أسوأ افتتاح في تاريخ السينما

«ريمنيسنس».. النص الهزيل يقضي على كاريزما هيو جاكمان

صورة

من الدقائق الـ10 الأولى تعلم أن فيلم Reminiscence «ذكريات» ضائع في أفكار مستهلكة، لا توجد جزئية واحدة أصلية، لذا لا غرابة لو علمنا أن الفيلم أخفق في أسبوع افتتاحه، وهو أسوأ افتتاح في تاريخ السينما، لفيلم يعرض في أكثر من 3000 صالة حول العالم، وبالطبع لوم الوباء أسهل بكثير من الاعتراف بأن العمل تملؤه الركاكة من الدقيقة الأولى.
الكاتبة والمخرجة ليزا جوي - شريكة جوناثان نولان في كتابة مسلسل قناة HBO الشهير «ويست وورلد»، وزوجته - هي القوة المحركة وراء هذا الفيلم، ويظهر اسم زوجها في خانة الإنتاج، وأرادت زرع عناصر مستقبلية في قصة جريمة ذات طابع قديم إلا أن النتيجة مخيبة للآمال.
القصة مملة، ولا تثير اهتمام أحد سوى من لم يشاهد أفلاماً في حياته، والأكشن مصطنع ولا يشعل فتيل اللقطات المسببة للنعاس. الأسترالي هيو جاكمان نجم يعطي أي فيلم زخماً لكنه هنا يبدو كمن سئم التمثيل، ولا يريد حتى إعطاء أقل ما عنده، ولا يتمتع بأي انسجام مع بطلة القصة، السويدية ريبيكا فيرغسون، وهو ما خلق فراغاً قتل القصة بأكملها، علماً بأنهما ظهرا معاً بشكل أفضل في الفيلم الغنائي The Greatest Showman منذ أربعة أعوام.
القصة مزدحمة بتفاصيل لا يستوعبها العقل البشري، ومفاجآت لا تفاجئ، ونهاية لا يصل إليها إلا القادر على مقاومة النعاس، أو من لا ينشغل بأي شيء آخر حوله قد يجده مثيراً للاهتمام أكثر من الفيلم.
تدور أحداث الفيلم في المستقبل بمدينة ميامي الغارقة في المياه كأنها فينيسيا الإيطالية، جندي سابق اسمه نيك (جاكمان) يستخدم آلة انغماس وسماعات واقع معزز، ليقود زبائنه في رحلاتهم السابرة لأغوار ذكرياتهم (منتهى الابتذال).
شريكته واتس (تانديواي نيوتن) تساعده في تشغيل الخدمة التي يستخدمها ضباط الشرطة في التحقيقات وحل الجرائم، كل الأمور تسير بشكل طبيعي إلا عندما تدخل ماي (فيرغسون) وتطلب استخدام آلة الذكريات للبحث عن مفتاح ضائع، يقع نيك في حبها وتنتهي العلاقة بعد اختفاء ماي فجأة.
وأنت تغالب نعاسك وتبحث عن شيء حولك يؤكل أو يقرض أو يسليك، لأنك تعرف أن كليشيه أفلام الجريمة، منذ «الصقر المالطي» عام 1941، تقول إن المحقق سيصاب بالهوس ليعلم كيف اختفت فتاته!
ثم تبحث عن شيء آخر يسليك وتتنهد وقد تنظر إلى جهازك الذكي وأنت تعلم بالضبط، كما لو كنت كاتب ومخرج الفيلم، أن نيك سيعبث بآلة الذكريات للعثور على ماي، وتعلم من دون النظر إلى الشاشة أن مساعدته واتس ستختلف معه، لأنها استطاعت كشف حقيقة ماي قبله وأن خلف الفتاة مؤامرة! وتعلم أنه سيحقق في الأمر وسيصل إلى زعيم عصابة (دانيال وو)، ورجل أعمال محتال (بريت كولين)، وشرطي فاسد (كليف كرتس).
لا يحتاج الأمر إلى عبقرية أو ذكاء لتعلم ما تفعله مخرجة الفيلم، فكأنها تستخدم كتاباً تدريسياً يسمى كيف تصنع فيلم جريمة قديماً، وأخذت كل العناصر المطلوبة لأفلام الجريمة ووزعتها في النص، ثم وضعته في قالب مستقبلي، وصممت له ملصقاً يشبه ملصق فيلم Blade Runner عام 1982، لأن هذا الأخير لريدلي سكوت أصبح بمثابة الكتاب المدرسي لأفلام الجريمة في سياق خيال علمي.
تأخذ ليزا جوي قصتها الرئيسة من التحفة السينمائية Laura عام 1944، التي أخرجها الهنغاري/‏النمساوي أوتو بريمنغر، من بطولة جين تيرني ودانا أندروز، وتخلطها بعناصر من «الصقر المالطي» و«فانيلا سكاي» 2001، ورائعة صهرها كريستوفر نولان Inception عام 2010.
دور جاكمان محدود في محقق خاص بالتوصيفات العامة للشخصية، وهو ما أطفأ وهج نجوميته وقضى على حصة الأسد من الكاريزما التي يتمتع بها، نيوتن مهمة فقط عندما يحتاج إليها جاكمان لإنقاذه، وهذا يتضمن مشهد إطلاق نار طويل بينها وبين العصابة، وبعدها تختفي تقريباً من الفيلم، فيرغسون ممثلة جيدة لكنها ليست الشخصية المناسبة لدور خبيثة الفيلم، التي تستغل المحقق لتحقيق مبتغاها.
تاريخياً، اشتهرت أفلام الجريمة بقصصها المعقدة والمتعددة الطبقات، ووصل الأمر بالتعقيد إلى بروز ظاهرة The Big Sleep، وهو فيلم إصدار عام 1946 ومقتبس من قصة لرايموند تشاندلر، دوخ النقاد والجماهير منذ صدوره إلى هذا الوقت.
آنذاك طلب مؤرخو السينما والنقاد من تشاندلر مؤلف القصة شرح بعض النقاط الغامضة، لكنه قال إنه نفسه لا يستطيع شرح شيء، ولا يعلم كيف ماتت شخصية معينة، وهل كان موتها حادثاً أم جريمة قتل! فريق آخر من المؤرخين قال إن القصة معقدة لكنها ليست مستحيلة الفهم، لو شاهد الشخص الفيلم وكتب ملاحظات بورقة وقلم.
كيف نجح ذلك الفيلم رغم تعقيداته؟ الجواب بسيط، لأن المخرج هاوارد هوكس اعتمد على النجومية الطاغية لأسطورتَي السينما آنذاك، همفري بوغارت وزوجته لورين باكول، ما كان جاكمان وفيرغسون بحاجة إليه هنا هو رفع العلاقة إلى مستوى بوغارت وباكول أو بوغارت وبيرغمان.
لهذا السبب كان هوس نيك بالعثور على ماي سطحياً جداً. من الناحية الفنية «ريمنيسنس» فيلم مصنوع بعناية وجدارة، لكن ضعف النص وسوء كتابة الشخصيات نتج عنهما عمل ضعيف ومنسي.


لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

تويتر