رفض الاحتفاظ بجائزة «مبارك».. وكتب عن ثوار «الميدان» في «شرق النخيل»

بهاء طاهر: كلنا مدينون لشباب «التحرير»

شباب ثورة 25 يناير حققوا حلم أجيال. غيتي

كعادته، لم يتوارَ الأديب المصري بهاء طاهر في الظل، ولم يجرِ حسابات طويلة، أو ينتظر تجليات تظاهرات الشباب «ورد الجناين» في ميدان التحرير بمصر كي يقول كلمته، بل أعلن موقفه، بجسارة أحد الثائرين المعتصمين حول الكعكة الحجرية، وقبل أن تصير الانتفاضة ثورة، وتتحول الآلاف إلى ملايين في الميادين، قرر صاحب «خالتي صفية والدير» أن يعيد جائزة مبارك للآداب التي تعد ــ أو بالأحرى كانت ــ أرفع الجوائز المصرية إلى مانحها، رافضا الاحتفاظ بجائزة تلوثت يد رمزها بدماء مئات الشهداء الشرفاء، وكان ذلك الموقف ــ من كاتب صاحب مواقف ــ في الأيام الأولى للثورة المصرية، جارحا بذلك صمت مثقفين آثروا انتظار العواقب، وتكالبوا على أدوار البطولة في الفضائيات بعد بيان التنحي.

حياة وأعمال

http://media.emaratalyoum.com/inline-images/356721.jpg

ولد الروائي والمترجم والمخرج المسرحي بهاء طاهر عام 1936 في قرية الكرنك، في مدينة الأقصر بصعيد مصر، ونشر أولى قصصه القصيرة عام .1964 عمل مذيعاً في الإذاعة المصرية ـ البرنامج الثقافي، عقب تخرجه في كلية الآداب. حافظ على مواقفه، وتعرض لمضايقات عدة، اضطر بعدها إلى ترك مصر، سافر إلى جنيف وعمل في منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة حتى منتصف التسعينات.

صدرت مجموعته القصصية الأولى بعنوان «الخطوبة» عام ،1972 ثم توالت بعدها مجموعات «بالأمس حلمت بك» ،1984 «أنا الملك جئت» ،1986 «ذهبت إلى شلال» ،1998 وآخر مجموعاته القصصية التي صدرت العام الماضي «لم أعرف أن الطواويس تطير».

وله روايات «شرق النخيل»،1985 «قالت ضحى» ،1985 «خالتي صفية والدير» ،1991 «الحب في المنفى» ،1995 «نقطة النور» ،2001 «واحة الغروب» 2007 التي فازت بجائزة البوكر العربية في دورتها الأولى، إضافة إلى كتب «أبناء رفاعة» ،1990 «في مديح الرواية» ،2004 وترجم «الخيميائي» لبابلو كويلهو، وترجمت أعماله إلى العديد من اللغات، وحاز العديد من التقديرات، وجائزة إيطالية عام 2000 عن روايته «خالتي صفية والدير».

قبل 25 يناير 2011 في أزمنة العتمة واليأس، تشهد دار القضاء العالي، وسلالم بعض النقابات خلال الوقفات الاحتجاجية في القاهرة، على أن بهاء طاهر كان واحداً من المغردين خارج السرب، وحاملي شموع الأمل، ووجهاً مألوفاً لأعضاء الحركة المصرية لأجل التغيير «كفاية» والحالمين بالعدل، ودائما كان الشاب بهاء طاهر الذي تخطى الخامسة والعشرين بعد الخمسين يتقدم صفوف شباب المتظاهرين، ويتلقى ما ينالهم من أمن لا يرحم صغيراً ولا يوقر كبيراً عمراً ومقاماً.

مصر الحقيقية

يرى الروائي المصري أن الجميع مدين لشباب ميدان التحرير، صانعي ملحمة 25 يناير، الذين نجحوا فيما فشلت فيه أجيال سابقة، حاولت ولم تبلغ المراد، مضيفا لـ«الإمارات اليوم»: «أحسد نفسي أني عشت لأرى هذا اليوم، يوم الثورة المصرية، التي منحتني فرحة غامرة، بعد أن رأيت مصر الحقيقية، وأعتقد أننا كلنا مدينون لهؤلاء الشباب الذين نجحوا فيما فشل فيه جيلنا، ولا أنكر ولا أنفي أن الأجيال السابقة كان لها دور في عمل أثر تراكمي أدى إلى هذا الانفجار الشعبي العظيم، ولكن هو مجرد دور.. يبقى أن العامل الرئيس كان للشباب والشيوخ والأطفال الذين اعتصموا في ميدان التحرير لنحو 18 يوماً، مصرّين على انتزاع حقوقهم، وحق الشعب المصري في الحياة والكرامة».

