يفتقد التشويق.. والشخصيات مملة

«أهونتنغ إن فينيس» يخفق في مغازلة جمهور الرعب

صورة

تتميّز قصص أجاثا كريستي بالتشويق والغموض، وكذلك الاقتباسات السينمائية لقصصها ابتداءً من تحفة بيلي وايلدر «شاهد للادعاء» عام 1957 إلى «جريمة قتل على أورينت إكسبريس» لسيدني لوميت 1974 و«موت على النيل» و«ميرور كراكد».. وهذه أشهر الاقتباسات.

عام 2017 قرر المخرج والممثل الإنجليزي كينيث برانا، إعادة اقتباس «جريمة قتل على أورينت إكسبريس» وحقق نجاحاً باهراً. ثم اقتبس «موت على النيل» العام الماضي، لكن الإيرادات كانت متواضعة، واليوم يقدم الاقتباس الثالث «أهونتنغ إن فينيس».

في الاقتباسات الثلاثة لبرانا كانت لكاتب هذا الموضوع مشكلة واحدة: لم نجد شيئاً واحداً مميّزاً، ولم نفهم سبب الاقتباس المحدث أصلاً، إذ على من يقتبس الإتيان بشيء جديد، لكن برانا صنع ثلاثة أفلام مملة لا تليق بالحسّ الفني السينمائي الراقي الذي يتمتع به الرجل.

يتقمص المخرج والممثل برانا دور المحقق البلجيكي هيركل بوارو في أفلامه الثلاثة المليئة بالنجوم. وكل واحد منها في دولة بعيدة، وكل واحد منها عن قاتل أو اثنين. في الأول شاهدنا جوني ديب وميشيل فايفر، والثاني كان وجه غال غادوت هو الأبرز على الملصق، والبقية بالكاد كانوا معروفين باستثناء أنيت بيننغ.

«حفلة هالوين»

هذا الفيلم A Haunting in Venice، بطيء وشخصياته مملة. هو قابل للمشاهدة، لكنه لا يشد الانتباه كثيراً. تقع أحداث القصة عام 1947، وهو مقتبس بشكل يكاد لا يمت بصلة إلى الرواية الأصلية بعنوان «حفلة هالوين» الصادرة عام 1969، والرواية ضمن الأعمال الأقل شهرة للمؤلفة، وصدرت في آخر مسيرتها الأدبية.

يغيّر الفيلم قصة الكتاب، ويلغي شخصيات ويضيف أخرى جديدة، وينقل رواية كريستي من البيت الريفي الإنجليزي إلى مدينة البندقية الإيطالية. نرى بوارو متقاعداً جالساً في حديقة على سطح منزله. تلتقيه صديقته كاتبة روايات الجريمة أريادن أوليفر (تينا فاي) التي تتحدث بلهجة الأربعينات الأميركية، وكأنها تقلد روزاليند راسل من فيلم His Girl Friday.

تدعو أريادن بوارو إلى حضور جلسة استحضار أرواح خلال حفلة هالوين في مبنى في المدينة لكشف امرأة مستبصرة تدعي الاتصال بالأرواح وإثبات أنها محتالة. هذه المرأة تجسّدها ميشيل يوه، ولكن لا تتحمسوا كثيراً لأن وقتها على الشاشة محدود جداً لسبب نعرفه جميعاً.

وخفضوا سقف توقعاتكم للبندقية أيضاً، والتي توقعنا أن تخدم القصة بشكل أفضل، لكن كل الأحداث داخل مبنى وبالكاد نرى معالم المدينة باستثناء مشاهد المقدمة والنهاية. وأما المشاهد الداخلية للمبنى فهي رغم أنها مستلهمة من أفلام المحقق الأميركية الشهيرة التي عاشت ازدهاراً فترة الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، فإنها هنا «كليشيه» لا أكثر. والمشاهد الداخلية ليست في إيطاليا أصلاً إنما في استوديوهات باينوود الشهيرة في انجلترا.

كان هذا المبنى مخصص لرعاية الأيتام ومملوك لمغنية أوبرا شهيرة تدعى راوينا دريك (كيلي رايلي في دور مختلف تماماً عن سليطة اللسان التي شاهدناها في مسلسل يلوستون). تريد راوينا من المرأة المستبصرة الاتصال بروح ابنتها التي انتحرت عندما تركها خطيبها.

