«أنشودة عصافير الدوري».. فقراء ولكن
مشهد من الفيلم وقد تناثرت أسماك الصغار وأحلامهم. »فيلم رفيو«
حين يهب الفيلم من البشر وأحلامهم وخيباتهم، يمسي المضي خلف حكايته نوعاً من التوثيق للمشاغل الصغيرة اليومية التي تلتصق بالإنسان، والتي ستكون مسألة حياة أو موت بالمعنى المعيشي الذي لا يقل عمقاً والتباساً عن كبرى الأسئلة الوجودية، وعليه سنكون أمام مكر الواقع، قسوته وفرزه الطبقي والاجتماعي الذي يشكل كل شيء في النهاية.
من هنا تماماً يهب فيلم (The Song of Sparrows) «أنشودة عصافير الدوري» للمخرج الإيراني مجيد مجيدي (الجائزة الفضية في الدورة الأخيرة من مهرجان برلين السينمائي)، وربما سينما مجيدي بأفلامها الكثيرة التي تتخذ من الواقع قصة تنسج حولها المصائر.. هذا ما يطال باران في فيلم «باران» التي تتنكر بزي الرجل لتعمل بعد إصابة والدها، وكذلك الأمر مع علي في «أطفال السماء»، عندما يضيع حذاء أخته، وعلى توسع أكبر يأتينا جديده (أنشودة عصافير الدوري) وشخصية كريم (رضا ناجي الممثل الوحيد في الفيلم بينما الممثلون الآخرون يقفون للمرة الأولى أمام الكاميرا) ومشاغله الصغيرة الكفيلة بتقرير مصيره ومصير عائلته.
فيلم مجيدي مأخوذ تماماً بالحياة، إنه يقدم لنا ببساطة حياة كريم، الرجل الفقير، الذي يعمل في مزرعة نعامات، ولنتابعه بعد ذلك وهو يتنقل من مشكلة إلى أخرى، والكيفية التي يواصل فيها عيشه.
تبدو الأمور غاية بالسهولة، لكنها ليست كذلك أبداً، ولعل تقديم الفن بوصفه معادلاً للواقع شيء لا ينجح به إلا القلة، ومجيدي واحد منهم وعلى وفاء منه لما عرف بالواقعية الإيطالية الجديدة، ولعل طيفاً من فيلم فيتوري دي سيكا «سارق الدراجة» يحضر دائماً في أفلامه.
كل ما في «أنشودة عصافير الدوري» مبني على مفردات ولقطات تتناغم جميعها لتقديم واقع كريم وفق جماليات خاصة، فيكفي أن تهرب نعامة حتى يطرد من العمل، أو أن نجده قبل ذلك مغطياً نفسه بالريش وحاملاً عصا لها شكل عنق ومنقار النعامة محاولاً عبثاً استعادتها بخداعها، ثم إن ما يعيده إلى البيت يكون وقوع سماعة أذن ابنته في خزان الماء، ومن ثم بحثه عنها برفقة ابنه ورفاقه الذين يحلمون بتحويل الخزان إلى حوض لتربية الأسماك وجني أموال كثيرة.
لا يتمكن من إصلاح السماعة، ولا يملك في الوقت نفسه ثمن واحدة جديدة، لكنه يكتشف في طهران أن بإمكانه أن يجني المال من دراجته التي تبدو واسطة النقل الرئيسة فيها، وعليه تتوالى الأحداث والأشخاص الذين ينقلهم من مكان إلى آخر، إنها طهران ببشرها تتنقل مع كريم، الذي يصلي في بيت أحدهم فيقدم له الشاي، ويجمع «الخردوات» ويعود بها إلى بيته، وغير ذلك من الانتقال من لحظة درامية إلى أخرى في أيامه المتعاقبة، وصولاً إلى انهيار كومة «الخردوات» التي يجمعها في بيته وإصابته بكسر في رجله يقعده في البيت حزيناً ووحيداً، يراقب ما يدور حوله وكيف تتدبر عائلته أمورها وهو عاجز.
في ما تقدم الخطوط العامة للفيلم، ولعل الكتابة عنه أمر يدفع للشعور بأن في كل لقطة حدثاً أو انعطافة لا يمكن تفويتها، فكل شيء مسخّر لتحفيز المشاعر وبناء التعاطف في أعلى تجلياته وفي مجاورة دائمة للضحك مع البكاء، ولعل في الفيلم لقطات كثيرة لا تنسى، مثل لقطة كريم وهو يستعيد الباب الأزرق من بيت الجيران الذي وهبته لهم زوجته، لقطة من فوق وكريم يحمل على ظهره الباب في حقول جرداء كما لو أنه سيزيف، كذلك الأمر مع لقطة السماء المرصعة بالقمر والنجوم، ولتبتعد الكاميرا فإذا هي قماشة تطرزها زوجة كريم وأولاده.
نقع في الفيلم على أخلاقيات الفقير، فرحه وحزنه، تدينه، بنته تمثل أنها تسمع طوال الوقت وهي تقول له إن السماعة على ما يرام، الابن الذي لم يتجاوز السبع سنين يعمل في كل شيء وصار في يديه أخاديد من التقرحات والجروح، وعندما يحصل على الأسماك هو رفاقه ينفجر البرميل الذي وضعت فيه في مشهد مصاغ بحنكة ومأخوذ بخيبة الأطفال الفقراء، لكن مهلاً إن سمكة واحدة تنجو يعودون بها ليضعوها في خزان المياه الذي عشعشت فيه عصافير الدوري.
