يمزج صنفين من سينما الرعب

«ذا رينتل».. قصة تقليدية بأسلوب مبتكر وفنّيات رائعة

صورة

كم مرة شاهدنا فيلماً عن مجموعة أصدقاء أو أزواج يتجمعون في بيت ريفي أو معزول أو حتى وسط المدينة، ويتحدثون عن أمور عامة، ثم خاصة، ثم تنكشف أسرارهم، ويتحول الفيلم كله إلى صراع إرادات، وسط صراع أكبر ضد قاتل من بينهم أو يدخل عليهم.

لو تتبعنا جذور هذه الأفلام لربما انتهينا عند Who’s Afraid of Virginia Wolf أو Cul-du-Sac لمايك نيكولز ورومان بولانسكي في الستينات، أو ذا أوسترمان ويكند لسام بكنباه في الثمانينات، ومن الزمن الحديث «كابين إن ذا وودز» 2011 و Coherence عام 2014 أو The Invitation في 2015 و Mother لدارين أرونوفسكي عام 2017، وهذا الفيلم The Rental.

هذا صنف كلاسيكي يأتي بطريقتين، الأولى هي ذروة الصراع النفسي، والثانية الاكتفاء باللعب في منطقة التشويق الرخيص. المميز في هذا الفيلم ــ وهو التجربة الإخراجية الأولى للممثل الشاب ديف فرانكو، شقيق جيمس فرانكو، وقد ظهرا معاً في الفيلم الكوميدي الممتع «الفنان الكارثة» 2017 ــ أن فرانكو صنع فيلماً تقليدياً بأسلوب مبتكر، أي كأننا نشاهد فيلم رعب تقليدياً بطريقة لم نعتدها سابقاً.

الفيلم مخادع من مشهده الأول، يعطينا مشهداً نفهمه بشكل معين، ثم يقلبه رأساً على عقب، لنعيد حساباتنا وفقاً للمتغيرات. يعني كأنه يقول لنا إننا نشاهد فيلم رعب مكرراً، وبمجرد أن يعتاد عقلك على التكرار، وتكاد أن تنشغل بشيء آخر، ينقلب المشهد، فيعود عقلك أدراجه، ويعود التركيز مجدداً. بالضبط مثل مباراة كرة قدم، يضيّع المهاجم الذي عودك على التسجيل الفرص، بينما يسجل المدافع الذي لا تتوقع منه ذلك.

تشارلي (دان ستيفنز) يحتفل بنجاح عمل ما في شركته، ويقرر أن يكافئ نفسه وشريكته في العمل وصديقته مينا (الأميركية من أصل إيراني شيلا فاند) باستئجار بيت جميل معزول بالقرب من غابة عن طريق خدمة Airbnb. من المشهد الأول نرى مينا محتضنة تشارلي من الخلف وكأنها شريكة حياته، ثم يدخل عليهما المكتب جوش (جيريمي ألين وايت) شقيق تشارلي، ليتضح أن مينا تواعد جوش، وعلاقتها مع تشارلي مجرد صداقة وشراكة عمل.

المشهد التالي نرى تشارلي مع زوجته ميشيل (أليسون بري زوجة مخرج الفيلم)، يتحدثان عن خطة استئجار البيت الجميل ليومي إجازة نهاية الأسبوع، ويخططان لتمضية الإجازة في المشي في الغابة المجاورة للبيت، والشرب وتعاطي المخدرات - غير واضح إن كانت مقننة - والاستحمام في حوض الجاكوزي في فناء المنزل.

من البداية تظهر علامات أن شيئاً ما سيحدث، سواء في ما يتعلق بالعلاقة بين تشارلي وميتشيل أو جوش ومينا أو بمكروه يقع في أي لحظة أثناء وجودهم في هذا البيت. تشكو مينا أنها حاولت استئجار البيت بنفسها، لكن طلبها قوبل بالرفض على الإنترنت من قبل مدير البيت، ويدعى تيلر (توبي هاس).

لكن عندما كرر تشارلي محاولة الاستئجار تم قبول طلبه. هل رفض طلب مينا لأنها من دولة شرق أوسطية؟ الجواب يأتي إيحائياً من تيلر عندما بادرها بمجرد أن رآها بهذا السؤال: كيف تخالطين هؤلاء؟ أي الأميركيين البيض.

لا يوجد أي شك في أن الرجل عنصري بشكل مقزز، وتظهر علامات غضب مكتومة على وجوه الأربعة. يخبر تيلر الأربعة أنهم لو أحضروا معهم منظاراً لاستمتعوا بالنظر إلى النجوم، ويبلغهم أن لديه منظاراً سيحضره إليهم لو رغبوا في ذلك. يخرج الأربعة لاستكشاف المنطقة بعد إقفال المنزل، وعندما يعودون يفاجأون بأن تيلر دخل ووضع المنظار في وسط الصالة!

