يصيب بالضجر وذروته متوقعة

«ووتشر» يخفق في الغموض ويستهين بذكاء المشاهد

صورة

فيلم Watcher تحديث جديد لفكرة فيلم Rear Window (النافذة الخلفية) للأسطورة ألفريد هيتشكوك عام 1954. وكثيرة جداً الأفلام التي قلدته أو استلهمت فكرته وذهبت في اتجاه آخر، وبلغ التأثر بفيلم هيتشكوك حدّ الهوس لدى صناع الأفلام في العقود الستة الماضية.

لا يمضي عقد دون ظهور فيلم أو أفلام عن شخص يراقب آخر من نافذة منزله أو شقته أو امرأة تراقب جارها الذي يتضح في ما بعد أنه مجرم أو يخيّل لها ذلك، وهكذا.

جوليا (ميكا مونرو) تشعر أن شيئاً ليس على ما يرام، هناك شخص يراقبها من نافذة شقته في المبنى المقابل لمبناها. وعندما تشتكي وتحصل على فرصة للاستماع إلى وجهة نظرها فإنها لا تستطيع إيجاد الكلمات المناسبة لوصف مخاوفها.

تتساءل إن كانت مصابة بالرهاب، أو ربما هو تأثير الأرق. فقد وصلت أخيراً إلى العاصمة الرومانية بوخارست ولا تتحدث اللغة. تشعر بالتشتت والوحدة. تحاول الخروج من دوامة الوسواس والخوف، لكن شيئاً ما في داخلها يقول لها إن شيئاً ليس على ما يرام.

تقول في نفسها هناك خطر محدق، أنا لا أتوهم، أنا لا أبالغ في إبداء ردة فعلي. انتقلت جوليا مع زوجها فرانسز (كارل جلسمان) إلى بوخارست، لأنه من أصول رومانية ويتحدث اللغة. يعمل فرانسز ساعات طويلة ويترك جوليا وحدها في الشقة وهي كالتائهة.

رجل متتبّع

تبدأ مشكلاتها في سيارة الأجرة التي تأخذهما من المطار إلى منزلهما. يتبادل فرانسز وسائق الأجرة أطراف الحديث بالرومانية وجوليا لا تفهم ما يقولان. تشعر بالضياع، خصوصاً عندما تعلم أنهما يتحدثان عنها. لا تستخدم المخرجة كلوي أوكونو ترجمة إنجليزية لتجعل الفيلم يعبر عن وجهة نظر بطلتها ونظر المشاهد في الوقت نفسه.

تسأل جوليا زوجها ماذا يقول السائق أو تسأله ماذا تقول المرأة التي يقابلانها عند الشقة. وعند دخولهما شقتهما تذهب جوليا إلى النافذة وترفع رأسها قليلاً إلى الأعلى لتجد جداراً من النوافذ المعتمة باستثناء نافذة واحدة ضوؤها خافت، وهناك رجل (بورن غورمان) يقف ويبحلق إلى الأسفل، ربما فيهما.

كلما تنظر جوليا من نافذتها ترى الرجل واقفاً ينظر باتجاهها، تلوح له بيدها فيلوح لها بيده، لكن طريقة تلويحه غير مطمئنة. تدخل جوليا في حالة تفكك عاطفي منذ لحظة وصولها إلى بوخارست إلى آخر لقطة في الفيلم، حيث تصل ذروة تفككها؛ لكن رغم ذلك تبقى شخصيتها غير مكتملة.

تبدأ جوليا في مشاهدة الرجل كلما تخرج من شقتها لقضاء وقت في الخارج، فتارة تراه جالساً خلفها في سينما (إشارة إلى فيلم ستانلي دونين الشهير Charade عام 1963). ثم تراه في محل بقالة. تصاب جوليا بالرعب، إذ من الواضح أن الرجل يتتبعها. يحاول فرانسز تصديق زوجته أو يتظاهر بذلك، لكنه في الحقيقة يعتقد أنها تتوهم وتهلوس وتضخم الأمر.

