مشاهدون يطالبون بتخفيف «جرعــة» الدراما الرمضانية

الدراما الرمضانية تضع المشاهد في لعبة اختيارات محيّرة. أرشيفية

بينما قال صانعو الدراما إنهم لا يحبذون تكدس الأعمال الدرامية في شهر رمضان، اعتاد الجمهور في شهر رمضان من كل عام الإعراب عن امتعاضه واستنكاره لمهاجمة خصوصية الشهر الروحانية بهذا الكم الكبير من الأعمال الدرامية، وبين هذه الفئة وتلك يقف أباطرة سوق الدعاية الذين يعيشون موسماً ذهبياً كل عام منذ الكشف عن ميلاد هلال رمضان، وحتى ظهور نظيره الخاص بشوال.

«الإمارات اليوم» في هذا التحقيق ركزت على استقراء آراء بعض الشرائح المتباينة من الجمهور، للوقوف على تعليقاتهم حول المعروض الدرامي الرمضاني المعتاد، ومطالبهم بهذا الصدد، وأبرز أسماء الأعمال الدرامية التي مازالوا يتذكرونها من حصاد العام الماضي.

 
ذاكرة ضعيفة

لم يتمكن عدد من المستطلعة آراؤهم حول أعمال رمضان تذكر اسم عمل واحد فقط مما شاهدوه من مسلسلات العام الماضي، فيما خلط فريق آخر بين أعمال تعود لشهر رمضان من العام السابق ونظيره الذي سبقه، في الوقت الذي لم يتمكن آخرون من الجزم بأن عملاً مثل «ايدي أمينة» الذي جسدت بطولته الفنانة المصرية يسرا، على سبيل المثال، قد تم عرضه بالأساس العام الماضي، أو إلى أي جزء انتهى عليه المسلسل السوري «باب الحارة» في العام نفسه.

وفي حين أشاد البعض بشكل خاص بالاتجاه إلى الأعمال منفصلة الحلقات لمرونة متابعتها، ودعوا إلى الكف عن إنتاج مسلسلات ثلاثينية تراعي فقط عدد أيام الشهر بعيداً عن المقتضى الدرامي، رأى آخرون أن معظم المسلسلات التي تعرض خلال شهر رمضان لا تحظى بنسب مشاهدة جيدة بسبب الوفرة الكمية من المعروض الدرامي التي تأتي في الغالب على حساب عنصر الإجادة الفنية، داعين القنوات الفضائية العربية التي أفرطت في عدد المسلسلات الدرامية على شاشاتها بالاقتصاد بدلاً من إنتاج مسلسلات لا تعيها ذاكرة المشاهد العربي.


وفي حين طالب البعض بزيادة جرعة المسلسلات التاريخية والدينية لما تحمله من انسجام مع «رمضان»، الذي شهد أيضاً أهم انتصارات المسلمين في حروبهم مع أعداء الأمة، طالب غالبية المستطلعة آراؤهم بالاقتصاد في عدد الأعمال الدرامية، والعودة إلى معيار الكيف الذي تراجع كثيراً حسب وجهة نظرهم لصالـح الكـم الدرامي المعروض .

في السياق ذاته، كان لافتاً أن جانباً غير يسير من المستطلعة آراؤهم لم يستطع أي منهم تذكر أبرز المسلسلات التي عُرضت في شهر رمضان الماضي، ما يلقي تساؤلات مشروعة حول الميزانيات الكبيرة التي ترصد لأعمال تنجز خصيصاً في شهر رمضان، لجمهور لا يتمكن من متابعتها .

وبرزت مسلسلات مثل «صراع على الرمال» الذي عرضته قناة دبي الفضائية و«باب الحارة» على قناة «إم.بي.سي» الفضائية و«أبوجعفر المنصور» الذي بثته عدة قنوات منها «نور دبي» و«إم.بي.سي»، في قائمة الأكثر تذكراً في ما يتعلق بالمسلسلات التي تم عرضها في رمضان الماضي، بصرف النظر عن معيار الجودة من وجهة نظر الجمهور، في الوقت الذي راح فيه البعض يخلط بين أعمال رمضان الماضي والذي سبقه، كما لوحظ ارتباط المشاهدة التلفزيونية لدى البعض بالعملين الكرتونيين «فريج» و«شعبية الكرتون»، وايضاً المسلسل المحلي «حاير طاير».

أرباح طائلة

محمد الزرعوني، طالب بكلية التقنية في دبي، رأى أن «الفضائيات العربية أضحت مطالبة بوقفة جادة مع احتياجات المشاهد الحقيقية في شهر رمضان»، مضيفاً «هناك العشرات من الأعمال التي تنتج هدراً من دون أن يشاهدها جمهور يذكر، على الرغم من ذلك فهي بكل تأكيد تدر أرباحــاً طائلة لمنتجيها بسبب تنافس الفضائيات على شراء أكبر كــم ممــمكن من الأعمــال الدرامية، في سوق يقبل أن يتخلل الحلقة الواحدة 10 فواصل إعلانية، تشمل كل منها ستة أو سبعة إعلانات مختلفة».

