والغيتار.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news