«أنشودة عصافير الدوري» قصيدة بصرية وسردية محفورة لقطة بلقطة، حدثاً بحدث، لنضحك حين يكون المشهد مضحكاً ونبكي حين يكون مبكياً وفي كلا الحالتين بحواس مستنفرة، وعلى ما يحفزنا دائماً لانتظار جديد مجيدي بوصفه كما لا يخفى على أحد واحداً من أهم المخرجين الإيرانيين والعالميين.
من هنا تماماً يهب فيلم (The Song of Sparrows) «أنشودة عصافير الدوري» للمخرج الإيراني مجيد مجيدي (الجائزة الفضية في الدورة الأخيرة من مهرجان برلين السينمائي)، وربما سينما مجيدي بأفلامها الكثيرة التي تتخذ من الواقع قصة تنسج حولها المصائر.. هذا ما يطال باران في فيلم «باران» التي تتنكر بزي الرجل لتعمل بعد إصابة والدها، وكذلك الأمر مع علي في «أطفال السماء»، عندما يضيع حذاء أخته، وعلى توسع أكبر يأتينا جديده (أنشودة عصافير الدوري) وشخصية كريم (رضا ناجي الممثل الوحيد في الفيلم بينما الممثلون الآخرون يقفون للمرة الأولى أمام الكاميرا) ومشاغله الصغيرة الكفيلة بتقرير مصيره ومصير عائلته.
فيلم مجيدي مأخوذ تماماً بالحياة، إنه يقدم لنا ببساطة حياة كريم، الرجل الفقير، الذي يعمل في مزرعة نعامات، ولنتابعه بعد ذلك وهو يتنقل من مشكلة إلى أخرى، والكيفية التي يواصل فيها عيشه.
تبدو الأمور غاية بالسهولة، لكنها ليست كذلك أبداً، ولعل تقديم الفن بوصفه معادلاً للواقع شيء لا ينجح به إلا القلة، ومجيدي واحد منهم وعلى وفاء منه لما عرف بالواقعية الإيطالية الجديدة، ولعل طيفاً من فيلم فيتوري دي سيكا «سارق الدراجة» يحضر دائماً في أفلامه.
كل ما في «أنشودة عصافير الدوري» مبني على مفردات ولقطات تتناغم جميعها لتقديم واقع كريم وفق جماليات خاصة، فيكفي أن تهرب نعامة حتى يطرد من العمل، أو أن نجده قبل ذلك مغطياً نفسه بالريش وحاملاً عصا لها شكل عنق ومنقار النعامة محاولاً عبثاً استعادتها بخداعها، ثم إن ما يعيده إلى البيت يكون وقوع سماعة أذن ابنته في خزان الماء، ومن ثم بحثه عنها برفقة ابنه ورفاقه الذين يحلمون بتحويل الخزان إلى حوض لتربية الأسماك وجني أموال كثيرة.
لا يتمكن من إصلاح السماعة، ولا يملك في الوقت نفسه ثمن واحدة جديدة، لكنه يكتشف في طهران أن بإمكانه أن يجني المال من دراجته التي تبدو واسطة النقل الرئيسة فيها، وعليه تتوالى الأحداث والأشخاص الذين ينقلهم من مكان إلى آخر، إنها طهران ببشرها تتنقل مع كريم، الذي يصلي في بيت أحدهم فيقدم له الشاي، ويجمع «الخردوات» ويعود بها إلى بيته، وغير ذلك من الانتقال من لحظة درامية إلى أخرى في أيامه المتعاقبة، وصولاً إلى انهيار كومة «الخردوات» التي يجمعها في بيته وإصابته بكسر في رجله يقعده في البيت حزيناً ووحيداً، يراقب ما يدور حوله وكيف تتدبر عائلته أمورها وهو عاجز.
في ما تقدم الخطوط العامة للفيلم، ولعل الكتابة عنه أمر يدفع للشعور بأن في كل لقطة حدثاً أو انعطافة لا يمكن تفويتها، فكل شيء مسخّر لتحفيز المشاعر وبناء التعاطف في أعلى تجلياته وفي مجاورة دائمة للضحك مع البكاء، ولعل في الفيلم لقطات كثيرة لا تنسى، مثل لقطة كريم وهو يستعيد الباب الأزرق من بيت الجيران الذي وهبته لهم زوجته، لقطة من فوق وكريم يحمل على ظهره الباب في حقول جرداء كما لو أنه سيزيف، كذلك الأمر مع لقطة السماء المرصعة بالقمر والنجوم، ولتبتعد الكاميرا فإذا هي قماشة تطرزها زوجة كريم وأولاده.
نقع في الفيلم على أخلاقيات الفقير، فرحه وحزنه، تدينه، بنته تمثل أنها تسمع طوال الوقت وهي تقول له إن السماعة على ما يرام، الابن الذي لم يتجاوز السبع سنين يعمل في كل شيء وصار في يديه أخاديد من التقرحات والجروح، وعندما يحصل على الأسماك هو رفاقه ينفجر البرميل الذي وضعت فيه في مشهد مصاغ بحنكة ومأخوذ بخيبة الأطفال الفقراء، لكن مهلاً إن سمكة واحدة تنجو يعودون بها ليضعوها في خزان المياه الذي عشعشت فيه عصافير الدوري.
«أنشودة عصافير الدوري» قصيدة بصرية وسردية محفورة لقطة بلقطة، حدثاً بحدث، لنضحك حين يكون المشهد مضحكاً ونبكي حين يكون مبكياً وفي كلا الحالتين بحواس مستنفرة، وعلى ما يحفزنا دائماً لانتظار جديد مجيدي بوصفه كما لا يخفى على أحد واحداً من أهم المخرجين الإيرانيين والعالميين.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news