وحول قرار إعادته جائزة مبارك للآداب التي نالها عام ،2009 يقول صاحب «الحب في المنفى»، إن «ارجاع الجائزة كان اقل شيء يمكنني فعله للتضامن مع شباب التحرير، وإعلان رفضي التام أن أحتفظ بجائزة رمزها يداه ملوثة بدماء الشرفاء، إذ كان لا يمكن أن أحتفظ بالجائزة، بعد أن رأيت بعيني الاعتداءات الإجرامية على الشباب وعلى المواطنين المصريين في ميدان التحرير وغيره من ميادين مصر في المدن المصرية المختلفة، واعتقدت أنه من العار أن أظل محتفظاً بالجائزة، واعتبرت أن الإعلان عن إعادتها هو نوع من التضامن الرمزي مع الثوار»، مشيرا إلى أنه يكن ليعبأ بعواقب ذلك القرار حتى في حال أسوأ السيناريوهات وهو بقاء النظام، وفض الاعتصامات «كلنا كمصريين ــ باستثناء قلة ــ كنا على استعداد في أي لحظة للموت من أجل إنجاح الثورة، وليس التفكير في عواقب عمل شيء رمزي كالذي قمت به».

لحظة تاريخية

عن مشاعره حين حققت الثورة الشعبية المصرية أول أهدافها، يضيف بهاء طاهر الذي نالت روايته «واحة الغروب» جائزة البوكر العربية في أولى دوراتها «لم أكن في ميدان التحرير لحظة إعلان رحيل رمز النظام السابق، لكنها كانت لحظة تاريخية يندر أن تتكرر، قفزت من مكاني رغم آلامي، ورغماً عني سالت دموعي مثل ملايين المصريين، وظللت أبكي لساعات، ونحمد الله أننا عشنا كي نرى هذا اليوم»، مشيرا إلى أن الشيء الوحيد الذي حزن عليه في تلك اللحظات أن عظماء مصر الذين لم يشكّوا في أن هذا اليوم آت لم يروه «فجمال حمدان ويحيى حقي ونجيب محفوظ ومحمد عودة وغيرهم كثيرون رحلوا قبل أن يشاهدوا اللحظة التي حلموا بها طويلاً، لكن اعتقد أن أرواحهم الآن سعيدة، وهم يطلون علينا من علٍ ليروا أن أحلامهم قد تحققت، وأن الشعب المصري قد انتفض، وانبلج فجر جديد على الوطن مع ثورته».

ولا يؤيد مبدع «أنا الملك جئت» تطبيق مثل «راحت السكرة وجاءت الفكرة» على الثورة المصرية، مؤكداً أن «أم الدنيا» ينتظرها عهد جديد، يحمل رؤى ووجوها مختلفة، موضحاً «لا يوجد لدي اي توجس ولا قلق في المرحلة المقبلة، ومنذ أول أيام انطلاق الثورة، لم افقد ثقتي ولا تفاؤلي بنجاح مطالب الشباب، ورغم أنه وجدت تطورات كثيرة خلالها، فأحيانا كانت تصعد، وساعات تهبط، إلا أنني ظللت مستبشرا ومتفائلا، فالملايين التي خرجت لم يكن باستطاعة أحد إيقافها، وذلك الطوفان الذي انطلق لم يكن ليوقفه شيء، ولا حتى المحاولات المستميتة من قبل النظام السابق التي فشلت جميعها».

«لو نموت معاً»

لم يغب «ميدان التحرير» الذي صار ميدان الشهداء بعد جمعة الغضب في 28 يناير الماضي، عن أعمال بهاء طاهر، إذ تدور بعض أحداث روايته «شرق النخيل.. لو نموت معاً» في ذلك الميدان، وتصور حكاية اعتصام الطلبة فيه خلال يناير عام ،1972 ومن كانوا يرددون: «اصحي يا مصر» حالمين بالكرامة واستعادة الأرض، وثائرين على حالة اللاحرب واللاسلم، وتأخر عام الحسم. وربما عاد بعض من ألهموا بهاء طاهر قصته ومن كانوا طلبة مرة أخرى في 25 يناير الماضي إلى «التحرير»، مصطفين بجوار أبنائهم هذه المرة، مشاركين في إنجاح ثورة أجهض فصل من فصولها قبل نحو ثلاثة عقود.

حلم أحد أبطال رواية «شرق النخيل» بالتصدي الجماعي للظلم، وقال: «ربما لو وقفنا أربعة لصرنا عشرة، ولصرنا مائة»، ويتحقق الحلم فتصل الحال في المحافظات المصرية إلى أن الثائرين على الظلم تخطوا حسب بيانات وكالات إلى نحو 13 مليوناً، وهو رقم لم تعرفه الثورات.

تتشابه أجواء رواية بهاء طاهر التي صدرت عام 1985 عن دار المستقبل العربي في 104 صفحات، مع بعض الأحداث الأخيرة التي ماجت بها مصر، غير أن النهاية اجمل في ما تم تحقيقه أخيرا، فالإحباط ومحاولات الخلاص منه كان سيد الموقف، وبطش الأمن هو هو، وكذلك التآمر على الثوار الشرفاء وإلصاق التهم بهم، ورميهم بالخيانة والعمالة وفق أجندات.

تويتر