«بدايـة فقط».. 300 سـاعة عـن الهويّة والانتماء
نورة حميد الدين: المواطَنة أصبحت مفهوماً شديد الالتباس بفعل مفاهيم العولمة. تصوير: أسامة أبوغانم
ربما لا تدري نورة حميد الدين حجم الكشف الذي يقود إليه فيلمها الوثائقي الأول «بداية فقط» الذي يستلهم متناقضات كثيرة تحملها كفتاة يمنية الأصول تنتمي بشكل مباشر إلى الإمام اليمني أحمد حميد الدين الذي حكم اليمن إبان الستينات.
عاشت سنوات طفولتها ونشأتها في أميركا، قبل أن تنتقل في عامها العاشر مع أسرتها إلى السعودية التي قضت فيها نحو ستة أعوام، لتستقر بعدها في الإمارات، وتحصل على الإجازة في الفنون من جامعة الشارقة، وتلتحق بأسرة «هيئة دبي للثقافة والفنون» عاكفة على مشروع متحف «محمد رسول الله».
صورت نورة التي أتمت عامها الـ24 على 20 شريط فيديو مدة كل واحد منها 90 دقيقة، لتكون المحصلة 1800 دقيقة، أو 300 ساعة كاملة، ظهر منها بعد المونتاج 20 دقيقة، تحكي بصورة وصوت نورة تفاصيل كثيرة، تشكل في حد ذاتها كشوفاً ثرية الدلالة حول الماضي الذي وعته المخرجة في ذاكرتها، والحاضر الذي تنشغل فيه بمشروع ثقافي ديني عالمي، هو متحف الرسول، وبعضاً من أحلام تراوح بين المؤجلة والممكنة والمستحيلة، ربما من دون اللجوء حتى إلى التلميح الإيحائي.
وحول فيلم «بداية فقط» الذي شاركت فيه في النسخة الثانية لـ«مهرجان الخليج السينمائي»، قالت نورة لـ «الإمارات اليوم»: «ربطت في العمل بين البلدان التي عشت وتنقلت بينها، إلى أن استقريت في الإمارات، من دون أن تخمد في داخلي تساؤلات ملحة حول مفاهيم عدة، مثل الهوية، الانتماء، المواطنة. وهي تساؤلات لا تتعلق بي بشكل فردي، بل هي محصلة هم عام، نحمله كأسرة انتقلت من اليمن منذ سبعينات القرن الماضي إلى أميركا، بكل ما يعني هذا الانتقال من تحولات ومحاولات انسجام مع خصوصية المجتمع الجديد، ثم جاء الانتقال إلى المملكة العربية السعودية، لعيش التناقض نفسه في ما يتعلق باللغة والتعليم ونمط العيش، قبل أن يستقر بنا المقام في الإمارات».
وأضافت «كثيرون من المقربين لي رأوا أن «بداية فقط» يوثق قصتي بصدق، فأنا مازلت يمنية، على الرغم من أنني لم أعد أعيش هناك، ولم يعد بالإمكان أن أعيش هناك، الأمر الذي يفسر كل هذا التشتت والتناقض بين مذاق وطن، وملامح مهجر، وهوية جديدة في جواز سفر، وتفاصيل بلد طيب أقيم فيه، ما يمكن أن يكون في الوقت نفسه منسجماً مع حالات كثيرة، تعكس ذوبان الهوية في أكثر العصور انفتاحاً، بفعل رياح العولمة العاتية التي أضفت علاقات مستحدثة بين البشر والأوطان».
أرادت نورة الفيلم وثائقياً، لكنه لم يكن كذلك على طول الخط، على الرغم من الكاميرا الحرة التي كانت تجول في أقاصيص وذكريات المخرجة التي تحولت في بعض اللقطات إلى ممثلة وراوية، تسعى للربط بين جولات عدسة كاميرتها وتداعيات المواقف والصور الملتقطة بتواتر حرفي، ما أهّل «بداية فقط» أن يكون، على الرغم من تجاوزه لبعض شروط العمل الوثائقي، الفيلم الخليجي الوحيد المشارك في المسابقة الرسمية ضمن فئته.
وقالت نورة التي حاولت الابتعاد عن عن دهاليز السياسة، والتركيز على حالة اجتماعية شديدة الذاتية، «ربطت بين البلدان التي عشت فيها وتاريخي كفتاة يمنية متمسكة بهويتها وتراث أجدادها . لذلك، جالت الكاميرا لتلتقط صوراً بالأبيض والأسود لليمن القديمة، استعنت فيها بأرشيف مكتبة قناة (إم بي سي) الفضائية، وسجلت مشاهد من واقعي أيضاً الذي عشته بين أميركا والسعودية والإمارات، متمسكة بالكثير من خصوصية الفتاة اليمنية، وبشكل خاص في ما يتعلق باللهجة والأطباق الشعبية، من دون أن أخفي إشكالية الانتماء الفعلي الذي يجعلني أتلعثم، حينما أجابه بسؤال عن جنسيتي».
محفوظات عائلية
استعانت نورة بمحفوظات عائلتها من الصور التي تعود إلى عصر المملكة اليمنية المتوكلية، لكنها ركزت على أن يكون «بداية فقط» يتعلق بنورة حميد الدين بشكل خاص، فقامت بجهد تقني لتحويل صيغ صور قديمة توثق طفولتها بصيغ حديثة، يمكن تطويعها لأهداف عملها الوثائقي . واستثمرت لقطات فيديو حديثة التقطت على هامش حفل زفاف أحد أخوالها في اليمن، لاستحضار رائحة الوطن بصورته المعاصرة.
وحول سبب اختيار مسمى «بداية فقط» ليكون عنواناً للفيلم، قالت نورة «أصبح عمري الآن 24 عاماً، وأنهيت دراستي الجامعية، وبدأت مشوار حياتي العملية، لكن هذا كله، إضافة إلى حياتي الماضية، أعتبرها بالفعل مجرد بداية، لأن هناك الكثير مما علي تعلمه وفعله، وآمال وطموحات كثيرة تتطلب الكد في سبيل تحقيقها. يتعلق أولها بالحصول على درجة الماجستير، ثم الدكتوراه في مجال الفنون، في إحدى الجامعات العالمية المرموقة، وهي خطوة ستتبعها بالتأكيد خطوات أخرى كثيرة تجعل من الأعوام الـ24 بالفعل مجرد بداية متوقعة لحكايات أخرى كثيرة ستحمل تفاصيل وإضافات مهمة لتوثيق مستقبلي».
|
مشروع عالمي
تعمل مخرجة الفيلم الوثائقي «بداية فقط» نورة حميد الدين ضمن الفريق المسؤول في «هيئة دبي للثقافة» على إنجاز مشروع متحف محمد رسول الله، ووصفت جميع القائمين عليه بأنهم يعملون بروحانية عالية وبروح الفريق الواحد. وقالت «المتحف الجديد سيكون فرصة حقيقية للجميع، بمن فيهم غير المسلمين الذين لا يتمكنون من دخول الأراضي المقدسة في المملكة العربية السعودية، للاستكشاف عن قرب أين وكيف كان يعيش الرسول الكريم، وما هي الطقوس الدينية للمسلمين، بما في ذلك طقوس الحج والعمرة التي يرد بشأنها تساؤلات كثيرة من غير المسلمين، من دون أن تكون هناك إجابات عملية تمدهم بمعلومات وافية». وأضافت «الخطة المرسومة ستجعل زائر المتحف يستكشف بشكل ذاتي حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، بكل ما تحمله من قيم وتعاليم ثرية». |
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
