ليلة خَيّامية بمخيلة إماراتية في «دبي للشعر»

اليوم الثاني للمهرجان شهد كثافة واضحة في الأمسيات. تصوير: مصطفى قاسمي

وكأن مهرجان دبي الدولي للشعر يستبق أمسياته الكبرى بندوات تطبيقية، أو كذلك كان التساؤل بالفعل في ما يتعلق بعقد جلسة نقدية مهمة في مسرح مدينة جميرا بعنوان «ترجمة الشعر.. مهمة تحفها المخاطر»، في الوقت الذي أبحر جمهور القصيد مساء في مقر بيت الشعر في الشندغة مع أحدث ترجمات أشعار عمر الخيام، من خلال ترجمة بمخيلة إماراتية أنجزها الأديب محمد صالح القرق، في ليلة جمعت بين العديد من الفنون تحت مظلة واحدة. الطرب الذي تخلل الأمسية وقدمت خلاله المطربة السورية سهير شقير بمصاحبة فرقة موسيقية من حلب رائعة أم كلثوم، رباعيات الخيام، تلاه عزف مميز على الربابة للكويتي مهلّي الحشاش استوحاه من أجواء الأمسية، فيما كان الحضور على موعد ايضاً مع التشكيل والمقتنيات النادرة ذات الصلة بالخيام، ضم لوحات ورسوماً فيها نصوص الترجمة والنص الأصلي، كما ضم رسومات عمر الخيام ومجموعة من الطوابع البريدية التي صدرت في الإمارات في أعقد الستينات من القرن الماضي، في واحدة من المناسبات الرئيسة للإحتفاء بالخيام.

لم يكن هذا رغم تنوعه سوى جانب وحيد من جوانب المشهد الثقافي لمهرجان دبي الدولي للشعر في ليلته الثانية، حيث شهدت جامعة زايد في صباح اليوم نفسه قراءات شعرية لنجوم الغانم وهالة محمد وإيمان عبدالجليل، فيما استضاف مسرح مدينة جميرا الشعراء إبراهيم الخالدي وأليس ستغير وماجد عبدالرحمن ومحمود عبدالغني وهاريس فالفانيوس وعلي العلاق وخميس المقيمي في أمسية شعرية امتدت حتى الثامنة مساء، وهو التوقيت ذاته الذي شهد خلاله بيت الشعر فعاليات الليلة الخيامية، من دون أن يكون هناك تأثير لتزامن الفعاليتين، من حيث حجم الإقبال الجماهيري على كليهما .

تجليات المهرجان
الأندية الاجتماعية هي الأخرى كانت إحدى البقاع السحرية في هذا التوقيت نفسه، خصوصا النادي المصري رغم اعتذار الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي عن عدم الحضور وعودته المفاجئة إلى القاهرة، حيث قام كل من الشاعرين المصري سيد حجاب والأردني سعد الدين شاهين بإحياء أمسية شهدت حضوراً عائليا تعدى مجرد الوجود النخبوي في واحدة من أهم تجليات فعاليات المهرجان، في الوقت الذي انشغل فيه النادي الباكستاني بأمسية للشاعرين جيمس فينتون وصبا إكرام .

حضور آخر أمسيتين في فعاليات اليوم الثاني شكل صعوبة كبيرة بالنسبة لمتذوقي الشعر، لاسيما من كان يتابع منهم فعاليات الليلة الخيامية أو احدى أمسيات الأندية الاجتماعية، بسبب زحام ليلة خميس دبي مع عدم وجود فاصل زمني مناسب بين الفعاليات نتيجة لتواترها وغنى جدولها، حيث استضاف مسرح مدينة جميرا أمسية امتدت حتى العاشرة والنصف مساء، ضمت الشعراء إبراهيم الأسود وأليسا بياجيني ومحمود نور وباتريزيا كافالي ونجوم الغانم وكيرت درافرت ومحمد جار الله، فيما شهد مركز دبي المالي العالمي امسـية خاصـة لكل من عبدالرحمن العشماوي وعائض القرني.

وجمع الاحتفاء بعمر الخيام الكاتب الإماراتي محمد صالح القرق والشاعر الإماراتي خالد البدور والشاعرة الإيرانية نهاد كبيرى وسهير شقير ومترجم ألباني هو فلاديمير ماركو وعازف ربابة كويتي أفي لحظة واحدة تشبه القصيدة.

