الأنشطة الثقافية.. فعاليات في غياب الجمهور

ندوات وفعاليات ثقافية عدة تعاني غياباً جماهيرياً. أرشيفية - غيتي
تباينت آراء فنانين ومثقفين حول أسباب انحسار الجمهور عن الفعاليات الثقافية والمعارض الفنية، ورأى بعضهم أن التقنيات الحديثة من تلفزيون وسينما وإنترنت جذبت قطاعاً كبيراً من الناس، ما تسبب في شبه غياب للجماهير عن الأنشطة الثقافية، واعتبر آخرون أن المشكلات الحياتية اليومية، كأزمة الازدحام المروري ودوامات ساعات العمل، تقف حائلا أمام بحث المتلقي عن معرض يزوره، أو لقاء شعري يحضره. ورأى فريق ثالث أن مسؤولية الغياب مشتركة بين المثقف والجمهور، فقطاع من المثقفين يتعاملون بفوقية مع المتلقين؛ ما نتج عنه عزوف كثيرين عن المتابعة.
وــلم تكن المؤسـسات الثقافية في منأى عن انتقاد مثقــفين التقتهم «الإمارات اليوم»، ممن اعتبروا أن بعض الجهات تقدم وجوها ثقافية دون سواها، وتشبع الجمهور منها ويبحث عن الجديد والمغاير.
ونظم النادي الثقافي العربي قبل فترة ندوة عن تجربة الكاتب الروسي العالمي انطون تشيخوف، لم يحضرها إلا عدد قليل، ما اضطر القائمين عليها إلى إقامتها في غرفة صغيرة من غرف استقبال الضيوف في النادي، وهذا ليس بعيدا عن حال اتحاد الكتاب الذي عرف في السنوات الماضية بأنه مكان خاص بالفراغ، لا ضيوف ولا جمهور. أما المتابعون لأنشطته فهم أقل من 10 من المعلمين، وهم الجمهور الاعتيادي لأي أمسية أو محاضرة أو ندوة.
حال العصر
حبيب غلوم.
ورأى مدير الأنشطة الثقافية والفنية في وزارة الثقافة والمجتمع المخرج والممثل حبيب غلوم أن غياب الجمهور عن الأنشطة الثقافية لسان حال العصر الذي نعيشه، ووصفه بأنه أمر طبيعي، لأنه كلما زادت التقنيات زاد معها استرخاء الإنسان، وتوافرت أمامه سبل الراحة، بحيث يستطيع أن يستخدم هذه التقنيات وهو جالس في مكانه من دون تحمل عناء الذهاب والوصول إلى أي فعالية ثقافية أو فنية إبداعية .
وقال «منذ فترة ليست قصيرة، وعندما دخل التلفزيون إلى البيوت، جلس الجمهور في بيته. لم يكلف نفسه عناء الذهاب إلى المسرح، فكل تقنية تأخذ من سابقتها. وبالتالي، أتصور في هذا المجال أنه سيأتي يوم تتلاشى فيه معظم مظاهر اللقاءات الثقافية والإبداعية»، متنبئاً بأن الفرد سيطلع من جهاز خاص به على معظم الفعاليات المختلفة، وسيستطيع التواصل مع مبدعي هذه الفعاليات والإبداعات، والتجاذب معهم من دون الوصول إلى مكان الحدث، كأن يتم اقتناء مقتنيات من خلال الإنترنت من دون الحاجة إلى الوصول إلى دور العرض المختلفة.
وأضاف غلوم «كما نشاهد بعض الأعمال الفنية من خلال الأجهزة التقنية المختلفة ومنها الانترنت، وكلها تساعد على انحسار الجمهور وابتعاده عن فضاء الفعاليات، داخل الدولة و خارجها».
وعزا رئيس جمعية المسرحيين الفنان إسماعيل عبدالله المشكلة إلى المنتَج الثقافي الذي يقدم، ولم يعد قادرا على تسويق نفسه للجمهور. وقال «للأسف، مازالت كل ندواتنا تراوح مكانها بأسلوبها وخطابها القديم، ولم تغرِ الجمهور، وما لم يتم تغيير خطابنا وأسلوبنا لن يأتي الجمهور، وهذه تجربتي مع الجمهور».
إسماعيل الرفاعي.
وأوضح أن انحسار الجمهور ليس خاصا بالإمارات، فالمشكلة عالمية، وعلى القائمين على الفعل الثقافي القيام بالتغيير في المادة، وتقديمها من جديد بأسلوب مختلف، وفق عبدالله .
وقال مسؤول بيت الشعر في الشارقة، الدكتور بهجت الحديثي، «قبل سنة، جئت إلى بيت الشعر، ووجدت الحركة الثقافية بطيئة نوعا ما، وحاولت أن أوسع دائرة الحركة الثقافية وأمد الجسور مع الطبقة المثقفة، واستطعنا أن نفعّل الحركة الثقافية وأصبحت الآن تصاعدية».