مسكون بالأرواح

النص الذي كتبه مايكل غرين، وهو الذي كتب الفيلمين السابقين للمحقق الشهير الذي جسّده برانا، يضع الشخصيات في قصة بالكاد تخدم الغرض الذي كتبت لأجله وهو الغموض. وأما الأسطورة التي تروّج حول القصر وأنه مسكون بأرواح أطفال حبسوا فيه منذ قرون وتركوا للموت، فإنها لا تخدم الفيلم في شيء.

وفي مشهد متوقع ومتوافق مع أجواء روايات كريستي، فإن مشهد اجتماع المشتبهين بالجريمة يحدث في نهاية الفيلم بحضور خطيب الضحية السابقة وحارس بوروا الشخصي. جيمي دورنان الذي جسّد دور والد برانا في فيلم «بلفاست» وهو سيرة ذاتية عن حياة صانع هذا الفيلم، يجسّد دور طبيب مصاب باضطراب ما بعد الصدمة.

وجود هيل، الطفل الذي جسّد برانا طفلاً في «بلفاست»، هو هنا في دور ابن الطبيب. أي كأن برانا أخذ تلك الجزئية من بلفاست ونقلها بالكامل إلى هذا الفيلم. هيل موهوب جداً وحضوره طاغ على الشاشة. أما كاميل كوتين في دور مدبرة منزلية لروينا والتي كانت راهبة سابقة فتبث طاقة من العواطف في مشاهدها.

أحد أسباب تميز كوتين هو أن كثيراً من الممثلين كانوا نائمين في أدائهم من سهولة المطلوب منهم. طاقم الممثلين المتنوّع غير متوازن. يوه ودورنان قويان وذلك متوقع منهما رغم أن مشاهدهما محدودة جداً.

تينا فاي هي الضائعة هنا لأنها مهما حاولت فهي لا تستطيع إخفاء ابتسامتها الساخرة التي تميزها في البرنامج الساخر الشهير «ساترداي نايت لايف»، والذي التصق باسمها لأكثر من عقد. فاي، خصوصاً ربما بحاجة لمجموعة من الأفلام الجادة البعيدة عن الكوميديا حتى تستطيع كسر الصورة النمطية وأن تقنعنا بأدائها.

وبالطبع هذا لا ينطبق على برانا الذي يتقمص دوره ببراعة في الأفلام الثلاثة. وفي كل من الأفلام الثلاثة التي جسّد بها الشخصية، فإنه يزيدها عمقاً ويضيف إلى قصتها الخلفية.

لكن عمق الشخصية ليس مطلباً ولا هدفاً في هذا النوع من أفلام التحري والغموض أو «من الجاني» ورغم أنه يقول: «لا أحد يغادر حتى أعرف من قاتلها»، ولاحقاً يصف بالضبط القاتل وظروف وسيناريو القتل. لكن ما يكشفه لا يتلقاه المشاهد كمفاجأة حتى لو لم يتمكن من توقعه.

لأن القاعدة معروفة: «القاتل هو أقل مشتبه تشك فيه». وهذا الفيلم غير المشوق وغير الغامض لا يفعل الكثير لتقويض هذه القاعدة ولا يجتهد ولو قليلاً لخلق شكوك إلى مشتبه آخر.

تشتيت المشاهد

من أجمل الجزئيات في اقتباسات أغاثا كريستي السابقة أنها تعطي المشاهد فرصة للتخمين وهو جزء من متعة المشاهدة. هنا برانا يشتت المشاهد بلقطات مائلة أو مهتزة ويوظف أسلوب الزاوية الألمانية Dutch Angle بكثرة وهو أسلوب خالص لأفلام الرعب أو يوظفها مخرجون يريدون إضفاء أجواء توتر إلى أفلامهم.

يحاول برانا مغازلة جمهور الرعب لاستمالتهم لفيلمه إلى جانب جمهوره ولا يتردد في خلط كليشيهات رعب مع عناصر هذا الفيلم، وهي إن كانت تجربة جديدة للمخرج وقد تعجب البعض باعتبارها تجديداً لأفلام التحري والغموض إلا أنها تشتت المشاهد أكثر من أن تعطي الفيلم القيمة الفنية المرجوة منها.

• 1947 العام الذي تقع فيه أحداث قصة الفيلم المقتبس بشكل يكاد لا يمت بصلة إلى الرواية الأصلية.

• يغيّر الفيلم قصة رواية أجاثا كريستي، ويلغي شخصيات ويضيف أخرى، وينقلها من البيت الريفي الإنجليزي إلى مدينة البندقية الإيطالية.

للإطلاع على الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

تويتر