إخفاق

لا تستغل أوكونو قتامة العاصمة الرومانية ورهبة معمارها من منظور سينمائي، فهي مقصد صناع الأفلام عندما يريدون استغلال شخصية المدينة الموحشة والمعزولة عند التركيز على عمرانها.

فلو أضفنا هذا العامل إلى الحاجز اللغوي الذي تعانيه جوليا وإلى الرجل المرعب الذي يتلصص عليها من الجهة المقابلة لربما كان لدينا أحد أفضل أفلام الرهاب التشويقي. من الواضح تأثر أوكونو في النص الذي كتبته مع زاك فورد بصناع أفلام مثل: رومان بولانسكي وصوفيا كوبولا، فهما بارعان في صنع أجواء شخصيات أجنبية تائهة في أماكن غريبة. لكن بدلاً من الغوص في الغموض فإن أوكونو تذهب باتجاه الواضح والسهل تخمينه. ولا ينقذها حتى الطاقم الذي اختارته. ففرانسز والرجل المتلصص يتنافسان في أيهما ممل أكثر من الآخر. ويخفق جلسمان وغورمان في بث روح في شخصيتيهما.

نعلم من الفيلم أن هناك قاتلاً متسلسلاً يستهدف النساء ويقطع رؤوسهن، والفيلم لا يحاول حتى إخفاء هوية القاتل، فإذا قلنا في الفقرة السابقة إن الفيلم سهل تخمينه فأنت تعلم من القاتل.

هناك مشهد لشرطي يحاول تفهم وساوس جوليا ويحضر المتلصص إلى باب منزلها ليبدد مخاوفها ولا تحاول أوكونو إضفاء حيرة على المشاهد فتذهب مباشرة لتعزيز مخاوفنا بتسليط عدستها على طريقة المصافحة بين جوليا والمتلصص.

ثم يأتي مشهد القطار عندما تجد جوليا المتلصص جالساً في عربتها نفسها، ويدور بينهما حوار يشرح فيه المتلصص لماذا يراقبها ويخبرها بقصته، و مرة أخرى لا تحاول أوكونو إخفاء شيء، فتسلط عدستها على الكيس الذي يحمله الرجل.

السؤال: إذا كان المتلصص هو المجرم، كما تلمح لنا أوكونو، فلماذا نشاهد الفيلم أساساً؟ يريد المشاهد شيئاً يتلاعب بمشاعره ويتحدى ذكاءه، وليس أن تخبره صانعة الفيلم بما هو واضح أمام عينيه. نحن نشاهد الأفلام لنفاجأ، وليس كي تقول لنا المخرجة ألم أخبركم بذلك!

يمضي الفيلم تائهاً لا تعلم مخرجته كيف توظف الغموض ومتثاقلاً ويصيب المشاهد بالضجر، لأن كل شيء واضح أصلاً، والمخرجة تخبرنا بما نعلم وعندما نصل إلى الذروة فإننا نرحب بها لأن لا شيء في الفيلم يستحق أن نفكر فيه.

للإطلاع على الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.


سؤال محيّر

سؤال آخر محيّر: كل شخصيات الفيلم الرومانية تتحدث الإنجليزية بطلاقة! لا نشكك في الأمر فلربما ذلك صحيح، ولكن عندما نسافر إلى دول وسط وشرق أوروبا فإن إنجليزيتهم ليست مثالية كما الأفلام، وإنما هناك أخطاء لغوية، لكننا نفهم ما يقولون.

حتى لو عدت إلى أفلام المافيا الروسية التي صنعتها هوليوود في التسعينات ستجدهم يجيدون الإنجليزية بشكل لا يصدق!

لا تستغل المخرجة قتامة العاصمة الرومانية ورهبة معمارها من منظور سينمائي، فهي مقصد صنّاع الأفلام عندما يريدون استغلال شخصية المدينة الموحشة والمعزولة عند التركيز على عمرانها.

تويتر