جورج كلوني يسترزق من قطع الأرزاق
يريد أن يبقى في الأجواء، وبيته طائرة يتنقل فيها من مكان إلى آخر، وهو يتوق إلى أن يجمع 61 مليون ميلاً جوياً، وينجح في النهاية. من هذا الرجل؟ كيف له أن يفعل ذلك؟ وما الممتع في ذلك؟ الحياة هنا لا تريد أن تستقر بين أربعة جدران ثابتة تُعرف بالبيت، لا زوجة ولا أولاد. إنها فلسفة حقيبة الظهر التي عليك أن تضع فيها كل الأشياء التي تربطك بالمكان وتحرقها. فكّر مثلاً: ما أول شيء يمكنك إنقاذه من الحريق؟ الصور أم الذكريات؟ الأفضل ألا يكون هناك شيء تنقذه، وعليه، فإنك ستتحلى بالخفة وتنتقل من مكان إلى آخر.
يأتينا فيلم Up in The Air »في الأجواء« الذي يعرض حالياً في دور العرض المحلية بكل ما تقدم، ويضعنا أمام مهنة خاصة جداً يمارسها راين بنغهام (جورج كلوني)، حيث يتمثل عمله في طرد الآخرين من عملهم، فكلما ازداد عدد المطرودين من عملهم ازداد عمل راين، بما يشبه حفّار القبور الذي يعيش من موت الآخرين، إن صح الوصف، أو كما فيلم أورين موفرمان »الرسول«، حيث تتلخص مهمة الضابطين في الفيلم بتبليغ عائلات الجنود الأميركيين بوفاة أولادهم أو أزواجهم.
تسريح العمال
وبما أننا بدأنا بسيل من الأسئلة، فإن الإجابات عنها سرعان ما تتضح، ونحن نشاهد كلوني يقدم شخصية لها أن تكون من مفرزات عصرنا الحالي، إضافة إلى تسليطه الضوء على أهم ما يواجهه العالم في هذه الفترة بشكل عام، وفي أميركا بشكل خاص، وهو تسريح العمال والموظفين والأرقام المتواصلة والمتزايدة لعمليات التسريح هذه، وليكن هذا الشأن الناظم الرئيس للفيلم الذي تمشي إلى جانبه شخصية راين نفسها، وما حوله وما يمليه عليه عمله الذي يضعنا أمام عشرات الأشخاص وردود أفعالهم، وهم يتلقون نبأ الاستغناء عن خدماتهم في عمل بذلوا أعمارهم في خدمته.
يسافر راين من ولاية إلى أخرى، ومن شركة إلى أخرى، يلتقي الموظفين المسرّحين ويتولى مهمة إبلاغهم بقرار صرفهم من العمل، متولياً ذلك بدلاً من أن يقوم به رب العمل أو مديره، وممارساً كل ذلك بحرفية عالية، ومن دون أن ينتابه أي احساس بالذنب أو ما شابه. وإلى جانب ذلك، تمضي حياته، وعلاقة غرامية متناغمة معها، تحدث له مع امرأة أربعينية، اسمها ألكس (فيرا فارمغا)، سرعان ما تشكل معبراً مؤقتا له لحياة أخرى تراوده، لكنه سرعان ما ينقلب عنها عند اكتشافه أنها متزوجة.
إنها حياة كاملة، عليه أن يواصلها في الأجواء، وتحديداً أنه في 9002، إنها الفترة الذهبية لأعماله كما يقول له مديره، إنه قدره أن يبقى يطرد الموظفين وجهاً لوجه من دون أن ينجح برنامج ناتالي »آنا كندريك« الذي يقود إلى التواصل التفاعلي عبر شاشة الكمبيوتر مع الموظف المطرود، وإبلاغه بقرار شركته عبرها، من دون أن يكون في حاجة إلى لقائه، فناتالي تتعامل مع كل شيء علمياً وبدم بارد، مستخدمة معارفها وتفوقها وذكاءها، ولاشيء إلا ذلك، وهي في الوقت نفسه تتلقى رسالة نصية من صديقها، يخبرها فيها بأنه هجرها، ولتقدم استقالتها أيضاً برسالة نصية، بعد اكتشافها أن إحدى الموظفات اللواتي أبلغتها بطردها من العمل، قد انتحرت.