نسبة وتناسب
ولا يتفق مدير إدارة الثقافة والفنون في دائرة الثقافة والإعلام في حكومة الشارقة هشام المظلوم مع من يرون انحسار الحضور الجماهيري في الأنشطة الثقافية، وقال «خلال 22 سنة من عملي، أرى عكس ذلك، فهناك نسبة وتناسب، وهناك وجهة نظر أخرى في هذا المجال، وأعتقد أن التقارير السنوية تشير إلى ازدياد في حضور الجمهور»، مشيرا إلى بعض العراقيل، منها أزمة المواصلات التي أثرت في الفعل الثقافي، نافياً وجود أي انحسار، مضيفا «في بداية الثمانينات، كان حضور أي فعالية لا يتجاوزن 50 شخصا. والآن، يصل العدد إلى 30 ألف زائر لمعارض الفنون، حيث تنظم إدارة الفنون في الشارقة 40 معرضا فنيا، إلى جانب معارض أخرى، وتشهد إقبالا كبيرا».
ويرى رئيس قسم الشؤون الثقافية في دائرة الإعلام والثقافية في حكومة الشارقة، محمد القصير، أن لدى الدائرة الكثير في جعبتها الثقافية والفنية الإبداعية، وتعكف باستمرار على استضافة كبار الشخصيات الثقافية والإبداعية، لتكون بذلك همزة الوصل مع الجمهور المتابع لمثل هذه الفعاليات.
وأضاف «لدى الدائرة برامج مختلفة ونوعية في المجال الأدبي والثقافي، و لافتة ومحل تقدير الجميع، حيث نركز في أحد برامجنا على استضافة شخصية أو شاعر أو مثقف لنتيح له لقاء الجمهور، بهدف التبادل الثقافي بيننا وبين مثقفي العالم العربي، وحققنا نجاحا ملحوظا في هذا الجانب» .
عمر عبدالعزيز.
وقال رئيس قسم الدراسات والنشر ورئيس تحرير مجلة «الرافد»، الدكتور عمر عبدالعزيز، «لابد أن نعترف بحقيقة موضوعية عالمية سابقة على إرادة الفعل المؤسسي والفردي، تتمثل في الثورة التقنية المعلوماتية والوسائط المتعددة التي أصبحت تحاصر الإنسان المعاصر، وتعمل على تشظية الزمن المتاح له وتخل بأولوياته»، معتبرا أن ذلك انعكس سلبا على التلقي الثقافي والتعليمي والمعرفي، فكان الانحسار في الإقبال على النشاطات الثقافية . ولفت إلى تأثير الفضائيات والوسائط المتعددة والمتجددة ومحركات البحث في الكمبيوتر والانترنت، وغيرها من وسائل أصبحت تمثل مشهدا يوميا يعصف بالعقول والقلوب .
صعوبة وصول
وعزا مسؤول الإعلام في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، أسامة طالب، مسألة الانحسار الجماهيري عن الفعاليات الثقافية إلى عدم سهولة وصول الجمهور إلى الفعاليات الثقافية، بسبب انتشار الفضائيات وسهولة الوصول إلى المصدر المعرفي أو مواكبة النشاط الثقافي عبر البرامج التلفزيونية، مشيرا إلى أن بعض المشكلات الحياتية اليومية، مثل ظاهرة الازدحام المروري، تسهم في عدم تدفق الجمهور إلى فعاليات ثقافية وفنية كثيرة، مستدركا «لكن، في الوقت نفسه، هناك أنشطة ثقافية يصل إليها المثقف والجمهور، خصوصا التي تواكب الحراك الثقافي».
وقال منسق الإعلام في بينالي الشارقة، الفنان إسماعيل الرفاعي، «نلاحظ الانحسار بغض النظر عن نوعية التظاهرة، فكل المواد الإعلامية والترويجية يتم استثمارها بشكل كامل، إلا أن الحصيلة على أرض الواقع غير موجودة»، عازيا الأسباب إلى المؤسسات المعنية بالأنشطة الثقافية، مشيرا إلى أن اهتمام المؤسسات الثقافية محصور بالمعنيين والمختصين، كما أن طبيعة الحياة وعدد ساعات العمل الطويلة والازدحام المروري يؤديان إلى استنفاد الوقت والأعصاب بالنسبة للجمهور، ما يسبب عدم الحضور والمتابعة للأنشطة الفنية.
ورأى الرفاعي أن المسؤولية في هذا الموضوع مشتركة بين الجمهور والمؤسسات، حيث العدد لا يزيد، والوجوه تتكرر، مضيفا أن «بينالي الشارقة مثلا كتظاهرة كبيرة قادر على جلب الجمهور، غير أنه ربط نفسه ببرامج ومؤسسات راعية مثل وزارتي التربية والتعليم والسياحة وغيرهما من المؤسسات، لكن مازال عدد الزوار غير مرض»، مستدركا أن معرض الكتاب يشكل استثناء، حيث يشهد إقبالا ملحوظا من الجمهور الذي يقتني الكتب كنوع من تعويض عدم المتابعة. وأضاف «تحتاج الحلول إلى زمن طويل وبلورة مفاهيم مختلفة عند الجمهور، والفعل الثقافي حاجة يومية، وليس مجرد فعالية موسمية».
تعالي مثقفين
وانتقد بعض المؤسسات التي لم تسع إلى تقديم الجيل الجديد من المثقفين الشباب، حيث استنزف الجمهور وتشبع من الأسماء الكبيرة المكررة، حسب طالب الذي دعا إلى دراسة مدى إقبال الجمهور على المحاضرات والأنشطة الثقافية والفنية والإبداعية، مؤكدا أن مثل هذه الدراسة مطلوبة وضرورية، مشيرا إلى أن موازنة الأنشطة الثقافية في الشارقة مفتوحة، إلا أن أبرز الأنشطة والندوات الثقافية تحضرها وجوه معينة قليلة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news