فاز بـ «أوسكار» أفضل فيلم أجنبي

«درايف ماي كار».. رحلة طريق قاتمة عن الحب والفقدان

صورة

لو قرأت الفقرة التي تصف الفيلم الياباني Drive My Car على محرك البحث «غوغل»؛ فإن وصف الفيلم غير دقيق أبداً، ويشبّهه بأفلام «غرين بوك» الحائز أوسكار أفضل فيلم لعام 2018 و«درايفنغ ميس ديسي» الفائز بأوسكار أفضل فيلم لعام 1989. والفيلمان يدوران حول الفكرة والموضوع نفسيهما بالضبط.

فيلم «درايف ماي كار» الفائز بأوسكار أفضل فيلم أجنبي في نسخة «الصفعة» من الأوسكار، يدور حول عناصر مشابهة، لكن في موقف وموضوع مختلفين تماماً عن الفيلمين الأميركيين. ويبدو لنا أن «هوليوود» مغرمة بأفلام عن سائقين يكوّنون علاقة صداقة مع الذين يركبون معهم.

إذا كان الفيلمان الأميركيان عن العنصرية (الأول عن بيضاء عجوز تصادق سائقاً أسود، والثاني عن شاب أسود يصادق سائقاً أبيض) فإن هذا الفيلم عن خمسيني يصادق سائقته العشرينية التي فُرضت عليه.

الأكثر دسامة

«درايف ماي كار» مقتبس من كتاب قصص قصيرة بعنوان «رجال بلا نساء» من تأليف هاروكي موراكامي، المنشور عام 2014. هي قصة زواج حزين مغلفة بدراسة سلوك شخصيتين، وهي العلاقة بين البطل وسائقته، منشورة في أقل من 40 صفحة من الكتاب.

وقد يتساءل البعض عن الحكمة من اقتباس القصة في فيلم يمتد لثلاث ساعات. الجواب قد يكون أن المخرج الشاب ريوسوكي هاماغوتشي أطال الاقتباس، حتى يتمكن من إعطاء شخصياته حقها بالكامل على الشاشة. في هذا النوع من الأفلام تجد المقدمة تمتد 40 دقيقة وكأنها تقول لنا: إن الجروح تحتاج إلى وقت طويل للتعافي.

النتيجة أنه الفيلم الأكثر دسامة لهاماغوتشي منذ بروزه على الساحة الدولية عام 2015. بينما تدفن القصة الأصلية سر بطلها في المنتصف، فإن المخرج وكاتب السيناريو تاكاماسا أوو يعيدان ترتيب الأحداث بشكل تسلسلي أكثر من الكتاب لخلق وزن تراكمي للأحداث يضغط على نفسية البطل المحطمة.

في الفصل الأول في طوكيو نرى قصة زواج المخرج المسرحي يوسوكي (هيديتوشي نيشيجيما)، وكاتبة السيناريو أوتو (ريكا كيريشيما)، من خلال لقطات في الظلام الدامس نسمعهما يتحدثان عن مشاهد المسرحية التي تأتي فجأة إلى خيال أوتو في الفراش.

يعاني الزوجان فاجعة وفاة ابنتهما الصغيرة، وبسبب الحادثة انحرف سلوك أوتو وأصبحت تكوّن علاقات سرية خارج الزواج، يكتشف يوسوكي ذلك عندما تلغى رحلته ويعود إلى المنزل ليرى مشهداً صادماً أمامه، ويبدو أن يوسوكي يعرف الشخص الذي تخونه زوجته معه.

يقرر يوسوكي أن يصمت ولا يصارحها بالأمر، وفي يوم ما وهو ذاهب للعمل تخبره زوجته أنها تريد التحدث معه في أمر ما مساء ذلك اليوم، وعندما يعود متأخراً إلى المنزل يجدها ميتة نتيجة نزيف دماغ.

