شاشة بـ 821 شهيداً أو بوصة

المجزرة الإسرائيلية تركزت في صفوف المدنيين وخصوصا الأطفال. غيتي

فيروس فتّاك سيهبط من حيث لا ندري، الخيال العلمي سيجد المبررات.. سيتحول أحدهم إلى مصاص دماء في ثانية، ويصاب آخر بسعار مجنون يدفعه لنهش البشر، وليستشري هذا الفيروس ويصيب جميع من في الفيلم، إلا حفنة قليلة من الناجين، يمضون الفيلم وهم يلوذون بحياتهم الطبيعية، لا يريدون الموت وفي الوقت نفسه لا يريدون أن يتحولوا إلى كائنات متوحشة تنهش البشر.

يمكن العودة إلى ذلك افتراضياً في فيلم «بعد 28 أسبوعاً»، إذ تكفي 99 دقيقة لمتابعة هول ما يحمله هذا الفيلم، مع إتاحة الفرصة للتثاؤب أو أكل «الفوشار»، وإن شئت فقد يرتفع معدل الادرينالين، الأمر متروك لك، كمشاهد «حر»، ولك أيضاً أن تدع كل ذلك جانباً وتبحلق بالتلفزيون، وبالضرورة على قناة «الجزيرة» لتشاهد بثاً مباشراً لفيروس القتل الإسرائيلي الممنهج من دون أي خيال علمي يأخذنا مثلاً لـ١٠٠٠ سنة للأمام أو للوراء، ولا حاجة للاستعانة بكائنات فضائية مادام الجنود الإسرائيليون فضائيين بامتياز، وبالتأكيد من دون مركبات أسطورية ما دامت طائرات الـ«إف ١٦» قادرة على رصد مصاصات الأطفال، وتحليل أحلامهم الغامضة على شاشات الرادار، وقتلهم بكبسة زرّ، بغمضة عين ليس لها أن تغمض على نوم، بل الموت ولا شيء إلا الموت ماداموا على هذا القدر من البراءة، ولا يعرفون أنهم يعيشون في غزة، غزة «الغيتو»، المدينة الخيالية التي وجدت لأن تكون «المدينة الفاضلة» للقتل الإسرائيلي، دريئة الأسلحة الفتاكة، حقل الموت القادم من البحر والبر والجو.

سيتفوق الفيروس الإسرائيلي على أعتى فيروس تفشى في فيلم رعب، لا حاجة للعدوى هنا، إنه متأصل في خلايا الاسرائيليين ويمتد لأكثر من 60 سنة، ولاستكمال فيلم الهلع سيتطلب الأمر حشوداً هائلة من الكومبارس، وحملة صراخ عارمة سيشعر من يقتل بأنها قادمة لا محالة من المريخ، مادام الجميع عاجزين عن فتح الباب الموصد، ولا حتى مواربته لدخول ضمادة جرح أو علبة حليب.

رواة الفيلم الكثر سيحللون بعربية لا تشوبها شائبة الحدث الجلل، وستتكرر مشاهد القتل إلى ما لا نهاية، ولن تتاح أية فرصة لمعرفة ولا حتى أسماء الضحايا، سيمرون كجثث، سيتكاثرون كأرقام لا تصدق في عداد القتل الأسرائيلي.

ولئلا نشعر كمشاهدين بالملل فإن التنويع سيكون واجباً على حملة الفيروس الإسرائيلي، فتارة يقصفون مدرسة وأخرى سيارات الإسعاف، والأمر متواصل بمباركة شاسعة من مجلس كامل من المخرجين والمهرجين ومديري التصوير ورؤساء الكومبارس وكتبة السيناريو ومصممي الأزياء وخبراء التجميل.. ووو، ولعلهم جميعاً يعملون ليل نهار لأن يكون الفيلم ناجحاً وحقيقياً ومكلفاً من خلال طريق واحد هو «قتل كل من في غزة».

أنت كمشاهد يمكنك أيضاً أن تسهم وتواصل أكل «الفوشار»، أو التثاؤب، وإن شئت فقد يرتفع معدل الادرينالين، كما في أفلام الرعب وتواصل مشاهدة الأطفال يقتلون، فأنت «مشاهد حر»، و«مستهلك حر» أيضاً مادام بمقدورك شراء شاشة تلفزيون جديدة بـ821 شهيداً أو بوصة.. لا فرق!

تويتر