أفلام سعودية تنتصر للحرية.. الفقيدة

مشهد من فيلم «ظلال» لريم البيات. أرشيفية

ستكون الأفلام السعودية المشاركة في الدورة الثانية من مهرجان الخليج السينمائي أكثر من ظاهرة لافتة تستدعي التوقف، إلى ما يتخطى ذلك، ويضع كل متابع لها أمام اكتشافات ترسم حالة صدام حقيقية يعيشها المجتمع السعودي، بين الانفتاح والانغلاق، ومطمح سينمائي متحرر نحو المغاير والمختلف.

كل ذلك سيترافق مع حرص إبداعي على كسر المحرمات الكثيرة التي تقف أمام صانع الفيلم السعودي، ولعل أولها تحريم الأداة التي يعبر بها، بمعنى أن السينما نفسها مكفرة ومحرمة في السعودية، والمملكة خالية تماما من دور العرض السينمائية، وليكون ذلك أول العوائق التي تم تخطيها تماما نحو اجتياز مجموعة أخرى كبيرة من المحرمات التي كانت في ما مضى على شيء من حقل الألغام، والذي ما عاد الشباب السعودي مباليا بها، ولا بانفجاراتها الكثيرة التي يعتبرها «ظاهرة صوتية»، سرعان ما ستخمد أمام نزوعهم إلى الفن وحريته.

فيلم محمد الظاهري «شروق/غروب» سيأتي تماما وهو محمل بكل تلك المطامح، ولعل جرأته ستتخطى المتاح في بلدان عربية كثيرة، تعاني بدورها حركة نكوص عجيبة إلى القمع والوراء، عدا السرد الذي يضيء حياة مراهق سعودي في إصرار من الظاهري على رصد مكوناته التربوية والنفسية والتعليمية، ولنكون في النهاية أمام شاب يتعرض لشتى أنواع القمع والامتهان.

فالشاب، وفي ثانية لقطات الفيلم، سنجده منحشرا في زاوية حمام بيته القذر، وأمام إفطاره الصباحي مع أبويه، ومن ثم المدرسة التي لا يفعل فيها المعلم شيئا إلا التحفيظ والتلقين وضرب الطلبة بقسوة، بينما الطلبة أنفسهم في عالم آخر يمكن أن يكون نقيض ما يحاول المعلم قمعه فيهم، أو عبر فعل التمرد الوحيد الذي يمتلكونه، والمتمثل في تبادل الصور الإباحية.

لن تكون حياة المراهق أحسن حالاً خارج المؤسسة التعليمية التي يضيء الفيلم حياته فيها، فهو بائع عند إشارة ضوئية بعد أن ينتهي من المدرسة، وهناك سيتعرض للاغتصاب جنسياً مقابل مال يقدمه إليه المغتصب، كما أن ذلك سيقود الظاهري إلى مقاربة حالة قمعية أخرى، تتمثل في إلقاء القبض على الفتى من قبل هيئة «النهي عن المنكر» التي لا تنجح في اعتقال المغتصب. وهنا تماما، سيستكمل الفيلم ما يعتبره ثالوث القمع المحاصر به هذا الفتى، قمع اجتماعي وتعليمي وديني.

نكمل مع الأفلام السعودية التي تسمي الأشياء بأسمائها هذا العام، مثلما هي الحال في فيلم «مابي» لحسام الحلوة الذي يقول في ثلاث دقائق مقولته المتعلقة بالحداثة والتقليدية، فمن بين مجموعة من الشبان الجالسين على مقاعدهم بزيهم التقليدي هناك شاب «كوول»، يتحلى بكل المظاهر الحديثة، يجلس في آخر كرسي، وسرعان ما يأتي أحد المرتدين للزي التقليدي ويأخذه منه، ويبقى ذاك الشاب من دون كرسي، كما لو أنه لفظ من مجتمع لا يعترف به، ولنجده بعد عجزه عن الحصول على كرسي آخر، يقدم على فعل فاضح يتمثل بالتبرز أمام المحتلين للمقاعد، كفعل وحيد يستطيع من خلاله الحصول على كرسي.

خارج ما تقدم يأتي فيلم «ظلال» للسعودية ريم البيات على شيء من الشعرية التي تجد ملاذها خارج المملكة وباللغة الانجليزية، من خلال تقديم الفقدان الذي يهيمن على رجل غابت من حياته امرأته فتوقف الزمن ولم يجد إلا الظلال تحاصره، ومن ثم الانتحار في تناغم بين موسيقى أنور ابراهيم وشعرية ما يردده ذاك الرجل وإحالة ذلك إلى الرقص والألوان في النهاية.

هذه الشعرية إن صحت الكلمة سنجدها في أعلى تجلياتها لدى الإماراتي وليد الشحي الذي يواصل مع الشاعر أحمد سالمين تقديم ما يصلح وصفه بالانحياز المطلق للشعرية بصريا ولغويا، وتتبع ما كان حاضرا في «حارسة الماء» في وفاء منه لما يشكل عالمه المصر على تقديمه بأشكال مختلفة منسجمة مع أسلوبه المتضحة معالمه، حيث إننا في فيلم الشحي أمام الباب بوصفه مفردة لغوية وبصرية، والحمى معبر الفتى الذي يقدمه لعوالم مختلفة تقوده إليها هلوستها، وليخلص الفيلم إلى الواقع، بمعنى أن ما كان يقف الباب حائلا دون دخوله، وما يوحي به من أمان سرعان ما تهاوى، لا بل إن نهاية الفيلم ستقول لنا لقد أصبحنا من دون أبواب. الشحي بوصفه واحدا من أبرز الأسماء السينمائية في الإمارات والخليج يستدعي دائما التوقف عند تجربته والتدقيق تماما بجديده الذي سيكون وفيا لتجربة تتزايد حضورا، وإصرارا في الوقت نفسه على الشعرية.

تويتر