«اللؤلؤة السوداء» قلبها أبيض

أبو السينما الإفريقية السنغالي عثمان سمبين »1923-2007«. أرشيفية

يسجل باحث مصري أن السينما الإفريقية، في الدول الواقعة جنوب الصحراء، تأخر ظهورها نحو 60 عاماً عن مثيلاتها في العالم، بما في ذلك مصر. ويقول أحمد شوقي عبدالفتاح في كتابه «سينما اللؤلؤة السوداء» ان فيلم «افريقيا على نهر السين» الذي أخرجه السنغالي بولين سومانو فييرا هو «أول فيلم افريقي من جنوب الصحراء في عام ،1955 وهو الفيلم الذي صُور بالكامل في باريس»، وبعده بثماني سنوات قدم «أبو السينما الإفريقية» الأديب والمخرج السنغالي عثمان سمبين «1923-2007» فيلم «بوروم ساريت» أو سائق العربة الخشبية «الكارو» ويعد «الفيلم الإفريقي الأول الذي تم تصويره في القارة السوداء». وأشار إلى أن معظم أفلام «اللؤلؤة السوداء» عالجت قضايا إنسانية بيضاء قبل ان ترصد العنف والتمييز العنصري وقضايا الاحتلال.

ويضيف في كتابه، الذي أصدره مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الـ،32 أن «السينما البيضاء» سادت في مرحلة ما قبل استقلال الدول الإفريقية وكانت ترى في افريقيا «خلفية كبيرة جميلة وهادئة للمغامرات العاطفية والبحث عن الثروات، أو سينما تعليمية ساذجة كانت تستخف بالشعوب وتحرمها من رؤية العالم على حقيقته»، في حين عُني الرواد الأفارقة بإخراج أفلام تنهض بشعوبهم نحو المستقبل.

المهرجان الذي افتتح الثلاثاء الماضي بمشاركة أفلام تمثل أكثر من 50 دولة ينظم ندوة عنوانها «السينما الإفريقية.. دعوة لفك العزلة» بمشاركة أفارقة ضمن محور للأفلام الإفريقية تعرض فيه أفلام من جنوب إفريقيا وغينيا وموزمبيق ونيجيريا ومالاوي. ويقول عبدالفتاح في كتابه، الذي يقع في 286 صفحة من القطع الكبير، ان «فرنسا التي مثلت أكبر قوى الاحتلال الأوروبي في القارة السوداء أتت بالسينما الى جنوب الصحراء حيث عرض عام 1900 فيلم الأخوين الفرنسيين لوميير بعنوان «ري الحديقة» في أحد أسواق العاصمة السنغالية دكار.

ويضيف أن «الفيلم الذي صور عام 1895 نبه دولة الاستعمار الى ما يمكن أن يثيره من بلبلة، اذ شعرت الأوساط الاستعمارية بالقلق من أن يرى الأفارقة ما يحدث في بلدانهم على حقيقته، وبالتالي قد يتعرضون بسبب هذا لمشكلات هم في غنى عنها»، وفي تلك المرحلة المبكرة من تاريخ السينما في العالم لم يكن السؤال مطروحاً عن امكانية أن تنتج الدول الإفريقية أفلاماً.

ويؤيد المؤلف ما ذهب إليه مؤرخون رأوا أن السينما كانت «أداة لشرعنة ومساندة المشروع الاستعماري الاوروبي» في القارة السوداء من خلال أفلام أظهرت البطولات الأوروبية في غزو افريقيا التي بدت في تلك الأفلام «نموذجاً للتخلفين الحضاري والعرقي» كما في أفلام «الفوز بقارة» 1916 و«رمز التضحية» .1918

قارة بلا تاريخ

ويضيف أن إفريقيا بدت في الأفلام الأوروبية «كأنها قارة بلا تاريخ أو ثقافة» وفق نظرة استشراقية ترى افريقيا مجرد غابات وأحراش وتسود فيها الروح البربرية، وهو ما أثار الكتّاب والمخرجين الأفارقة الى ضرورة تغيير تلك الصورة الذهنية النمطية عن بلادهم وشعوبهم. ويقول ان «القارة الإفريقية بعد الاستقلال ظلت تعاني الجهل والفقر وكان على السينما أن تبحث عن بدايات مختلفة عن مسارات السينما في العالم الى أن تمكن المخرجون الرواد من انجاز أفلام اكتسبت «مكانة مهمة» عالمياً رغم هويتها الإفريقية، بما تحمله من أجواء ساحرة وقصص أسطورية تعبر عن الثقافات المحلية باستخدام أساليب سرد ذات ايقاعات بطيئة ميزت السينما الإفريقية.

ويضيف أن التاريخ كان «بوابة واسعة أمامهم ليقدموا صورة حقيقية عن ماضيهم وما حدث لهم» على يد الاستعمار الأوروبي الذي نهب الثروات بعد أن تم قنص ملايين الأفارقة وترحيلهم بأساليب غير آدمية الى الأميركتين منذ القرن الـ١٥ ويسجل أن الجيل الثاني من المخرجين الأفارقة «أفاق من دهشة التحرير» وتنبهوا الى أهمية أن يكون لكل منهم بصمة وتفرّد ولم يرفضوا الغرب أو يتصالحوا معه بل رأوا أنه يمكن التعايش معه «وفق المعادلة الحضارية التي وجدوا أنفسهم طرفاً فيها» وكان هذا التوجه بداية تعدد الهويات في السينما الإفريقية.

ويصل عبدالفتاح الى الجيل الحالي قائلاً انه يعبر عن «المأزق الحضاري الذي يعيش فيه»، حيث ينتمي هؤلاء المخرجون الى عوالم افريقية لكن الجانب الأوروبي هو مصدر تمويل انتاج أفلامهم وهم يعتمدون في استمرارهم على الغرب، ولهذا اتجهت الأعمال الجديدة الى رصد المعاناة الفردية لأبطال سود، بدلاً من التركيز على جموع الأفارقة. ويشيد الكاتب بتجربة السينما الرقمية «الديجيتال» في نيجيريا، والسينما الأكثر تطوراً في جنوب افريقيا، قائلا انهما الدولتان الوحيدتان اللتان تمتلكان صناعة سينما مستقلة لا تعتمد على التمويل الخارجي لإنتاج الأفلام.

تويتر