ريما صالحــــة وعلي بريشــة يبوحــــان بمـا وراء الكاميرا

«صناعـــة المـــوت».. أوراق تنتصر للحياة

«صناعة الموت» كتاب يكشف تفاصيل مهام على حافة الخطر. الإمارات اليوم

بمساحة من الأمل في صناعة حياة، خاض ـ ومازالا ـ الإعلاميان ريما صالحة وعلي بريشة تجربة خاصة مع «صناعة الموت»، فجديد ـ الباحثين عن المتاعب ـ هو الكشف في كتاب يحمل عنوان برنامجهما الشهير نفسه على قناة العربية الإخبارية، عن أصل حكاية «صناعة الموت»، وخفايا فصولها كذلك، واطلاع القارئ، من بعد المشاهد، عبر أوراقهما الجديدة، على أسرار لم تسجلها الكاميرا، بل وإدخاله إلى كواليس لم تظهرها حلقات البرنامج.

ريما وبريشة ـ ابنا المدينتين المحبتين للحياة بيروت والإسكندرية ـ وجدا في كتاب «صناعة الموت.. تجربة حياة» فضاء حراً، وبراحاً تتسع صفحاته لعرض تفاصيل تجربة برنامج صناعة الموت، بحلوها ومرها، بردود أفعال مشجعة ونجاحات، ورسائل مفخخة بالتهديدات من «طيور الظلام»، حازت الحظ الأوفر منها الجالسة أمام الكاميرا.

تحررت مقدمة «صناعة الموت» ريما مع القلم من قيود عدة، الحيادية والموضوعية والمهنية والأعصاب المتماسكة وحبس الدموع حتى في أشد لحظات الأسى، فأظهرت شخصيتها الحقيقية، وصوتها الخاص، ومشاعرها الذاتية دونما مواربة، وكذلك ذرفت دموعها عبر بياض الصفحات، مستدعية ذكريات لضحايا مازالوا يعانون ويلات صناع الموت، وملقية الضوء على خلفيات حوارات قامت بها في «أعشاش دبابير»، ومقابلات أجرتها في ضيافة الكلاشينكوف.

بينما يبوح معد برنامج «صناعة الموت» عبر أسلوب قصصي بـ«أسرار البرنامج العليا» في الكتاب، ويسجل بكاميرا قلمه كيفية العثور على مصادره، وطرق تنظيم تلك اللقاءات التي تمت مع شخصيات كثيرة، وينتقل ـ بصحبة ريما ـ إلى أكثر من عاصمة، منطلقين من دبي، لتتعدد الوجهات بين عمان والقاهرة وبيروت ولندن وبالي الإندونيسية، وغيرها من الأماكن التي رسمتها خريطة اللقاءات.

منطقة غائمة

يرى بريشة أن «صناعة الموت.. تجربة حياة» الصادر أخيراً، في 262 صفحة، يضيء منطقة كانت غائمة لدى البعض ممن كانوا يطرحون على فريق البرنامج دوماً أسئلة من قبيل: كيف أتيتم بتلك المواد التي تنفردون بها؟ وما الطرق التي تستطيعون بها التوصل إلى ضيوف حولهم علامات استفهامات كثيرة؟، مشيراً إلى أن الكتاب يحمل اجابات عن تلك الأسئلة وغيرها.

وأضاف بريشة لـ«الإمارات اليوم» «الكتاب يقول أشياء لم يبح بها البرنامج الذي قدمنا فيه وجهات مختلفة لغيرنا، وعرضنا فيه كل أسبوع لجزئية ما تندرج تحت ظاهرة صناعة الموت وأسبابها، وأعتقد أنه يكشف بصورة واضحة لماذا صنعنا ذلك، وكيف قمنا به، بالاختصار كواليس البرنامج حاضرة في الكتاب، وهو ما قد يزيل غموض بعض الأمور لدى كثيرين ممن تابعوا حلقات البرنامج».

وأردف الصحافي المصري «في الأساس الإعلامي خلال عمله لابد أن يكون هادئاً، وصاحب أعصاب متزنة كي يستطيع عرض الموضوعات بحيادية، وينقل الصورة كاملة، أما في الكتاب، خصوصاً انه ليس مؤلفاً علمياً، فأعتقد أنه متاح لنا أن نعبر عن مشاعرنا ورؤيتنا ولحظات ضعفنا، وكذلك دموعنا التي ترجمها القلم، بينما لم تسجلها الكاميرا، أو بالأحرى سجلتها، ولكن المهنية لم تقتضِ عرضها».

وعن الصدامات الجديدة التي يمكن أن يسببها الكتاب، ذكر بريشة أن فريق البرنامج، خصوصاً المقدمة، هُوجم بما فيه الكفاية، أثناء عرض كثير من الحلقات «ونعلم أن الكتاب ربما يجر أزمات جديدة، خصوصاً لي، ولريما، إذ نرد بشكل واضح على بعض من اتهمونا بأننا نعمل وفق إملاءات، وأننا موجهون من قبل القناة، وأنا أجزم بأننا نعمل حسب قناعاتنا، ونقوم بما يفرضه عـلينا ضميرنا المهني، ورغبتنا في التغيير نحو الأفضل للجميع، فلا رقابة على حلقاتنا، إذ كانت تعرض مباشرة دونما تدخل من أحد، وربما هذا الاعتراف سيستنفر البعض ممن يرون أننا نعمل تبعاً لأجندة رسمتها اخيلتهم، وكوننا نخرج ونروي ذلك في كتاب، فذلك قد يتسبب بمشكلات جديدة».

