يحمل أصداء مسلسل «لعبة العروش»

«الملك» يُغضِب عشّاق شكسبير ويحكم الجمهور

صورة

عند ذكر كلمة ملك؛ فإن أول صورة تتبادر إلى الذهن هي رجل يضع تاجاً على رأسه، ملتحٍ، على وجهه وقار وهيبة، وربما حكمة أو غرور، يرتدي ثياباً فاخرة، ويمسك بيده صولجاناً، وهو جالس على عرش ومن حوله الحاشية.. هذه الصورة النمطية لأي ملك من التراث الأدبي الأوروبي أو كما نشاهد في المسلسلات والأفلام التاريخية.

لكن فيلم The King (الملك) من إنتاجات نتفليكس الأصلية، يتخلص من هذه الصورة النمطية، ونرى أمامنا شاباً في مقتبل العمر، يرتدي قميصاً وبنطالاً، يرث عرش والده، إنه هنري الخامس، ملك إنجلترا في القرن الـ15، حسب مسرحية أو مجموعة من مسرحيات ويليام شكسبير (هنري الرابع الجزآن الأول والثاني وهنري الخامس) المقتبس منها هذا الفيلم.

في القرن الـ15 كان معدل عمر البشر في إنجلترا 35 عاماً، وهي السن التي توفي فيها هنري الخامس، وبالتالي فإن اعتلاء شاب أو فتاة في عشريناتهم العرش ليحكموا في القارة العجوز - أي قبل زواجهم أو حتى بلا خطط للحفاظ على مكتسبات ممالكهم وامبراطورياتهم - كان أمراً متعارفاً عليه آنذاك.

هنري أمير ويلز، ويسمى هال من قبل أصدقائه المقربين، الابن الأكبر لهنري الرابع (بين مندلسون) ملك إنجلترا، وهو منبوذ ومختلف مع والده، وهجر القصر الملكي، ويمضي حياته في الحانات وبرفقة فتيات الليل. الأمير غير مهتم بحروب والده الداخلية، ولا بخلافته، ولديه صديق واحد هو جون فولستاف (جويل إدغرتون).

يستدعي الملك هنري الرابع ابنه المنبوذ هال، ويبلغه بأن شقيقه الصغير توماس سيرث العرش بدلاً منه. يخرج توماس في مهمة عسكرية لإخماد تمرد هوبستور، لكن هال يعترض تقدم الجيش، ويعرض مبارزة فردية ضد هوبستور لو انتصر هال ينتهي التمرد. ويبلغ هال توماس أن الحكمة من المبادرة القتالية هي أن يحفظ روح شقيقه، ويجنبه موتاً ناتجاً عن حماقة والدهم السياسية.

ينتصر هال على هوبستور؛ لكن توماس يتهم شقيقه بسرقة المجد المنشود من تلك المعركة، ويصر على التقدم تجاه موقع المتمردين، فيلاقي حتفه في ويلز. يمرض الملك هنري الرابع ويموت، وبالمنطق يرث هال العرش، ويصبح الملك هنري الخامس المهادن ذا النظرة السلمية، وإقامة العلاقات الودية مع الجيران.

صعود نجم

يعلم المشاهد المتمرّس والخبير بأعمال شبيهة أن ذلك لن يستمر طويلاً، وإلا ما سبب وجود نجم صاعد مثل تيموثي شالاميه في بطولة فيلم عنوانه «الملك». بزغت نجومية شالاميه بداية هذا العقد، ويظهر أنه سيكون الأبرز ضمن جيل نجوم القرن الحالي، خصوصاً عند النظر في أدواره الماضية، التي كان معظمها أفلاماً مستقلة نافست على أرفع الجوائز.

دور الملك بالنسبة لشالاميه نوعي وجديد، ويختبر قدراته التمثيلية خارج إطار أدوار الشباب التي اضطلع بها، فهنا الدور قيادي في المقام الأول، وبحاجة إلى كاريزما وسلطة وهيبة على الشاشة. نقول إن شالاميه يأتي بنصف متطلبات الدور، بينما تأتي براعة المخرج الأسترالي ديفيد ميتشود بالنصف الآخر.

