«المقاطعة 9».. معــــــــــسكرات الفصل الفضائي

الفيلم يحاول الخروج من لعنة أفلام الخيال العلمي. آوت ناو

هناك ما يثير الإعجاب في فيلم District 9 «المقاطعة 9» المعروض حالياً في دور العرض المحلية، وللدقة، في نصفه الأول، ومن ثم يبهت الإعجاب، ويختفي ربما. لنبدأ بالإعجاب بوصفه فيلم خيال علمي، يحاول الخروج مما قد يلاحق تلك الأفلام من لعنات، متى جاءت على شيء من التكرار واستخدام الوصفات الجاهزة لهذا النمط، وليمسي الخيال العلمي بعيداً عن المخيلة والعلم.

في ما تقدم ملمح من مسببات الإعجاب، ولتتحالف معها بنية الفيلم نفسه التي تسعى نحو جديد ما، والذي لن يكون، أي هذا الجديد، إلا مصدر ترحيب، مهما كانت غاياته، والتي قد تقتصر على التشويق، أولاً وأخيراً.

إننا في جوهانسبورغ (جنوب إفريقيا)، وما يطالعنا أشبه بالتحقيق الصحافي، أو الفيلم الوثائقي، والمساحة متروكة لعدد كبير من الشخصيات التي تستعيد حدثاً مهماً، تحلله وتسرده، وكل حسب وجهة نظره. إنها مركبة فضائية هائلة الحجم، توقفت بين السماء والأرض، فإذا هي مملوءة بمخلوقات فضائية، سرعان ما يتم الهبوط بها على الأرض، وإقامة مقاطعة خاصة بها أشبه بمعسكرات الفصل العنصري، محاطة بالأسلاك الشائكة وأبراج المراقبة، وغير ذلك مما يفترض أنه يمنع اختلاط هذه المخلوقات مع البشر.

إخلاء
الفيلم يستعيد عملية خاصة بعينها، تقتضي إخلاء المخيم، ونقل المخلوقات الفضائية إلى مقاطعة أخرى، تكون نائية وبعيدة عن البشر، لا لشيء إلا لأن هذه المخلوقات صارت مسبباً لإزعاجات لا حد لها، وعمليات سطو وسرقة وغير ذلك.

سيبقى أسلوب تقديم صورة الفيلم في البداية أشبه بنشرات الأخبار، وستكون قصة الفيلم مبنية على استعادة العملية سابقة الذكر التي تنفذ بقيادة وإشراف ويكاس ميروي (شارلتو كوبلي) والوكالة الأمنية الخاصة التي يعمل فيها. سيكون ويكاس مثيراً للضحك في البداية، إنه على شيء من السذاجة، ونحن نراه يبلغ المخلوقات الفضائية أمر إخلائها لبيوتها، سيبدو غير صالح لأن يكون بطل الفيلم بالمعنى التقليدي للكلمة، وستبدو العملية أمراً مستحيلاً، وعلى شيء من الجنون.

صفات ويكاس تشكل ملمحاً إيجابياً في شخصيته، وستمنحه أن يتبدل تحت وطأة ما يحل به، والذي لن يكون في وارد أحلك كوابيسه، ستنقلب حياته ومعها وجوده البشري.

تتوالى مع سرد ملابسات عملية الإخلاء، اكتشافاتنا لخصائص هذه الكائنات الفضائية، ولعلها ،أي هذه الكائنات، تظهر للمرة الأولى بهذا الشكل، فهم ليسوا عدائيين ولا مسالمين، يتكلمون الإنجليزية الإفريقية، أشكالهم أقرب إلى الكائنات البحرية (لوبستر) مع طبقات كيتينية مثل الصراصير، وبقامات طويلة تمشي على قدمين، ثم إنهم يحبون طعام القطط المعلبة، ويمتلكون أسلحة فتاكة لا يستخدمونها إلا نادراً، ولا يمكن استخدامها من قبل البشر.

هذه الأسلحة ستكون البؤرة الدرامية لقصة الفيلم، فويكاس وهو يقوم بعملية الإخلاء يصادر سائلاً نجد كائناً فضائيا وابنه يقومان بتجريبه، ولا نعرف ما الهدف منه، وما أن تلامس قطرات من هذا السائل وجه ويكاس، حتى يبدأ بالتحول إلى كائن فضائي، وبالتدريج.

بداية، تظهر له يد وأصابع فضائية، وعليه، نجد أفراد الوكالة التي يعمل فيها يسارعون إلى استثمار ذلك، وذلك باستخدام يده في إطلاق النار من الأسلحة الفضائية، والتي تمتلك قدرة تدميرية خارقة. ومن ثم يهرب ويكاس، ويلجأ إلى «المقاطعة 9»، ويتعاون مع الكائن الفضائي لاستعادة السائل سابق الذكر الذي يكون قادراً على تشغيل المركبة المعلقة بين السماء والأرض. بعدها، يمضي الفيلم نحو معارك لا تنتهي بين عناصر الوكالة الأمنية وويكاس والكائنات الفضائية ورجال العصابات.

نعود إلى أسباب الإعجاب، لنجدها في إيقاع الفيلم الذي أخرجه الشاب نيل بلومكامب (لم يتجاوز الـ30)، وأنتجه بيتر جاكسون (مخرج سيد الخواتم)، ورشاقة السرد وتنويعه ولعبة التوثيق الوهمية المتضمنة للفيلم، ومعها شخصية بطل الفيلم، وموقع التصوير على اعتبار أن للمقاطعة 9 ما يقابلها تاريخيا في المقاطعة 6 التي استخدمها نظام التمييز العنصري في عزل الأفارقة الزنوج، لا بل إن تجاور البؤس مع مدينة الصفيح التي تسكنها الكائنات الفضائية أمر لافت.

أكشن
كما هو متوقع من إنتاج هوليوودي، سرعان ما ينعطف الفيلم نحو «الأكشن لمجرد الأكشن»، ونمضي نصف الفيلم وصولاً إلى نهايته، ونحن أمام «لعبة رقمية» على مخترع الوقود الفضائي وابنه أن يصلا إلى المركبة، ويعيدا تشغيلها، وإلى جانبهم ويكاس الذي يساعدهم في النجاة، ويفتك بكل من يطلق رصاصة عبر الأسلحة الفضائية المهلكة، وقيادته لرجل آلي يهبط عليه من الفضاء.. طلقة واحدة من تلك الأسلحة، ويمسي الإنسان مجرد خرقة مبللة بالدماء، من دون أن ينجو ويكاس من مصيره، وليتحول إلى كائن فضائي بعد 72 ساعة من تعرّضه لذاك السائل، أو الوقود، كما سنراه في نهاية الفيلم بين أكوام القمامة.

تويتر