الانسحاب من الحياة

يقرر يوسوكي الانسحاب من الحياة، والمكان الذي ينسحب إليه هو سيارته القديمة التي يشغل فيها جهاز الأشرطة ليسمع حوارات المسرحية المسجلة بصوت زوجته ليحفظها. سيارة يوسوكي هي ساب 900 السويدية، حمراء.

لعله من الغريب استخدام سيارة غير يابانية، ولكن اختيار لونها جاء حكيماً، فالعين لا يمكن أن تخطئها حتى عندما يأخذ هاماغوتشي اللقطة من الأعلى، فهناك سيارة حمراء واحدة في اللقطة تذهب العين إليها مباشرة. في السيارة شخصيتان، يوسوكي وجهاز الأشرطة الذي يتحدث بصوت زوجته وكأنه العالم الآخر الذي انسحب إليه يوسوكي.

بعد عامين يتلقى يوسوكي دعوة من مهرجان هيروشيما المسرحي لإخراج مسرحية «أنكل فانيا» للأديب الروسي أنطون تشيخوف. بعد قبوله الدعوة، يبلغه المنظّمون أنه لا يستطيع قيادة سيارته بسبب حادث وقع في الماضي، حيث دهس فنان يعمل مع المهرجان أحد المارة.

وبالتالي فإن المهرجان سيستأجر سائقة محترفة تقود سيارة يوسوكي الحمراء، وسيغطي تكاليف ذلك. يرى يوسوكي ذلك خرقاً لخصوصيته ومساحته الإبداعية؛ لكن لا خيار له سوى القبول.

السائقة ميساكي (توكو ميورا) انطوائية، ويبدو أنها تخبّئ ماضياً أليماً، وهذه ليست من الصفات التي تكون صداقة بين شخصين: لأن هذين الشخصين لا يتحدثان لشق الصمت بينهما، وإنما أشرطة يوسوكي هي ما يملأ الفراغ.

في تجارب الأداء يكتشف يوسوكي أن أحد الممثلين هو تاكاتسوكي والذي يظن الأول أنه الرجل الذي خانته زوجته معه، فيبدأ معاملته بشكل جاف بإسناد دور لا يناسبه.

لكنها السيارة هي التي تعكس المساحة الأهم في الفيلم، وفيها يكشف ما في الصدور بتطور علاقة يوسوكي وميساكي تدريجياً، وكلاهما يستخدم الآخر للتنفيس عن همومه. «درايف ماي كار» فيلم غير اعتيادي يمثل الطريق فيه دائرة أو عقدة، أي لا بداية له أو نهاية، يسلكه صديقا السيارة بشكل روتيني وهو المساحة الوحيدة لكشف ما في الصدور.

قد يجد المشاهد - كما كاتب هذا الموضوع - غرابة في جزئية استئجار مهرجان هيروشيما المسرحي سائقة لقيادة سيارة البطل وليس سيارة مستأجرة، ولا نعلم إذا كانت الجزئية واقعية، لكن الواضح أن القصة والفيلم يريدان إعطاء زخم للسيارة، وبث روح فيها كشخصية في الفيلم، وهذا ما يتضح فعلاً في المشهد الأخير الذي يعكس تخلّص صديقا السيارة من عقدتهما.

بطيء وحزين

 

«درايف ماي كار» فيلم بطيء وحزين، ولا تتوقع حدوث الكثير، فهو يركز على المسار العاطفي لشخصياته بدل تتبّع أحداث حبكته.

ويُعد ثاني فيلم ياباني يفوز بـ«الأوسكار» في خانة أفضل فيلم أجنبي في القرن الـ21، بعد فوز فيلم Departures في النسخة 81 عام 2008.

• الفيلم مقتبس عن كتاب «رجال بلا نساء» من تأليف هاروكي موراكامي، المنشور عام 2014.

• في هذا النوع من الأفلام المقدمة تمتد 40 دقيقة وكأنها تقول لنا: إن الجروح تحتاج إلى وقت طويل للتعافي.

 

تويتر