«حمّام بغدادي» في بيروت

جواد الأسدي: المسرحية جزء من تاريخ المنطقة. أرشيفية

على رقعة خشبية صغيرة ينقل العراقي جواد الأسدي، الجمهور الى جوهر الجحيم الذي يغزو بلده عبر مسرحية «حمام بغدادي» التي جالت دولاً عدة وحطت في بيروت. يغطي دخان الحمام المكان ويتحرك الممثلان على وقع بخاره فيستعرضان نزاعاتهما الاخوية وحال الوطن في ظل النظام السابق والاحتلال الحالي، وكل ذلك على وقع صوت الانفجارات.

تدور المسرحية التي تعرض على مسرح بابل في بيروت حول سائقين ينقلان المسافرين من العاصمة الأردنية عمان الى بغداد، حيث مجيد الأخ الأكبر هو نموذج عن الرجل الانتهازي المتعاون مع الشيطان من اجل كسب رزقه، فهو عمل مع النظام السابق للرئيس العراقي الراحل صدام حسين ويعمل الآن مع الأميركيين، فيما شقيقه الأصغر حميد هو رجل مسحوق جراء ما وقع عليه من قهر وظلم إبان الحقبتين السابقة والحالية، لكنه لا يستطيع الفكاك من العمل مع اخيه، على الرغم من انه لا يكسب منه شيئاً. يخرج العرض من فضاء الحمام لدقائق قبل ان يعود اليه لاحقاً، بعد ان يذهب الأخوان في رحلة عمل الى الحدود بين عمان وبغداد لاصطحاب رجل ثري يعتزم الترشيح للانتخابات، لكن يموت على الحدود وتنفجر جثته بالأخ الذي طالما كان يردد عبارة «انا اتعامل مع الشيطان من اجل تأمين رزقي»، وهكذا فإن شقيقين يذهبان الى الحمام فيصبح لديهما فرصة للبوح، وأن يقولا كل المكبوت والمؤجل في حياتهما الشخصية. اثنان يتحدثان مع بعضهما بعضاً حول مجتمعهما. حول من الذي يتسلط عليهما حول فكرة الاحتلال، حول فكرة الاستبداد، حول فكرة حياتهما المتعثرة حياتهما المصطدمة بدبابات المحتل وطائراته، وفي الوقت نفسه ركضهما من اجل رغيف الخبز والحياة الكريمة.

يحاول الأسدي ادخال المشاهد الى روح العرض عبر طقوس صوتية وضوئية وأداء الممثلين الرائع، فنرى أن الجمهور ايضاً يفزع من اصوات الانفجارات المتكررة وليس الممثلين على خشبة المسرح. يتأرجح العرض بين التراجيديا والكوميديا وسط أداء تمثيلي رائع للممثلين فايز قزق ونضال سيجري اللذين بقيا على مدى ساعة ونصف الساعة يتحدثان ويبكيان ويضحكان ويلبسان ويخلعان ملابسهما ويستحمان على المسرح على خلفية لوحة الفنان العراقي جبر علوان.

وقال جواد الأسدي «حمام بغدادي في هذه المرحلة التاريخية الحساسة جداً من تاريخ النزاعات والحروب في المنطقة العربية تريد ان تبعث رسالة الى الناس الى كل المجتمع العربي أو المجتمع الإنساني بشكل عام ان الحرب هي فكرة جداً مقيتة وجداً لا انسانية، والحرب هي شيء حطم بنية الناس وحطم بنية الشعوب وقضى على فكرة المجتمع المدني بمعنى من المعاني». وأضاف «نحن محكومون بحياة مجتمعية اذا كنا مسيجين ومحاطين دائما بحروب وآلام تفرض علينا، فالفن بشكل من الأشكال يعكس الحياة اليومية بمعنى من المعاني وإن بشكل جمالي، وإن بشكل معرفي، وإن بشكل ثقافي فني متقدم، لكن في الآخر الفنان لابد ان يكون هناك درجات اتصال بينه وبين العصر الذي يعيشه، وإلا يصبح وجوده هامشياً وليس له ضرورة ولا قيمة». وأوضح أن «خلاصة ما يريد ان يحكيه العرض ان الاستبداد هو فكرة غير مناسبة لحياة الناس وأن الحرية او العيش الآمن او الحياة المدنية الانسانية الطبيعية هـي الحياة المـلائمة. هي المـقترح الحيـاتي الاكـثر ملائمة للناس».

لاقى العرض استحسان الجمهور اللبناني، إذ قال محمود الراعي وهو صاحب مطعم إن «حمام بغدادي مسرحية رائعة. حقيقة تشعر بالنزيف العربي وتحديداً العراق مع الأسف. انه يظهر الصورة الفعلية كيف تحصل ونحن لا نراها».

ووصف الناقد الفني والرسام زهير غانم المسرحية بأنها «مميزة وإيقاع المسرحية يأتي على المناخ الذي تعيشه المنطقة ويعيشه العراق، اضافة الى ان هذا النوع من المسرح وهو ما يسمونه مسرح القسوة فيه قهر وقسوة وفيه ارتطام اجساد بالموت». وأضاف «المسرحية كأنها رمزية بين أخين مثل قابيل وهابيل، وجاء عراقيون على الدبابات الأميركية الى العراق وتسببوا بمقتل مليون عراقي ليس الموضوع بسيطاً. لا يمكن كائن حي ان يوافق على الاحتلال ».

بيروت ــ رويترز
تويتر