«العويـس» تحتـفـي بالقـرق في «فضاءات الخيام»

القرق أعاد حضور عمر الخيام بمخيلة إماراتية. تصوير: موهان

بعد مضي نحو شهر على اختتام فعاليات مهرجان دبي الدولي للشعر، الذي شهد الكشف عن الترجمة الإماراتية الأولى لـ«رباعيات الخيام» التي أبدعها الشاعر محمد صالح القرق، مازالت الساحة الثقافية تعيش نشوة النتاج المميّز من خلال دراسات وقراءات وتحليلات، وكذلك أمسيات استضافت أحدثها، مساء أول من أمس، مؤسسة العويس الثقافية بعنوان «فضاءات الخيام»، وشهدت في مستهلها ندوة تحليلية شارك فيها كل من الدكتور عبدالواحد لؤلؤة والدكتور محمد رضوان الداية والدكتور فاطمة البريكي والدكتور عمر عبدالعزيز، تلاها احتفال أحيته المغنية السورية سهير شقير التي بدأت برباعيات الخيام، قبل أن تتواصل في شدو أغان لأم كلثوم .

وذكرت الأمانة العامة لمؤسسة سلطان بن علي العويس أن تلك الدراسات «ستسهم إلى حد بعيد في استجلاء الحقيقة، ورفع قسط من اللبس الذي أحيط بسيرة الخيام نفسه، إلى حد التعامل مع إبداعاته من منظور أخلاقي، يضعه أحيانا في دائرة المجون والحياة اللامسؤولة، وهو أمر يتناقض مع حقيقة كونه فيلسوفاً وعالماً وفقيها ومرجعاً في علوم اللغة والفلك والطب»، وأوضحت أن الاهتمام بالخيام لم يكن مطروحاً في برنامج المؤسسة قريباً، لولا مفاجأة الباحث والمترجم محمد صالح القرق للمشهد الثقافي بطرحه تلك الترجمة المتميزة للرباعيات.

وتحدث لؤلؤة عن رباعيات عمر الخيام في الترجمات العالمية، وقال أن «ميزة ترجمة القرق أنها ضمت 200 من الرباعيات، وفق ذائقة المترجم نفسه، متكئاً على معرفة عميقة باللغة الفارسية، فضلاً عن تضمينها صورا لـ40 من ترجمات الرباعيات، يصعب الحصول عليها الآن، بالنسبة إلى كثير من الباحثين والمهتمين بالرباعيات في الوطن العربي». منوهاً بأهمية المقدمة التي صاغها الدكتور يوسف بكار لترجمة القرق، وحملت إشارة إلى تجاوزات بعض مترجمي الرباعيات، بسبب عدم معرفتهم الجيدة بالفارسية .

جماليات وترجمان

وتطرق الداية إلى القيمة الفكرية لرباعيات الخيام وأهميتها، مستشهداً بمقولات تحليلية تشير إلى أن الترجمة الشعرية في أحيان كثيرة تحمل الطابع الشخصي للمترجم، معللا بذلك «الاختلاف الكبير في النصوص المترجمة لرباعية خيامية بعينها»، لافتاً إلى «خطورة التعامل مع الرباعيات من منطلق معنوي مباشر والتسليم بظاهر معنى النص»، موضحا أن «رباعيات الخيام» يجب أن تؤول إما على اعتبار منحى أن «الشعراء يقولون ما لا يفعلون»، وعلى هذا يتم التعامل مع خمرياته وشعره الذي وصفه بعضهم بالمجون، أو من خلال المعنى الصوفي الذي يتلمّس المعنى الرمزي للخمرة وغيرها، بعيداً عن المعنى الحقيقي.

ولفت الداية إلى أن خروج مترجمي الرباعية عن النص كان دائماً أحد أسرار جماليات النص المترجم، مستشهداً بترجمتي الشاعر أحمد رامي والقرق ، معتبراً أنه خروج محمود، لافتاً إلى صعوبة ترجمة نص شعري ذي قالب رباعي محدود، لا سيما مع الالتزام بالبحر السريع، وعدم الخروج عنه إلا في حالات محدودة تعود إلى ضرورة القافية.