مخزن حكايا

http://media.emaratalyoum.com/inline-images/296521.jpg

فكرة التحضير لكتاب «صناعة الموت.. تجربة حياة» جاءت، وفق علي بريشة، بعد ميلاد البرنامج (صناعة الموت انطلق في 2006) بعام، ويعتزم المؤلفان إصدار أجزاء أخرى تسرد تفاصيل جديدة، إذ يؤكد بريشة ان مخازن «صناعة الموت» مازالت مكتنزة بالحكايا التي تلقي الضوء على كثير من المآسي، وتعرض لأفكار ربما تساعد من يسيرون في طريق التشدد مراجعة آرائهم، مشيراً إلى أن حجم الكتاب ربما حتم الوقوف عند حد معين، واستكمال بقية القصص في أجزاء أخرى.

ويعترف بريشة بأن الإعلام العربي في الغالب اعتاد تناول الإرهاب في صورة متابعات سريعة، عن ارقام الضحايا، من قاموا بالعملية، والمتبنون لها واهدافهم، دون خوض في تحليل الظاهرة، وأسبابها، ويقول «كبرنامج لم نضع أيدينا في عش الدبابير برغبتنا، إذ أجبرتنا الأحداث التي تجري في كثير من البلدان التي اكتوت بنار التفجيرات الإرهابية، على ذلك، وكجزء من الإعلام كان لابد أن نحاول أن نتصدى لذلك.. ونتكلم عنه.. لا نستطيع دفن رؤوسنا في الرمال، ونقول ان ظاهرة صناعة الموت غير موجودة، بل مازالت حية ورابضة في الكثير من المناطق المعتمة»، مشيراً إلى أن المتابعات السريعة غير كافية، فإذا حدث تفجير إرهابي في منطقة معينة فيتم تناوله يوماً أو يومين وبعد ذلك قد ينسى في نشرات الأخبار «فلا مكان ولا فرصة لمناقشة ذلك بشكل عميق: لماذا يحدث، وما الفكر الذي يقف وراءه، ومن أين انطلق.. وكيف تغوص في ذهنية أصحاب تلك الأفكار، وتستمع إليهم، أو إلى أناس تعاملوا معهم، وعاشوا بينهم، وتأتي بالرأي الآخر؟، فتلك هي الإشكالية».

ويختتم بريشة بالتركيز على أن من بين غايات الكتاب هو محاولة تصحيح أفكار من يرون أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة، مضيفاً «يؤرقني سؤال محوري لماذا تغير حالنا، وصرنا كشعوب عربية أقل وعياً من 80 سنة ماضية، ولماذا لم نعد نسمح بقبول الرأي الآخر، فحين اصطدم مفكرون كطه حسين وعلي عبدالرازق ببعض التيارات بشكل مباشر.. لم يؤذهم أحد، ولم يمسسهم تيار متطرف بسوء».

المقاومة.. غير

تحرص الإعلامية اللبنانية ريما صالحة على التركيز على بعض الثوابت، من بينها ضرورة التفريق ما بين الإرهاب والمقاومة.

معتبرة أن «كليهما يناقض الآخر، فالإرهاب ينبثق من المناطق المظلمة في الذات البشرية، أما المقاومة، فهي فعل نبيل يمارسه المظلوم لدفع الظلم، ولا يمكن للمقاوم أن يقتل بريئاً، إن هدفه محدد، ورصاصته تعرف جهة اندفاعها، إن المقاومة محاولة لتصحيح مسار الأشياء الجميلة».

وتشير ريما في مقدمة الكتاب إلى أن الغايات التي انطلقت منها فكرة صناعة الموت هي صنع الحياة، والسلام، وعمارة الأرض، والأمل في مستقبل أفضل «أنا أحلم بأن تسود هذه الثقافـة، وأن ينتشر حلمي بين الناس، كوني إعلاميـة مهتمة بهـذا الشأن، ولم اقدم نفسي يوماً عـلى أنني خبيرة في شـؤون الإرهاب.. كانت فكرتي أن أقدم برنامجاً يفتح الباب أمام الجميع ليفكروا في ما يحدث ولماذا يحدث؟».

وتتناول المحاورة التلفزيونية يومياتها ومغامراتها مع صناعة الموت، وكيف أقدمت على أمور لم تفكر يوماً أن الأقدار ستسوقها إليها، خصوصاً خلال مقابلات عاشت فيها ساعات طويلة على حافة الخطر، و«في عين العاصفة، وعلى خط النار» من أجل أن تنتصر للحياة، كاشفة عن جوانب إنسانية في أناس دفعتهم الظروف الصعبة، ودروب القسوة، إلى سراديب التطرف والتشدد الفكري.

وتتعرض ريما في إشارات سريعة في كتابها إلى التهديدات والإساءات التي نالتها بعد انطلاق البرنامج، ومنها «قصيدة شديدة الوقاحة تحمل ألفاظاً بذيئة وإشارات جنسية وتهديـد بالقتل لشخصي.. كان ذلك أول تهديد جدي أتعرض له.. وبعدها توالت التهديدات والقصائد الهجائية.. في الأيام الأولى لهذا التهديد كنت أشعر بالقلق.. لكنني بعد مرور الأيام اعتدت هذه أالمور.. فكلما تضاعف نجاح البرنامج تضاعفت التهديدات».

وتكمل مقدمة «صناعة الموت» «دارت حوارات مطولة في هذه المنتديات المقربة للمتطرفين حول الحكم الشرعي في التعامل معي.. فهل يجب قتلي باعتباري مرتدة، أم ان السبي هو الحكم الشرعي الملائم، خصوصاً أنهم كانوا يقولـون إنني كافـرة درزيـة أو نصرانيـة.. ولكنهم عندما اتضحت لهم الرؤية، وتأكدوا أنني مسلمة سنية أصبحت في نظرهم مرتدة».

تويتر