وأعادت ليلة الخيام الشاعر الكبير إلى المشهد الشعري العالمي، عبر ترجمة قدمها القرق عن اللغة الفارسية، وصفها رئيس تحرير مجلة الأثر الأدبية الإماراتية أالدكتور عمر عبدالعزيز، في مداخلته في الامسية التي نظمها بيت الشعرأ ضمن فعاليات مهرجانأ دبي الدولي الأول للشعر ،2009 بأنها الترجمة الأكثر اكتمالاً وشمولاً، إذ تماهت مع النص الأصلي وقدمت نصاً شعرياً عمودياً عربياً لا يخون النص. وكان مقدم الحفل استهل الأمسية بكلمات عن الخيام قال فيها: ان الحاجة كانت ضرورية لافتتاح بيت الشعر الذي يستهل نشاطه بأمسية مميزة ضمن فعاليات مهرجان دبي الأول للشعر، واليوم نشهد ترجمة استثنائية لشعر الخيام الذي ملأ الدنيا شكاً ويقيناً برباعياته التي كثرت ترجماتها منذ ترجمها البستاني في العام ،1912 وقال د. عبدالعزيز: إن الخيام له حضور بالغ الأثر في المشهد الثقافي العربي والعالمي، ولرباعياته أثر أكبر في شهرته، فعلى الرغم من شهرة عمر الخيام كرياضي ومفكر وشاعر إلا أن الرباعيات ذات الإيقاع الرياضي المنتظم هي التي منحته شهرة عالمية. وأشار إلى أن الخيام هو أحد ابرز من تميزوا في الإبداع الإيراني.

وعقب كلمة الدكتور عبدالعزيز، أشار الباحث والمترجم الألباني ماركو في كلمته إلى أهمية كتابات الخيام بشكل عام، والرباعيات بشكل خاص في الثقافة الألبانية، مؤكداً أن معظم الألبانيين يحفظون من شعر الخيام الكثير خصوصا رباعياته، ثم قرأ ماركو بالألبانية من الرباعية 261 إلى الرباعية .265

ومنحت أبيات الخيام الجمهور الذي ملأ قاعة الشعر في بيت الشعر مناخاً يشبه القصيدة، مع نسمات الليل في الهواء الطلق، تحت فضاء قمر يحاول الاكتمال.

رسالة حب
ومن ألبانيا، انتقل فضاء الخيام أو جسره الشعري إلى بلده الأصلي إيران، حيث قدمت الشاعرة الإيرانية كبيري عدداً من الرباعيات بالفارسية، وفي تصريح لها عقب إلقاء شعر الخيام، قالت: إن المهرجان رسالة محبة من دبي للعالم، وإنها سعيدة بالمشاركة في هذا الحدث الرائع الذي يعكس فهم دبي لرسالة الشعر والحوار الحضاري الذي تؤمن به، ويؤكد انها مدينة تعرف حقاً أن الانسانية عائلة واحدة، ولذلك فرحت بالمشاركة في مهرجانأ يقول ان الشعر واحد وإن تعددت اللغات.

وأضافت: أنها جاءت لتقدم رسالة حب وسلام لدبي وللعالم، ولتؤكد أن الشعر هو الحب والسلام ورفض العنف والحرب. وأشارت إلى أن الخيام يمثل جسراً مثالياً للحوار الحضاري، مضيفة إنها تحب شعر محمود درويش وأدونيس وتمنت أن يستمر مهرجان دبي للشعر جسراً بين الحضارات.

وبعد ذلك، وقع المترجم القرق نسخا من كتابه «رباعيات الخيام»، والذي ضمنه النص الأصلي باللغة الفارسية والترجمة الإنجليزية والفرنسية، بالإضافة إلى ترجمته التي جاءت على الشكل العمودي مع المحافظة على دقة الترجمة للنص الفارسي بمفرداته كلها.

