يفقد التركيز بين الدراما والتشويق

«ستل ووتر».. أداء مات ديمون ينقذ الفيلم من الفوضى

صورة

اعتدنا على مشاهدة أميركيين ينقذون أميركيين أو العالم في أفلام هوليوود، وهناك قوائم بأسماء أبطال أميركيين أنقذوا أشخاصاً من مواقف مميتة. الفعل البطولي يتطلب شجاعة، وهذه ليست مقتصرة على الأميركي فقط، وستجدها في أكثر من مجتمع، لكن الأميركي لديه الأدوات والإمكانات لصنع قصص بطولية.

في هذا الفيلم بيل بيكر (مات ديمون) يريد إنقاذ ابنته المتهمة بجريمة قتل زميلتها في سكن الجامعة بمدينة مرسيليا الفرنسية. الفيلم من إخراج توم مكارثي، الذي يستحق أن نقف أمامه طويلاً، لأنه يتنقل بين التمثيل وكتابة النصوص والإخراج، ورغم ذلك ليس نجماً، لأنه يعمل في الأفلام المستقلة.

صنع مكارثي عدة أفلام مستقلة لاقت إعجاباً شديداً، لكن لحظته جاءت فقط منذ ستة أعوام، عندما خطف أوسكار أفضل فيلم من المكسيكي المبدع أليخاندرو غونزاليس إيناريتو، في فبراير 2016 كان الجميع يتوقع فوز إيناريتو للمرة الثانية على التوالي، عن فيلم The Revenant «العائد من الموت»، لكن مكارثي جاء من الخلف بفيلم Spotlight وخطف الأوسكار!

«سبوتلايت» كان فيلماً عادياً جداً عن وحدة تحقيق صحافي تكشف فضيحة كنيسة لها تاريخ تحرش جنسي بالأطفال. «ستل ووتر» بالمقابل فيلم تشويقي في قالب دراما أو العكس. تركيبته غريبة ولن يرضي الجميع وسنعود إلى هذه النقطة لاحقاً.

القصة مقتبسة دون الإشارة مباشرة إلى مصدر الاقتباس من قضية أماندا نوكس، طالبة أميركية اتهمت بقتل زميلتها البريطانية ميريديث كيرشر في سكن الجامعة في إيطاليا عام 2007 وبرئت في 2015.

دفعت أليسون (أبيغيل بريسلن) ببرائتها وكتبت رسالة إلى محاميتها تطلب منها التحقق من دليل برز، أخيراً، يحسم براءتها. لكن أليسون لا تريد من والدها التدخل لأنها لا تثق به. الوالد هنا هو مات ديمون في دور مواطن أميركي عادي من ولاية أوكلاهوما أي من الوسط الأميركي.

ليس متعلماً سوى ما يكفي لمحو أميته، ويعمل في حقل بترول، أو الأعمال الشاقة كالمقاولات حسب الوظيفة المتوافرة. يرتدي قميصاً قصير الأكمام وعلى ساعده وشم صقر. الكلمات التي تكتبها أليسون صعبة التقبل بالنسبة لوالدها، لكن المشاهد يتوقع منه التدخل وإلا ماذا يفعل مات ديمون هنا؟

لماذا اختار مكارثي أن يروي هذه القصة تحديداً؟ ولماذا اختار نجماً لأداء دور مواطن أميركي عادي؟ في تصريحاته قال: «إنه يريد صنع فيلم غموض تجري أحداثه في مدينة ساحلية على البحر الأبيض المتوسط».

يروي مكارثي قصته من وجهة نظر بيكر، لكنه يدعو المشاهد إلى استكشاف الشخصية من وجهة نظر الشخصيات الأخرى، خصوصاً الأم العزباء فيرجيني (كاميل كوتين) التي تصبح صديقته.

بيكر ليس سائحاً وليس مهتماً بتعلم الفرنسية، رغم مكوثه في فرنسا ستة أشهر أو أكثر ليست كلها لإنقاذ ابنته، وهذه إحدى غرائب نص هذا الفيلم. بيكر ليس الأميركي النمطي البشع الذي تبرزه الصحافة اليسارية الأميركية لإدانة انتخاب الرئيس السابق دونالد ترامب.

يصلي بيكر باستمرار وهو مؤدب ويؤمن بفعل الشيء الصحيح. وإذا قالت ابنته إنها بريئة، فإن الشيء الصحيح لهذا الأميركي الذي يخاف الله، والذي يؤمن بأحقية امتلاك الأسلحة الشخصية في بلده هو إثبات براءتها.