ورأى الزرعوني أن «هناك بعض الأعمال التي أثبتت قدرتها على جمع الأسرة الإماراتية والعربية على متابعتها رمضانياً مثل «فريج» و«شعبية الكرتون» و«باب الحارة» و«حاير طاير»، وهو النوع الذي يمكن أن تركز عليه الفضائيات بحيث لا يتجاوز العدد في الفضائيات الجماهيرية ثلاثة أو أربعة أعمال على مدار اليوم».

نجوى موسى (ربة منزل ـ 45 سنة)، رأت أيضاً أن «زيادة الكم من المعروض الدرامي أضحى مشوشاً سواء للخصوصية الروحانية للشهر، أو لمتابعة الجيد من المسلسلات»، مضيفة «يضطر المشاهد إلى محاولة استكشاف الجيد من المسلسلات، وهو أمر قد يطول إلى ما يقترب من نصف الشهر الذي قد يسلمه إلى مسلسل آخر لم يكن تابعه بعد أن يرشحه أحد من الأصدقاء»، مؤكدة أن الحل يكمن في عودة الهدوء لسرعة عجلة الإنتاج التي تصل ذروتها قبيل شهر رمضان، مشيرة إلى أنها تكاد لا تتذكر على الرغم من ذلك أهم أسماء المسلسلات التي تابعتها في شهر رمضان الماضي، قبل أن تشير إلى مسلسل «قضية رأي عام»، على الرغم من أنه يعود لرمضان قبل الماضي.

عرض وطلب

من جانبه، يرى خالد عبدالرحيم، موظف ببلدية دبي، أن استمرار «تصاعد وتيرة المسلسلات لأسباب لا تتعرض بالعرض والطلب بمفهومه الصحي كشأن أية سلعة في السوق سيضر في النهاية بالصناعة القائمة على تلك المسلسلات، لأنه ببساطة لم يعد هناك طلب جماهيري لكل هذا الزخم الدرامي، وكل ما هنالك أن هناك حركة شراء نشطة خلال شهر رمضان تشمل مختلف المواد الاستهلاكية من مأكولات ومشروبات وأيضاً عطور، وتجديد بعض أثاث المنزل استعداداً لاستقبال عيد الفطر، وهو أمر يغري أصحاب الشركات للمنافسة على جذب العملاء، لكنهم للأسف لا يعرفون أن جمهورهم المستهدف لم يعد يشاهد معظم المسلسلات التي ينفقون أموال دعايتهم في فواصلها الإعلانية».

وتذكر عبدالرحيم من أعمال رمضان الماضي مسلسلات «حظ يا نصيب»، «حاير طاير»، «صراع على الرمال»، «أبوجعفر المنصور»، و«أسمهان»، لكنه أشار إلى أنه لم يتابع سوى حلقات متفرقة من المسلسلات الثلاثة الأوائل.

ميراث قديم

في المقابل يرى هشام الشروقي (صيدلي) أنه كالعادة فإن «درجة استجابة المؤسسات العربية لأي تغير اجتماعي تكون اكثر بطئاً مما هو مطلوب، فحالة الالتفاف حول مسلسلات رمضان أصبحت عملياً ميراثاً قديماً بلغ ذروته في أعمال كانت تجتمع عليها الأسرة العربية من المحيط إلى الخليج وكانت أشبه بأحد طقوس رمضان، تماماً كما كانت فوازير رمضان المصرية القديمة، وإلى حد ما «طاش ما طاش» في مراحله الأولى، وكذلك «حاير طاير»، أما الآن فإن زيادة إيقاع الحياة اليومية جعل المراهنة على كل هذا الكم من المسلسلات رهان خاسر لكل الأطراف، بدليل أن المشاهد يظل يتابع طوال العام المكرر من مسلسلات من المفترض أنها عُرضت في رمضان، مبرراً استمرار الوضع كما هو عليه باعتماد المعلن على إحصاءات وبيانات غير محدثة فيما يتعلق بالترويج الأمثل لسلعته».

ولم يستطع الشروقي تذكر أسماء المسلسلات التي كانت تعرض خلال شهر رمضان الماضي، باستثناء «حاير طاير»، لكنه أثنى على شيوع ظاهرة المسلسلات الكرتونية مثل «شعبية الكرتون» و«فريج»، وأيضاً الأعمال منفصلة الحلقات مثل «حاير طاير»، لما تحمله من مرونة تناسب محـدودية وقت المشاهد في المتابعة التلفزيونية.

شمة الشامسي، طالبة في جامعة زايد، من جانبها رأت أن هناك تكدساً بالفعل في المسلسلات المحلية والخليجية والعربية خلال شهر رمضان من كل عام «لا يتمـاشى مع كون هذا الشهر بالتحديد فرصة لمضاعفة الجهد المبذول في العبادة»، مشيرة إلى أنه آن الأوان لأن تراجع الفضائيات العربية دوراتها البرامجية خلال هذا الشهر بما يتواءم مع روحانيته، وتتيح حيزاً أكبر للأعمال التي تغذي هذا الجانب مثل مسابقات الإنشاد الديني وتجويد القرآن والأعمال الدراميــة التاريخية والدينية من أجل أن تكون تلك الفضائيات منسجمة مع ما يعيشه الجمهور بالفعل، مؤكدة أنها مازالت تتذكر مسلسل «أبوجعفر المنصور» الذي عرض في عدد من الفضائيات العام الماضي، ومسابقة تلفزيون الشارقة في الإنشاد الديني التي تقام كل عام في شهر رمضان.
تويتر