نَفَس كوميدي
جميع شخصيات الفيلم مصنوعة بحنكة ومتغيرة درامياً، بمن فيهم راين الذي يمارس دوراً عائلياً مع أخته التي يحضر زفافها، وهو الذي لم يرها منذ عشرات السنوات، ولعل الفيلم يقدم واقعاً مأساوياً من دون أن ينغمس أبداً في سوداويته، بل على العكس يبقى على الدوام محافظاً على نَفَس كوميدي خفيف ولطيف، له أن يكون أسلوب الفيلم الأبرز، كما يمرر كل ما يود قوله في إطار جميل متأتٍ من السيناريو المصاغ بعناية، الذي كتبه كل من مخرج الفيلم جاسون ريتمان وشيلدون ترنر عن رواية كتبها ولتر كيم، ولمن لا يعرف جاسون ريتمان فإن له في فيلمه المميز »جونو« 7002 مثالاً جميلاً على إمكانية هذا المخرج وقدرته على صناعة أفلام مميزة.
فيلم »في الأجواء« مستكمل كل شروطه الخاصة جداً، وله أن يكون تنويعاً لافتاً في عناصر عدة، سواء من غرابة عمل راين الذي يكثف أخلاقيات رأسمالية تتجدد دائماً ووفق التطورات التقنية، وشخصيته وطبيعة حياته التي تأتي إفرازاً لتلك الأخلاقيات، ولتتعزز الصورة أكثر مع الشخصيات المساعدة، ولعل ناتالي تشكل مثالاً حياً عن مدى فداحة التفكير التقني الذي يحول مصائر البشر إلى تواصل افتراضي.
كلوني وحياتنا المعاصرة
يواصل جورج كلوني في فيلم »في الأجواء« إصراره على مقاربة حياتنا المعاصرة، أو ملامح الحياة الأميركية وأخلاقياتها وسياساتها، فهناك أسبوع واحد يفصلنا عن عرض فيلمه »الرجال الذين يحدقون في الماعز« في الدور المحلية، والذي ينبش من خلاله توظيفات الروحانيات في العمليات العسكرية للجيش الأميركي. ويلتقي »في الأجواء« أكثر مع »مايكل كلايتون« 7002 حيث جسد كلوني دور محامٍ من نوع خاص، يطلق عليه مسمى »المنظف« أو »المصلح«، ليس بالمعنى الأخلاقي، بل على العكس تماماً، فهو يصلح ما يخربه الآخرون، ينظف ما قد يعتري أفعال الشركات والمؤسسات والأثرياء من بقع أو أوساخ قد تسيء إلى صورتهم، حتى وإن كانت البقع كفيلة بقتل البشر، وتدمير حياتهم.
جائزة لفيلم "الأوغاد الأشرار" فاز فيلم (الأوغاد الأشرار)، للمخرج كوينتين تارانتينو، والذي يدور حول الحرب العالمية الثانية، بأهم جائزة من نقابة ممثلي السينما، وهي جائزة أفضل عمل جماعي. وفاز الممثلان، جيف بريدجز وساندرا بولوك، بجائزتي أفضل ممثل وأفضل ممثلة، عن دوريهما في فيلمي (قلب مجنون) و (الجانب الأعمى) على الترتيب. وجاء التتويج للممثلين بعد فوزهما، في الأسبوع الماضي، بجائزتي غولدن غلوب »الكرة الذهبية« ليجعل بريدجز وبولوك الأوفر حظاً للفوز بجائزتي الأوسكار، نظراً إلى أن أعضاء نقابة ممثلي السينما يهيمنون على التصويت على جوائز الأوسكار. ومن المقرر أن يتم الإعلان عن الترشيحات لجوائز الأوسكار في مطلع فبراير المقبل، على أن يتم توزيع الجوائز في وقت لاحق |