لدينا دور جميل لملك صاعد لائق تماماً على ممثل صاعد هو الآخر، أي كأن الفيلم يوثق صعود نجومية شالاميه، الذي يؤدي بمشاعره وجسده في الوقت نفسه ربما للمرة الأولى في مسيرته الفنية. يؤدي شالاميه بجسده وبمعاركه وحتى بنظرات عينه الباردة، فما تنظر إليه الشخصية وما تفكر فيه يصبح قصة الفيلم، وهنا يأتي إسهام ميتشود.

تربى في الشوارع

إضافة إلى ذلك، فإن ميتشود (أخرج فيلم جريمة أسترالي بعنوان مملكة الحيوان عام 2010) يقلب الحقيقة المعروفة في الأدب الأوروبي، التي تقول إن القصور تصنع الملوك، أي أن الأمراء يتربون في قصور، ويتولون الحكم منطقياً. بدلاً من ذلك نرى الأمير هنري تربى في الشوارع، ونقلته الظروف السياسية ليرث عرش والده.

بكلمات أخرى، إن الملك بطل القصة لم يعش في فقاعة الغرور والرفاهية والخيلاء، بل جاء من الشارع، حيث كان مخالطاً الشعب، وهذا مصدر قوة الشخصية، وسبب التعاطف معها. معركة هال ضد هوبستور بمثابة مقدمة للملك الصاعد، فهي تعكس أنه تربى في الشارع على يد المحارب المحترف فولستاف.

يمضي مشهد المبارزة الفردية من معركة فرسان إلى قتال شوارعي باللكمات، ومصارعة الأبدان في الوحل، والصورة بأكملها تحمل قصة ملك جاء من الشارع. وحتى مع تقدم أحداث الفيلم، وزحف الملك هنري الخامس وغزوه أراضي المملكة الفرنسية، فإن ملابسه عادية جداً، ولا يرتدي تاجاً، ولا يختلف أبداً عن أفراد جيشه. بعكس الطرف الآخر، وهو ولي العهد الفرنسي دوفين (روبرت باتنسون)، ابن الملك تشارلز السادس ملك فرنسا الذي لا يتحرك إلا بخيمته وخيلائه وغروره يسبقانه بعشرات الأميال.

كتب ميتشود وإدغرتون النص، وأزالا العقد اللفظية الشكسبيرية منه، ليكون مناسباً للجيل الجديد بكل فئاته، وهذا قرار لم يعجب عشّاق المسرحي والشاعر شكسبير، ووصفوه بأنه بمثابة شرب قهوة بلا كافيين؛ لكنه - أي الفيلم - حاز إعجاب الجماهير.

هناك أصداء واضحة لمسلسل «لعبة العروش» في «الملك»، ولا يمكن القول أبداً إن «نتفليكس» صنعت الفيلم دون استغلال الضجة والهوس اللذين أحدثهما المسلسل. المعركة الطاحنة التي خاضها هنري الخامس ضد جيش دوفين مشابهة إلى درجة تقترب من التطابق لمعركة جيشي الابنين غير الشرعيين في الحلقة التاسعة من الموسم السادس لذلك المسلسل، الفرق أن معركة الفيلم أصغر وأقصر.

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.


باتنسون كاد يسرق الأضواء

قدم روبرت باتنسون أداءً جميلاً، رغم ظهوره المحدود، وكاد يسرق الأضواء من شالاميه، وقدمت ليل روز ديب ابنة الممثل جون ديب أفضل أداء لها في هذا الفيلم في دور كاثرين شقيقة دوفين.

لا يمكن القول أبداً إن «نتفليكس» صنعت فيلم «الملك» دون استغلال الضجة والهوس اللذين أحدثهما مسلسل «صراع العروش».

3

يعد «الملك» ثالث فيلم يتناول شخصية هنري الخامس، فقد سبقه فيلم «هنري الخامس» من بطولة وإخراج لورنس أوليفيير عام 1944، وفيلم بالعنوان نفسه بالضبط لكينيث براناه بطلاً ومخرجاً عام 1989.

يقلب ميتشود الحقيقة المعروفة في الأدب الأوروبي، التي تقول إن القصور تصنع الملوك.. لنرى الأمير الذي تربى في الشوارع، ونقلته الظروف ليرث عرش والده.

تويتر