هذا الفيلم يستطيع أي شخص كتابته في هوليوود، لكن مكارثي اتخذ قراراً ذكياً بإسناد جزء من النص إلى أفضل كاتب نصوص في فرنسا توما بيداغان وزميله نوي دوبغي. والنتيجة كما أسلفنا فيلم بتركيبة غريبة!

غريبة لمن يتوقعون مشاهدة فيلم أميركي تقليدي لأب يريد تبرئة ابنته ويلاحق المجرم الحقيقي بمسدسه بحثاً عن العدالة، وهذا السيناريو يصلح لفيلم من بطولة مواطنه مارك وولبيرغ، علماً أن ديمون ووولبيرغ من الولاية نفسها.

لدينا فيلم شبيه لـ«سبوتلايت» من ناحية شخصية تطرق الأبواب بحثاً عن إجابات، ولابد أن هذا الجزء الذي كتبه مكارثي، ومن ناحية أخرى فيلم يبحث الفروقات الثقافية والعرقية بين أوكلاهوما ومرسيليا.

أثناء بحثهما عن القاتل الحقيقي يسأل بيكر فيرجيني لماذا لا نستطيع دخول هذه المنطقة ؟ هل لأننا بيض؟ فتجيبه باستغراب: «بالطبع لا، لكن لأننا لسنا من هنا». والمنطقة المقصودة تسكنها غالبية مسلمة من العرب والأفارقة.

مشهد آخر تسأل فيه صديقة فيرجيني وهي عربية بيكر: «هل صوت لترامب؟ فيجيب كلا، التصويت غير مسموح لي لأني من أصحاب السوابق و دخلت السجن».

الفيلم متوازن من ناحية إبراز بيكر كشخصية غير عنصرية ويقبل التعاون مع عرب مرسيليا لإثبات براءة ابنته. وفي إبراز شخصيات فرنسية من البيض ترفض التعاون في البحث لو علمت أن ذلك قد يتسبب في زج أي عربي بالسجن ظلماً بسبب العنصرية، علماً أن القاتل حسب أليسون عربي يُدعى (حكيم).

التركيبة الغريبة للفيلم تبدأ في منتصفه عندما يتغير اتجاهه تماماً من فيلم عن أب يريد تبرئة ابنته إلى أب يريد الاستقرار في فرنسا بعد ارتكابه أخطاء

وترفض الابنة مساعدته. هنا ينسى المشاهد موضوع البحث عن (حكيم) ونبدأ في الاندماج في العلاقة الجديدة الناشئة بين بيكر وفيرجيني وابنتها، بعد أن ينتقل للسكن معهما بصفته مستأجراً.

ثم تحدث مصادفة ويرى بيكر (حكيم) في مكان عام ويلحقه ونعود لجزئية البداية، وهنا المحير في الفيلم! ماذا نشاهد بالضبط دراما أو تشويقاً؟ من الممكن خلط الاثنين، لكن ليس بهذه الطريقة، حيث يضيع التركيز وتكثر الأسئلة.

في نهاية الفيلم يحدث شيء لا يصدق ويصلح فيلماً آخر بعيد تماماً عن أحداث هذه القصة. هذا فيلم أداء وهناك عمق في القصة، لكن مكارثي بإسناده الكتابة إلى ثلاثة أشخاص هو رابعهم - وقلنا سابقاً كلما زاد عدد كتاب السيناريو ازدادت نسبة حدوث فوضى في النص - ومكارثي لا يستطيع دمج كل الأجزاء مع بعضها، والفوضى اقتربت من الحدوث، وعند البعض قد حدثت بالفعل، لكن شيئاً واحداً ساعد في تماسك الفيلم هو أداء بطله ديمون.

بعبارة أخرى، شاهد هذا كفيلم تستكشف فيه أبعاد شخصية بيكر من أب يريد تعويض فقدان أسرته إلى رب أسرة عندما يشارك فيرجيني وابنتها السكن، ويبدأ بالاهتمام بالطفلة لتعويض ماضيه، ولا تشاهده فيلماً تشويقياً، لأنه يفقد التركيز بين الدراما والتشويق.

• هذا الفيلم يستطيع أي شخص كتابته في هوليوود، لكن مكارثي اتخذ قراراً ذكياً بإسناده إلى أفضل كاتب نصوص في فرنسا.

• ماذا نشاهد بالضبط دراما أو تشويقاً؟ من الممكن خلط الاثنين، لكن ليس بهذه الطريقة، حيث يضيع التركيز وتكثر الأسئلة.

للإطلاع على الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

تويتر