جهاد العامري.. خياط الشجن

العامري: المعرض تتبع لسير الجدات في رصد القماش وتوليفه بخيوط الأمل. تصوير: زافيير ويلسون

شهية هي لوحات التشكيلي الاردني، جهاد العامري، تفتن العين وتشاكسها بقوة تحريضية على البحث والتأمل والتحرك في مساحات غنية بالمخبوء والمستتر والمتواري خلف تنويعات من الألوان والايقاعات والاشارات التي تقود المتلقي المتأني الى مكامن الفتنة في تجارب جديدة مشغولة ومشحونة بالشجن والانتصار لأفراح بسيطة بعيدة.

ومن هنا، فإن أعمال العامري الذي افتتح معرضه الفردي، أول من أمس، في صالة «فور وولز» في دبي تقدم جملة من المقترحات البصرية وفق حساسيات تجريدية جديدة تغاير المألوف في إلغائية التجريد للموضوع، بحيث يصير التجريد انتصاراً لموضوع العمل وليس تمويهاً له أو تحطيما لجوهره، الامر الذي يبرر هذه البنائية التي تجعل اللوحة اقرب إلى طبقات وسطوح تندمج فيها الإيحاءات وفق مشهديات حقيقية مقتنصة من الذاكرة والحنين الرغبة في التوثيق الايحائي والحميمي لجماليات لم تعد موجودة إلا في تشكلات الوعي الاول.

وقال العامري لـ «الإمارات اليوم» «إن هذا المعرض عبارة عن تتبع لسير الفلاحات والجدات في رصد قطع القماش وتوليفها بخيط الامل وتحويلها لأغطية تكون ستراً لهم في الوقت الذي ضاقت فيه سبل الحياة»، وأضاف «كنت أتهجى الألحفة والوسائد بتنويعاتها اللونية لتدخلني إلى جغرافيا شاسعة حيكت فقط من الأمل».

يعزز العامري اعماله بقوة عاطفة مؤثرة، فهو بدءاً من مفردة «خيط»، التي اختارها عنوانا لمعرضه، يحيلنا إلى مرجعيات هذه التجارب ويضعنا على تماس مباشر مع فعل جمالي شعبي بحث فيه وقرأ مفرداته جيدا قبل ان يقرر خوض مغامرته البصرية التي يتجاوز فيها منزه البحثي التسجيلي إلى تأسيس مساحته الجمالية الخاصة التي يزاوج فيها صدقية الموضوع وماديته بإبداعية وحرفية تقترح جماليات جديدة وفق وعي بصري وقدرة على السرد الحكائي المتأتي من دقة الملاحظة والتأمل في المفردات وتفاصيل الموضوع بمستوييه المادي والشعوري قبل ان يمسك خيطه ليعيد حياكة الذاكرة وتطريزها بهدوء الممتلك حينا وبانفعال المفتقد في أحيان كثيرة من دون ان يتنازل عن تلك الايقاعية الموسيقية التي تجانس بين مفردات وتخلق ذلك الانسجام حتى بين العناصر المتضادة وهي جميعا من سمات الخياط الدقيق الصبور.

وعلى الرغم من أن العامري يتكئ في أعماله الجديدة على أرضية بحثية خصبة، يعود فيها الى المشغولات والمطرزات اليدوية الشعبية إلا أنه لا يترك لهذه الاتكائية أن تكون محورا للتجربة بقدر ما يراهن على إعادة صياغة هذا المُتكأ وفق آليات ومفردات تعبيرية رمزية تحديثية للمشهديات التي يقترحها من حيث التوظيفات البنائية والنباتية ومن حيث القدرة الاختزالية التي لاتلغي ذلك الغنى والثراء اللونيين بالإضافة الى الخصوبة التي هي جزء من الانتماء المكاني والجغرافي للأعمال.

يولي العامري، عناية واضحة بالتفاصيل، وتبدو سيطرته الواضحة على مفردات لعبته الابداعية التي تبنى لديه وفق محاكمات عقلية وجدية في التعاطي مع الاقتراحات البصرية التي يقدمها بحيث تنضبط العلاقات اللونية على السطوح المباشرة او المتوارية والتي تشكل في مجموعها نسيجا مبتكرا وأبجديات خاصة لقراءة الاعمال والتداخل معها على الرغم من القسوة والتماسك الذي تبديه خصوصاً أن العامري يصوغ قوانينه الخاصة في التعاطي مع الفراغ متجاوزاً الكثير من البلاغيات التصويرية السائدة هي عوالم يغذيها العامري بالاشارات والعلاقات الجدلية بين اللون ومادته، وبين التوليفات التجريدية والنقوش الشكلية التي تتحد جميعا لخلق ذلك الاحساس بالزمن والشغف وحميمية الموضوع المرتبط بذاكرة جمعية وابداعات نسوية شعبية كانت تخلقها الصدمة والحاجة الانسانية.

جهاد العامري في هذه الاعمال الجديدة يرتمي بين أحضان نساء جميلات قديمات، يغطي نفسه بأرديتهن، ويكتم أنفاسه في ذلك الدفء الموجع لشتاءات بعيدة، ثم وبفعل سحري يصير خيطا وإبرة ترقع ما اهترأ في حياتنا القاسية.

سيرة لونية

ولد الفنان التشكيلي، جهاد العامري، في عام 1977 تخرج في كلية الفنون الجميلة في بغداد تخصص رسم وتصوير. أقام أربعة معارض فردية عمان  2006 سويسرا 2007 عمان 2008 له مشاركات عربية ودولية عدة، منها: بينالي بنغلادش الدولي في عام  2006 وترينالي الحفر الدولي في القاهرة عام 2007 حاصل على الجائزة الاولى في مجال الرسم في مهرجان الشباب الاردني في عام  2002 والجائزة الثانية في المعرض السنوي لرابطة التشكيليين الاردنيين، وحصل على إقامة فنية في سويسرا في عام .

تويتر