من الواضح جداً أن فرانكو وكاتب النص جو سوانبيرغ يلمّحان بقوة إلى أن خدمة Airbnb المذكورة غير آمنة، لأن المؤجر يمتلك مفاتيح الوحدة السكنية، ويستطيع دخولها في أي وقت.

ولم يتردد فرانكو في التصريح بأن فكرة استئجار المنازل المستخدمة، والتي يستخدم أصحابها المساحات غير المستغلة منها لكسب أموال عن طريق التطبيق، غير مريحة له، لأن الفكرة حسب كلامه: «نحن نقبل بتمضية وقت في منزل شخص غريب سمح لنا بالإقامة لديه مقابل مالي، لكنه يمتلك مفاتيح غرفنا، ويستطيع الدخول علينا في أي وقت».

حوّل فرانكو شعوره بعدم الارتياح للفكرة إلى فيلم رعب فريد من نوعه في نظر البعض، ومنهم كاتب هذا الموضوع. نحن نعلم أن هؤلاء الأربعة سيفترقون حتماً في المستقبل من خلال الشروخ التي تبرز في علاقاتهم أثناء إقامتهم في هذا البيت، لكن السؤال: هل سينجون من تجربة إجازة نهاية الأسبوع هذه التي تدور خلالها أحداث الفيلم؟

يعيد «ذا رينتل» إلى الذاكرة النسخة الأميركية من فيلم Funny Games عام 2007، من إخراج مايكل هنكه، وهي إعادة من النسخة النمساوية الأصلية لنفس الفيلم والمخرج. فرانكو مثل هنكه، وليس مستبعداً أنه تأثر به، مهتم بإبراز العنف الجسدي كأنه عقوبة للمشاعر المحطمة للشخصيات.

عنصر الشر الظاهر في الفيلم هو تيلر، لكن هل تلميحاته العنصرية تعكس نواياه؟ من الأفضل عدم الإجابة عن هذا السؤال في هذه القراءة، لأن هذا الفيلم يستحق تجربة الاستكشاف.

للبعض، ومنهم كاتب هذا الموضوع، «ذا رينتل» يبدو جزئياً فيلماً أصلياً، لأنه يمزج بذكاء وبشكل مقنع صنفين فرعيين من سينما الرعب، الأول الذباح Slasher، والثاني found footage، أفلام كاميرات المراقبة، وهو ما يعبر بشكل مباشر عن مخاوف فرانكو تجاه التطبيق المذكور.

يظهر فرانكو واثقاً بفيلمه في تجربته الإخراجية الأولى، يعرف ما يريد التعبير عنه، وكيف يعبّر عنه باستخدام اللقطات المناسبة والأطر الملائمة لكل مشهد. يعرف كيف يستخرج الأداء المناسب من ممثليه، ومتمكن حتى من التفاصيل الفنية.

يعرف فرانكو كيف يوظّف عناصر الرعب، وكيف يعبّر عن الغموض، ولا يخفي تأثره بسينما الجريمة في عز أيامها في أربعينات القرن الماضي، وتأثره بموجتها الجديدة في منتصف السبعينات، كل هذا ترجمه فرانكو في لقطات فنية لا تقل عن وصف رائعة. الكثير من الممثلين والمخرجين المبتدئين ينطلقون بتجاربهم الإخراجية الأولى بالاكتفاء بتقليد أفلام شاهدوها، ولكن فرانكو على العكس، فهو يضع بصمة واضحة على فيلمه بجعله عملاً خاصاً به، رغم أنه مصنوع من عناصر معروفة مسبقاً.

بكلمات أخرى، الفيلم مخادع من لقطته الأولى وحتى الأخيرة، فكلما ظننت أنه متجه في مسار معروف، يخالف توقعاتك، وكأن فرانكو يقول من البداية: أنتم تعرفون «الطبخة»، لكنني أصنعها بطريقة أخرى، وبالتالي مذاقها مختلف، لكنها العناصر نفسها التي رأيتموها وتعرفونها جيداً. تحذير: هذا الفيلم مزعج جداً.

للإطلاع على الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.


• يظهر فرانكو واثقاً بفيلمه في تجربته الإخراجية الأولى، يعرف ما يريد التعبير عنه وكيف يعبّر عنه.

• الفيلم مخادع من لقطته الأولى وحتى الأخيرة، فكلما ظننت أنه متجه في مسار معروف، يخالف توقعاتك.

تويتر