وقدمت فاطمة البريكي دراسة تحليلية لترجمة القرق، طرحت فيها تساؤلات حول عدم الالتزام بالنص الأصلي، على الرغم من إشارتها إلى جماليات التصرف في مواضع كثيرة، إلا أنها رأت أن هذا الخروج أخذ التص إلى مساقات أخرى في بعض المواضع، مشيرة في الوقت نفسه إلى الاستثمار الرائع لجمالية التناص بشكل خاص، وهو ما رأت أن المترجم تمكن من الاحتفاظ به في النص العربي المترجم، وكذلك تمكنه من الاحنفاظ بدقة التضمين كجمالية مهمة يجب نقلها من النص الأصلي إلى المترجم، موضحة أن «القرق تمكن من ترجمة نص شديد الصعوبة، محتفظاً بشفافيته، مقدماً إياه بلغة سهلة أقرب إلى الشعبية، من خلال الاتكاء على النص الفارسي، وهي مهمة شديدة الصعوبة، نجح فيها القرق بامتياز».

واختتم عمر عبدالعزيز الندوة بمداخلة بعنوان «ترجمان للخيام وليس مترجماً له»، أوضح فيها أن «القرق الذي جمع الحُسنين في تعاطيه مع الخيام، قبل أن يترجم الرباعيات، غاص وتعايش مع معانيها واستغرق كل شاردة وواردة كتبت فيها وعنها، مفرقاً بين أن يكون المبدع مترجماً وأن يكون ترجماناً يتقاطع مع النص الأصلي ويتفاعل معه، لينتج نصاً لا يخلو من شخصية الترجمان كما كانت ترجمة القرق».

وأشار إلى بعض إشكالات واجهت القرق، وتمكن من التغلب عليها بسلاسة، مثل الالتزام بالتفعيلة واللازمة، وهي مشكلة تتكرر بشكل سريع في ظل نصوص قصيرة مثل الرباعيات، معتبراً أن الترجمان في هذه الحالة يجب أن يستعين بذائقته الشعرية، فضلاً عن إشكالية النصوص الكثيرة المقحمة والمفتراة على الخيام، والتي تجعل على الترجمان أن يستعين بأدواته الخاصة للتمييز بين الحقيقي منها والزائف، مشيراً أيضاً إلى أن التباسات كثيرة أحيطت بشخصية الخيام نفسه، وتزيد من إشكالية التعامل مع نصوص الرباعيات.

طرب

وفي القسم الثاني من الأمسية «السهرة الغنائية»، قدمت السورية سهير شقير، بمصاحبة فرقة التخت الشرقي، رائعة أحمد رامي وأم كلثوم «رباعيات الخيام»، وأطربت الحضور بأداء قوي واع بصعوبة النص وصعوبة الوصول إلى ذروة الأداء الكلثومي، محاولة أن تجد ذاتها في طبقة صوتية مغايرة عن التي اعتاد المتلقي أن يستمع إلى رباعيات الخيام من خلالها عبر صوت كوكب الشرق، وهو ما أقرته شقير معتبرة أنه «الوسيلة الوحيدة للتعامل مع تراث سيدة الغناء العربي».

وذكرت المطربة التي تفاعل مع أدائها الجمهور أنها عشقت نص الرباعيات، واعتبرته تحدياً مزدوجاً لقدراتها أن تغني نصاً مثل الرباعيات، فيه من الشفافية والعمق الكثير، وأن تغني لحناً عبقرياً أدته أم كلثوم باقتدار. وعبر 60 دقيقة كاملة، راحت شقير تتبع الرباعيات بروائع «إنت عمري» و«أنا في انتظارك» و«هو صحيح الهوى غلاب» لتذكر الجميع بحفلات أم كلثوم التي كان ينتظرها عشاقها مطلع كل شهر، وظل يتابعها الملايين في بعض الإذاعات بعد ذلك في سهرات ليالي الخميس حتى فترات قريبة.

توقيعات

وجه الشاعر محمد عيسى القرق مترجم «رباعيات الخيام» شكره إلى مؤسسة العويس على هذا الاحتفاء بترجمته، وشكر الباحثين الأربعة الذين قدموا دراسات حول ترجمته، قبل أن يسعى الحضور إلى اغتنام الأمسية في الحصول على توقيعات من القرق على نسخ من ترجمته التي أعادت حضور عمر الخيام عربياً، ولكن بمخيلة إماراتية في هذه المرة، اختار فيها القرق 200 من رباعياته، قدم فيها تصرفات شعرية على مستوى الشكل والمضمون، أسهمت في مزيد من التقارب بين النص الفارسي الأصل والمتلقي العربي، من خلال لغة شعرية رصينة المعنى وعذبة .

تويتر