مقتبس من مذكرات محارب في العراق

«تشيري».. الأخوان روسو يقعان في فخ «القصص المصورة»

صورة

انهمك الأخَوان روسو (جو وآنثوني روسو) في صنع أفضل أفلام عالم مارفل السينمائي خلال السنوات السبع الماضية، وكانا جزءاً لا يتجزأ من قصة نجاح مارفل والحقبة الذهبية لأفلام الأبطال الخارقين. فخرجت من جعبتهما أربعة أفلام: كابتن أميركا: جندي الشتاء، كابتن أميركا: حرب أهلية، وآفنجرز بجزئيه.

هذه المرة تراجع الأخَوان عما عهدناه منهما وصنعا فيلماً رفضته استوديوهات هوليوود، فاشترته منهما شركة أبل. فيلم Cherry، واقعي ومقتبس من قصة حقيقية منشورة في مذكرات نيكو وولكر، بخلاف أعمالهما السابقة المقتبسة من قصص مصورة خيالية.

هذه المرة تشاركهما شقيقتهما أنجيلا روسو في كتابة النص مع جيسيكا غولدبيىرغ، وأسندت البطولة إلى توم هولاند الذي تعاون مع الأخوين في مشروعاتهما السابقة وجسّد سبايدر مان الجديد، وهذه المرة يريد إثبات جدارته في دراما حقيقية بعيداً عن مراهقة الرجل العنكبوت.

يبدأ الفيلم بقصة حب، ثم يتحول إلى فيلم حربي تقليدي مع مقطع تدريب الجنود الذي حفظناه عن ظهر قلب، وللأسف دون الراحل رونالد لي إيرمي، العسكري الذي تحول إلى ممثل اعتدنا ظهوره في أدوار عسكرية منذ عام 1987.

ثم يتحوّل الفيلم إلى دراما إدمان واضطراب ما بعد الصدمة، وينتهي بالسطو على بنوك. وعلى الرغم من أن نبرته ظلامية ومادة الفيلم في منتهى الجدية، إلا أن الفيلم يستغل بعض المشاهد للكوميديا السوداء، لتجنّب مصير فيلم هولاند السابق «الشيطان كل الوقت» المعروض على «نتفليكس»، والذي كتبنا عنه هنا في سبتمبر الماضي.

يبدأ الخط الزمني للفيلم في بداية الألفية بعرض تفاصيل العلاقة الرومانسية بين تشيري (هولاند) وإيميلي (كيرا برافو). عندما تفاجئ إيميلي تشيري بإنهاء علاقتها معه والرحيل إلى تورنتو، يقرر هو الانخراط في الجيش.

بعد ذلك تعترف إيميلي أنها تركته لأنها وقعت في حبه وكانت خائفة من الخوض في العلاقة. يتصالحان ويتزوجان وتوافق هي على انتظاره بينما هو يخدم في العراق. يعود تشيري من العراق بمشكلات نفسية تسبب له أرقاً وكوابيس.

يذهب إلى طبيب فيكتب له وصفة دواء تحتوي على الأفيون. تشيري بلا وظيفة ومدمن مخدرات وتلحق به إيميلي إلى حياة الإدمان. والإدمان بحاجة إلى مال، فيبدأ بالسطو على بنوك، وعندما يكتشف أن الموضوع أسهل ممّا توقع، يقرر الاستمرار في السطو.

يحسن الفيلم عمل أشياء كثيرة، لكن الوقت لا يسعفه لإتقانها، الفيلم مقسم لأقسام عدة وكأنه رواية، كل قسم أو جزئية مكررة أو مستنسخة من فيلم آخر قدمها بشكل أفضل، لأنه منحها مساحة كافية وغاص بها أبعد من السطح.

الإيقاع ليس مشكلة في الفيلم، لكن المشكلة في السرد. تشيري طويل جداً (ساعتان و20 دقيقة) ليس بسبب قصة يحاول إعطاءها طابعاً ملحمياً، لكن بسبب الأجزاء التي يسردها بطل القصة بصوته ويكرر فيها ما تقوله الصورة بوضوح. يعني لو رقص مع إيميلي سيقول إننا نرقص! وهذا تحديداً أضعف جودة النص. بالضبط كما يفعل ألان سوركين الذي يكرر التكرار بثرثرة تكرر ثرثرة.

يُسرد تشيري من وجهة نظر بطل القصة ما يضع هولاند وأداءه في الصدارة. يقدم هولاند أداءً غنياً متنوعاً، من طالب إلى مجند مستجد إلى جندي مقاتل في الجبهة إلى مدمن عاطل عن العمل.

تشيري من ناحية التوصيف يقدم لنا شخصية متكاملة بأطوارها المتعددة، وتشيري الشخصية الوحيدة المكتوبة بهذا الشكل، أما إيميلي فمساحتها محدودة وشخصيتها ليست مكتوبة بالشكل المطلوب، لكنها رغم ذلك تعطي أفضل ما عندها.

تعامل النص مع إيميلي ليس منصفاً، فهي ضحية إدمان تشيري ومصيرها تراجيدي بسببه. معاناتها معه نابعة من حبها له. هي ضحية صامتة تختار الإدمان معه لأنها لا تطيق أن تعيش معه في حالة الصحو وهو عاطل عن العمل.

من الشخصيات الأخرى التي تمر في طريق تشيري فإن الوحيد الذي يترك انطباعاً لافتاً هو تاجر المخدرات الملقب «بيلز آند كوك» (جاك رينور- في محاولة لتقليد سيث روغين).

رغم أن الأخوين روسو يقدمان فيلماً واقعياً إلا أنهما لم يتمكنا من التخلص من تأثير أفلام القصص المصورة (كوميكس) بشكل كامل. يستخدم تشيري قالباً فنياً يصلح لأفلام باتمان وسبايدرمان وليس فيلماً مقتبساً من مذكرات محارب في العراق.

مثلاً، عندما تصرخ شخصية في قصة مصورة فإن ما تصرخ به يُكتب بشكل كبير يغطي وجهها على الصفحة، وهنا يحدث الشيء نفسه، خصوصاً في مشهد تدريب المجندين، يصرخ المدرب فتظهر الكلمة التي يقولها وتغطي الشاشة بأكملها.

عندما يسطو تشيري على البنوك تظهر أسماء البنوك خلفه أو أمامه بشكل واضح، واسم كل بنك تم التلاعب به ليظهر كأنه كلمة بذيئة أو شتيمة للمؤسسة المالية، وهذه حركة مستعارة من القصص المصورة.

يحاول الأخَوان روسو الوصول إلى نقطة معينة كانت ستجعل الفيلم تحفة، لكنهما يعجزان قبل الوصول إليها بقليل. كنتيجة فإن تشيري فيلم طموح، لكنه ليس فيلماً ناجحاً بالشكل المطلوب.

يستحق المخرجان الإطراء لقدرتهما على حياكة قصص وقضايا معاصرة عدة يعانيها الفرد الأميركي في قصة واحدة، لكن الوقت يخونهما، فالفيلم هذا يستحق ثلاث ساعات بالنسبة لمادته الثقيلة والغنية والمتشعبة.

• يبدأ الفيلم بقصة حب ثم يتحول إلى فيلم حربي تقليدي.. ثم إلى دراما إدمان واضطراب.. وينتهي بالسطو على بنوك.

• يستحق المخرجان الإطراء لقدرتهما على حياكة قصص وقضايا معاصرة عدة يعانيها الفرد الأميركي في قصة واحدة.

للإطلاع على الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

تويتر