«الدنيا أجمل من الجنّة».. شهادة مختلَف عليها

قد يبدو وضع عبارة «الدنيا أجمل من الجنة» عنواناً لكتاب، أمراً مستفزاً لكثيرين، حتى قبل أن يعرفوا أي دنيا وأي جنة يقصدهما المؤلف، وهو ما تم فعلاً مع تجربة الصحافي المصري خالد البري في كتابه الذي يحمل ذاك الاسم مذيلاً بعبارة سيرة أصولي مصري، وصدر عام 2001 بعد نشره اولاً على حلقات في جريدة «النهار» اللبنانية، إذ أثار الكتاب جدلاً، وطاله قرار المصادرة الجاهز في مثل تلك الحالات، لا سيما بعد انتشار الكتاب العريض، وطبعه أكثر من مرة، وترجمته إلى الإنجليزية. وبينما احتفت بعض الأوساط الثقافية بالكتاب، مطالبة بتسليط الضوء عليه، ووضع تجربة راويه أمام أعين الشباب، هاجمه آخرون، مشيرين إلى أن شهادة البري مجروحة ومتحاملة على الجماعة التي كان ينتمي إليها.

ويروي صاحب «الدنيا أجمل من الجنة» في كتابه تفاصيل تجربته مع الجماعة الإسلامية في مصر، والتي بدأت في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، ويحكي كيف توثقت علاقته بأفرادها، وتحول من فتى هائم مع صوت عبدالحليم حافظ وميادة الحناوي، إلى عضو نشط بين صفوف «الإخوة»، يأتمر بأوامرهم، وينفذ كل ما يطلبونه منه. وتطرق البري إلى مناطق حساسة في حياة بعض المتشددين، راوياً كيف تدور عقلياتهم، خصوصا في مسائل غرائزية كالجنس والتعامل مع النصف الآخر المرأة، منتقلاً لمهمة الإنسان الرئيسة ــ من وجهة نظرهم ـ وهي السعي إلى فرض النموذج الذي يردده أعضاء الجماعة وهو «إدخال الناس الجنة مقيدين بالسلاسل».

ويصل الكتاب، الذي ينتمي إلى أدب السيرة والمذكرات، نهاية، إلى ختام رحلة الكاتب مع الجماعة، عقب حادثة معينة كشفت سلوكيات لأفراد في التنظيم، خصوصا بعد أن تم اعتقاله ودخل السجن، ما جعله يعود إلى داخله ويطرح بعض التساؤلات على ذاته، قارئاً بتجرّد وانفتاح بعض الكتب، ومراجعاً لرحلته مع الجماعة لينتصر في النهاية لحرية عقله وروحه، بعيداً عن فروض معينة من «أمراء ليسوا معصومين».

وفيما رحب أديب بقامة الروائي جمال الغيطاني بمذكرات البري الأولى، معتبرا أنها وثيقة حية لأصولي راجع نفسه، وكشف عن فكر بعض المتشددين، اعتبرها الناقد جابر قميحة «حلقة في مسلسل إثارة غبار التشويه حول كل ما يطلق عليه وصف إسلامي، بصرف النظر عن حظه من القصد والاعتدال، أو حظه من الغلو والتطرف». ورأى أن «الشخص العادي يجد نفسه أمام شخصية مهتزة متخبطة غير سوية (يقصد مؤلف كتاب الدنيا أجمل من الجنة)، ومن ثم تسقط شهادته على غيره. هذا إذا كان صادقاً في شهادته على نفسه. فإذا كــان كاذبًا فيها كانـت النتيجة واحدة؛ لأن شهــادة الكاذب المزوّر مرفوضــة». يذكر أن البري صحافي يقيم حالياً في لندن حيث يعمل في هيئة الإذاعة البريطانية - القسم العربي، وينشر مقالات متفرقة في جريدة الدستور المصرية، التي كان يعمل فيها قبل استقراره في لندن.

تويتر