مصطفى محمود.. معارك فكرية و400 حلقة تلفزيون
أثار رحيل المفكر والإعلامي مصطفى محمود ردود فعل واسعه بين مثقفيين وإعلاميين حول الإهمال والتجاهل الذي يتعرض له المبدع العربي، خصوصاً حين تضيق به الدنيا، أو يطاله العجز والكبر. وتساءل كتاب أعمدة صحافية في مصر والعالم العربي عن النهايات شبه المأساوية لشخصيات كثيرة، كانت وإلى زمن قريب محط أنظار واهتمام الجميع.
ويبدو أن الراحل الذي لقب بـ«المشرحجي»، نظراً لحبه الشديد لعلم التشريح، شعر ومنذ سنوات بما يمكن تسميته بحالة النكران، خصوصاً بعد بداية مرضه، فالتزم بيته، وعاش وحيداً منزوياً منذ عام 2003 ،حتى إن أحداً لم يكن يزوره باستثناء أصدقاء مقربين جداً، وابنته الوحيدة أمل التي كانت تسكن في البناية نفسها.
وعلى الرغم من الجنازة شبه الرسمية التي خرجت للراحل، فإن جهة لم تقدم له شيئاً، حيث كان يعالج في المستشفى الطبي الخيري الذي بناه في 1979 وأقيمت عليه صلاة الجنازة في المسجد الذي بناه في العام نفسه ويحمل اسمه. باستثناء رحلة علاجية إلى السعودية، وأخرى إلى لندن.
ونفت ابنته أن يكون ابتعاد الناس والأصدقاء عنه ولد عنده الكآبه، أو ساعد على تضاعف حالة فقدان الذاكرة التي قيل إنه عانى منها في سنواته الأخيرة، بل إن «الراحل تآلف مع الأمر، وقرر عدم الاختلاط مع الناس». وقالت امس، لنشرة أخبار قناة «العربية» إن «آخر زيارة طبية متخصصة له كانت منذ ثلاثة أعوام، حينما زارته مجموعة من الأطباء السوريين للعلاج بالحجامة، حيث كان يعاني آلاماً شديدة في قدميه، ووافق على العلاج بالحجامة كإحدى طرق العلاج البديل، بعد أن جرب العلاج بالإبر الصينية». وأضافت أمل «رحل والدي بهدوء شديد، كنت إلى جانبه في ليلته الأخيرة التي قضاها صامتاً، ولم يتحدث إلى احد».
عاش مصطفى محمود فترة طويلة من حياته في طنطا إلى جوار مسجد «السيد البدوي» ، بدأ حياته متفوقاً في الدراسة، لكنه ترك المدرسة بعد ضربه مدرس اللغة العربية، وظل خارج أسوار المدرسة أكثر من ثلاث سنوات، إلى أن انتقل المدرس إلى مدرسة أخرى، فعاد لمتابعة الدراسة.
قدم 400 حلقة من برنامجه التلفزيوني الشهير (العلم والإيمان)، وأنشأ في 1979 مسجده في القاهرة المعروف بمسجد «مصطفى محمود»، والذي تتبع له ثلاثة مراكز طبية تهتم بعلاج ذوي الدخل المحدود، ويقصدها الكثير من أبناء مصر. ويضم المركز أربعة مراصد فلكية، ومتحفاً للجيولوجيا، يضم صخورا جرانيتية، وفراشات محنطة بأشكالها المتنوعة وكائنات بحرية.
خاض الراحل معارك فكرية عدة، فقد بدأ حياته الفكرية ماركسيا «متشدداً»، وكتب «الله والإنسان»، وقدم للمحاكمة بطلب شخصي من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وتم سحب الكتاب من الأسواق، ثم كتب «الماركسية والإسلام»، لكنه لم يستطع نشره في زمن عبدالناصر، وفي الوقت نفسه، كتب «الشيطان يحكم» ، ثم «الشيطان يسكن في بيتنا». ولعل الأزمة الكبرى التي تعرض لها كانت بعد كتابه المثير للجدل «الشفاعة»، والذي قال إن «الشفاعة الحقيقية غير التي يروج لها علماء الحديث»، وهوجم وقتها بـ14 كتاباً للرد عليه، ولم يدافع عنه غير مفتي الديار المصرية الأسبق الدكتور نصر فريد واصل.
كان الراحل صديقاً شخصياً للرئيس أنور السادات، لكنه رفض عرضه بتولي إحدى الوزارات قائلاً « فشلت في إدارة أصغر وأتعس مؤسسة، وهي مؤسسة الزواج، فكيف سأنجح في تولي الوزارة».
وقالت الكاتبة لوتس عبد الكريم صاحبة كتاب «مصطفى محمود .. سؤال الوجود» لـ«العربية نت» أن «صاحب البرنامج الأكثر شهرة في ثمانينات القرن الماضي «العلم والإيمان» أقام فترة طويلة من عزلته في غرفة صغيرة جداً فوق الجامع الذي بناه كان يسميها «التابوت»، فقد كان الموت في مخيلته دائماً، وبعد أن ساءت حالته كثيراً، انتقل إلى شقته الحالية التي يقيم فيها مع ابنته أمل».
وكشفت لوتس أن الراحل قد «تزوج من امرأة أخرى تُدعى زينب حمدي، ولم يدم الزواج سوى ثلاث أو أربع سنوات، فقد كان يصف نفسه بأنه انسان لا يحتمل، طباعه كانت صعبة ولحياته أطوار غريبة من الانطواء والعزوف والثورة أحياناً وكان يحتاج إلى معاملة خاصة، ولذلك، لم تستمر حياته الزوجية».
مع الجن
|