وقرأ الشاعر الإماراتي المعروف خالد البدور عدداً من ترجمات القرق للرباعيات التي امتازت بصياغة أنيقة، جاء منها على سبيل المثال الرباعية الثالثة والعشرون، وتقول:

ولا تثقن في دنياك حتى
لو ازدانت وجاءت بالعجيب
فلو دامت لغيرك لم تجدها
كذا نقل اللبيب عن اللبيب
فكم أمةٌ راحت وولت
وأنت كذاك ماض عن قريب
فبادر في حياتك للمعالي
ولا تنس المنال من النصيب
أومما يقول في الرباعية 60:
مثل مرّ الماء في ضفة نهر
أو كمر الريح في صحراء قفر
مر يوم آخر يجري سريعاً
وهو من عمرك محسوب وعمري

معرض الخيام
وبعد انتهاء مراسم توقيع نسخ الكتاب للحضور، افتتح رئيس جمعية الإمارات لحقوق الإنسان الكاتب الإماراتي المعروف عبدالغفار حسين معرض الخيام الذي ضم لوحات ورسوما فيها نصوص الترجمة والنص الأصلي، كما ضم رسومات عمر الخيام ومجموعة من الطوابع البريدية التي صدرت في الإمارات في أعقد الستينات من القرن الماضي احتفالاً بالخيام. وقدمت المطربة السورية سهير شقير بمصاحبة فرقة موسيقية من حلب رائعة أم كلثوم رباعيات الخيام، التي ترجمها أحمد رامي، وأطربت الحضور بأداء قوي واع بصعوبة النص وصعوبة الوصول إلى ذروة الأداء الكلثومي، ونجحت المطربة بصوتها القوي أن تهرب من الأداء الكلثومي لأنها كما قالت «لا تستطيع أن تغني أم كلثوم، ومن ذا يقدر في عالمنا العربي أن يكونأ على قدر سيدة الغناء».

وأشارت المطربة التي تفاعل الجمهور مع أدائها إلى أنها عشقت نص الرباعيات واعتبرته تحدياً مزدوجاً لقدراتها أن تغني نصاً مثل الرباعيات به من الشفافية والعمق الكثير، وأن تغني لحناً عبقرياً أدته أم كلثوم باقتدار.

إيثار الشعراء
ضرب الشاعران المصري سيد حجاب والأردني سعد الدين شاهين مثالاً لحضور الأمسية التي جمعتهما في النادي المصري لإيثار الشعراء بعضهم بعضا، فبعد أن قدم مدير الأمسية حجاب ليبدأ الأمسية منوهاً باعتبار السن، أعاد الشاعر المصري الميكرفون لمشاركه الأمسية الشاعر الأردني شاهين، مبرراً بلباقة الضيافة التي تقتضي تقديم شاهين ضيف النادي المصري. وعلى الرغم من الاعتذار المفاجئ للشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي الذي يتمتع بجماهيرية كبيرة، فإن جمهوراً متنوعاً وبشكل خاص من أبناء الجالية السودانية حرص على حضور الأمسية التي قدم فيها شاهين مطولة أهداها إلى الأهل في غزة، متطرقاً إلى آلام الحصار ووحشية العدوان وآهات الأقصى، فيما قدم حجاب بالعامية المصرية «لو كنت أميرا» من ديوانه الأخير «قبل الطوفان اللي جاي»، ليقوم النادي بتكريم الشاعرين المميزين في النهاية بإهداء كل منهما درعاً تقديرية.

جسر ثقافي
وصفت الشاعرة الإيرانية الشهيرة ناهد كيري واقع مهرجان دبي الدولي كما لمسته بعد مرور يومين على انطلاقه بأنه «رسالة حب»، مضيفة «تكرس دبي عبر هذا المهرجان موقعها العالمي كجسر ثقافي فاعل بين الحضارات»، مضيفة «المهرجان فرصة مهمة في توقيت شديد الصعوبة، علينا جميعاً كمجتمع إنساني واحد أن نستثمره في محاولاتنا لإعلاء لغة السلام المنشودة».

اليوم أمسية «فزاع» و»عزام»
يستضيف مركز دبي التجاري العالمي اليوم الأمسية المرتقبة لسمو الشيخ حمدان بن محمد ولي عهد دبي «فزاع» وسمو الشيخ أحمد بن محمد «عزام» من الساعة 830 وحتى الساعة ،1030 في سهرة شعرية من المتوقع أن تشهد حضوراً جماهيرياً وإعلامياً حاشداً .

تويتر