مكان روائي بناه الكاتب من حكايات الطفولة

«ماكوندو» قرية فــــي خيال «غابرييل غارسيا ماركيز»

ماركيز تشّرب حبه للقصص من حكايا عائلته. د.ب.أ

ماكوندو هي القرية الأسطورية التي تدور فيها معظم أحداث العمل الأدبي للكاتب الكولومبي الشهير غابرييل غارسيا ماركيز، وهي مكان روائي غير حقيقي، أبدعه خيال ماركيز.

غير أن عدم العثور على ماكوندو على الخريطة لا يعني أنها غير موجودة. في الحقيقة، فإن القصص الخيالية التي يكررها جيل بعد جيل، إلى جانب صخب الموسيقى والأغاني عصراً وسط الحرارة الشديدة، في الوقت الذي يتجمع فيه سكان البلدة ليلعبوا الورق، هي أنشطة تحدث جميعها في مئات من البلدات الكولومبية في أنحاء المنطقة المطلة على البحر الكاريبي، والتي يمكن أن تكون كل منها مماثلة لماكوندو.

ويرجح أن غارسيا ماركيز، الحاصل على جائزة نوبل في الأدب، قد استلهم ماكوندو من بلدة أراكاتاكا، التي تقع بإقليم ماجدالينا، حيث ولد يوم 26 من مارس عام ،1927 وتبعد أراكاتاكا نحو 90 كيلومتراً عن مدينة سانتا مارتا، عاصمة إقليم ماجدالينا.

وفي بلدة أراكاتاكا تشرّب ماركيز عندما كان طفلا حكايات قصها عليه أفراد العائلة، والتي صاغها لاحقا في شكل التقلبات التي تعرضت لها عائلة بونديا التي تتمحور حولها روايته الفريدة والرائعة «مئة عام من العزلة».

وفي سيرته الذاتية بعنوان «عشت لأروي»، يتذكر غارسيا ماركيز الذي اشتهر بين أصدقائه ومحبيه بلقب «غابو»، واقعة حدثت عندما اصطحبته أمه لزيارة أراكاتاكا بعد أن بعد عنها أعواماً عدة، وذلك لبيع المنزل الذي أمضى فيه طفولته.

فعندما دخل الشاب ماركيز البلدة، وجدها منعزلة ومتربة، وقد استلهمها في روايته تحت اسم «ماكوندو» التي تعد مركز الأعصاب لـ«الواقعية السحرية» التي تتسم بها كتاباته.

وقد دارت تكهنات كثيرة حول الأصل الحقيقي لكلمة ماكوندو على الرغم من أن النظرية الأكثر شيوعا هي أن ماركيز رأى الاسم مكتوبا على لوحة خارج مزرعة للموز بينما كان في رحلة بالقطار. ويقول آخرون إن ماكوندو اسم شجرة نادرة تنمو في منطقة الكاريبي.

ولدى الكاتب الكولومبي داسو سالديفار، الخبير بأعمال «غابو» الأدبية نظرية أخرى، فهو يقول إن ماكوندو كلمة تعني الموز وهي مشتقة من لغة في إفريقيا الوسطى، حيث إن منطقة الكاريبي فيها أعداد من السكان من أصول إفريقية.

توجد ماكوندو بالفعل، وهي تجمع صغير يحمل الاسم ذاته يقال إنه يقع في بيفيخاهي بإقليم ماجدالينا، على الرغم من أنها لا تظهر على أية خريطة، وربما كان الأمر أن القرويين اختاروا ببساطة إطلاق هذا الاسم على هذا التجمع الصغير عقب النجاح الهائل الذي حققته رواية ماركيز «مئة عام من العزلة» التي صدرت عام .1967

يستخدم سكان أراكاتاكا كلمة «ماكوندو» للإشارة إلى لعبة تقليدية تشبه البينغو، وهي من ألعاب الحظ. كان بيدرو سانشيز عمدة أراكاتاكا السابق قد اقترح فكرة تغيير اسم البلدة لتصبح «أراكاتاكا ماكوندو»، باعتبار أن هذا التغيير يعد خطوة جيدة على طريق تطويرها.

كما كان سانشيز يعتقد أن إطلاق هذا الاسم المركب على البلدة سيجعلها تشتهر بشكل مؤكد، ويسهل تعرف السياح إليها باعتبارها المكان الذي يمكنهم منه البدء في التحري عن جذور «مئة عام من العزلة».

وقد نظم العمدة السابق استفتاء في يونيو ،2006 ولكن عدد المشاركين فيه كان ضئيلاً وهو مالم يكف لإقرار خطوة تغيير الاسم.

كان يمكن لسانشيز أن يحيل الاقتراح إلى المجلس المحلي للبلدة،أ أو إلى الجمعية التشريعية لإقليم ماجدالينا، إلا أنه كان يريد أن يقر المواطنون أنفسهم فكرة تغيير الاسم.

ومن الطريف أن أحد المنتقدين الرئيسين لتغيير اسم البلدة هو ماركيز نفسه، حيث وصف هذه الخطوة بأنها «مضللة»، ومثلما قال ذات مرة «لحسن الحظ، ماكوندو ليست مكانا، ولكنها أكثر من ذلك، فهي حالة ذهنية تسمح للمرء بأن يرى ما يريد أن يراه، وأن يراه كما يريد أن يراه».

وبعد مرور نحو عام على فشل فكرة العمدة في تغيير اسم البلدة، عاد «غابو» إلى أراكاتاكا في قطار أقلع من سانتا مارتا، كان القطار مطلياً باللون الأصفر ورسمت عليه فراشات صفراء اللون سعيا لإعادة خلق الجو العام لرواية «مئة عام من العزلة».

وعلى الرغم من عدم نجاح فكرة تغيير اسم البلدة، لا يمكن القول بأنها ذهبت سدى، لأنها لفتت الأنظار بالتأكيد إلى أراكاتاكا، بفضل الأخبار التي نشرت عنها والعناوين الرئيسة التي احتلت الصفحات الأولى في العديد من الصحف. والآن تشهد بلدة أراكاتاكا التي يبلغ عدد سكانها 50 ألف نسمة موجة من تدفق السياح الذين يأتون لمشاهدة منزل ومتحف غارسيا ماركيز الذي افتتح في الآونة الاخيرة.

هدم المنزل قبل 40 عاماً، ولكن تم بناء منزل مماثل بتمويل حكومي، حيث تمت الاستعانة بوصف ماركيز وغيره من أفراد الأسرة من أجل بناء منزل يبدو مماثلاً للمنزل الأصلي.

وبعد رحلة بالقطار من سانتا مارتا استغرقت نحو خمس ساعات، أيمكن للزوار أن يسيروا في جنبات وممرات «المنزل الغريب»، كما يصف «غابو» منزله في سيرته الذاتية «عشت لأروي»، إلى جانب أماكن أخرى في أراكاتاكا لها علاقة بأسرة الكاتب مثل المكان الذي عمل فيه والده غابرييل إليغيو غارسيا، عامل تلغراف بالبلدة. وثمة مكان آخر يمكن زيارته وهو مستشفى لويزا سانتياغا ماركيز الذي سمي على اسم والدة غارسيا ماركيز.

وإلى جانب أنها المسرح الرئيس لأحداث رواية «مئة عام من العزلة»، تظهر ماكوندو أيضا في العديد من القصص والروايات التي أبدعها غارسيا ماركيز مثل «جنازة ماما الكبيرة»، و«لا أحد يكتب للكولونيل» و«عاصفة من ورق الشجر».

 

تويتر