يحمل انتقاداً للمجتمع الأميركي

«فوكس لوكس».. أغرب فيلم غنائي في تاريخ هوليوود

صورة

يبدأ فيلم Vox Lux بمشهد قوي وعنيف وصادم لن ينساه المشاهد حتى يخرج من العرض، مشهد جريمة قتل أقوى من مشاهد مماثلة في أفلام عصابات! ونحن نتحدث هنا عن فيلم دراما غنائي لا يمت للجريمة بصلة، على الأقل من ناحية التصنيف الرسمي.

- «سلست» شخصية مركبة من بقايا شخصيات حقيقية، اقلبها من جهة قد ترى بريتني سبيرز، اقلبها للجهة الأخرى قد ترى لمحة من كيتي بيري. انظر إليها من زاوية أخرى وسترى تيلر سويفت أو ليدي غاغا، أغمض عينك قليلاً وستتراءى لك ويتني هيوستن.

- هذا فيلم شجاع  في حقبة سينما  جبانة تخشى التجديد والتجريب.

يبدأ الفيلم بغمس المشاهد في لقطة طبيعية جداً: معلمة في مدرسة ثانوية عام 1999 تحاول تهدئة طلابها الذين عادوا للتو من إجازة طويلة كي تبدأ الدرس. الكاميرا مسلطة على وجه المعلمة، ولا نرى الطلاب لكن نسمع ثرثراتهم، ونلحظ تكاسلهم في الرد على أسئلتها.

يدخل شاب الفصل يطلق النار، يرتكب مجزرة وينتحر، تنجو سلست (الإنجليزية رافي كاسيدي) من الحادث، وتدخل مرحلة قاسية من عذاب العلاج وإعادة التأهيل من إصابتها الجسدية، والحالة النفسية التي تمرّ بها منذ وقوع الحادث. تذكروا، حتى الآن هذا فيلم غنائي!

لكن لا يبدو أن الوقت يعالج كل الجروح، وإنما يحولها إلى ندوب، إذ تحاول سلست تجاوز الحادث المؤلم، وتقرر تقديم أغنية لتكريم الموتى في حفل التأبين. تتحول الأغنية إلى هوس وطني بين يوم وليلة، وتدفع بسلست إلى النجومية كالصاروخ.

في حياة سلست شخصان فقط: شقيقتها الكبيرة المهملة إلينور (ستيسي مارتن)، ومدير أعمالها صعب المراس، ليس له اسم في الفيلم، ويجسده الإنجليزي، جوود لو. تلتقي سلست بشاب يعمل في المجال نفسه (الموسيقى)، وتتطور العلاقة بينهما وتنتهي بالحمل، وهي لاتزال في سن المراهقة، ثم تنزلق إلى عالم إدمان المخدرات. رغم كل هذا فإن الفيلم لايزال غنائياً!

ندخل الدقيقة 52، بالضبط منتصف الفيلم، نرى سلست في عمر 31 عاماً، سنة 2017، تجسدها الآن النجمة الأميركية، ناتالي بورتمان، سلست هنا مزاجية جداً، وفظة في التعامل، وحساسة لأبعد حدود، تراها غاضبة جداً في لحظة ومنهارة تماماً في أخرى.

سلست في هذه الجزئية من الفيلم لا تعيش كابوس الحادث الذي نجت منه، لكن كابوسها الحالي هو ألبرتين، ابنتها التي تتألم لأنها لم تتفرغ لها كي تحسن تربيتها. المفاجأة الطريفة أن كاسيدي تعود في هذه الجزئية لتمثل دور الابنة! ومازال هذا فيلما غنائياً! تبدأ سلست جولة غنائية ترفض رفضاً قاطعاً أن تطلق عليها رحلة عودة، لأنها حسب كلامها في مقابلة صحافية لم تتوقف عن الغناء. تمنح الجولة بطلة الفيلم فرصة للانغماس في حالة إعجاب جمهورها بها، وهو الشيء الوحيد الذي له معنى عندها، هنا أصبح هذا فيلما غنائياً!

الفيلم من كتابة و إخراج برادي كوربيت، وهو ثاني فيلم له بعد The Childhood of a Leader، أو «طفولة قائد» أحد أقوى أفلام 2016، حيث احتوى على عناصر مشابهة لهذا الفيلم، لكنه كان أشد غرابة، وغامضاً مع نهاية مزعجة جداً.

نعود إلى البداية لنشرح سبب غرابة هذا الفيلم الغنائي، يتألف الفيلم من ثلاثة أجزاء: المقدمة (حادثة إطلاق النار) عام 1999، ثم جزء أول يسمى التكوين عام 2001 وكاسيدي في دور سلست، جزء ثانٍ يسمى إعادة التكوين عام 2017 وبورتمان تأخذ البطولة من كاسيدي وتنتقل الأخيرة إلى دور الابنة، ثم الخاتمة وهي انطلاقة الجولة الغنائية.

يمر الفيلم سريعاً على هجمات سبتمبر الإرهابية، ولا يلتفت إليها لأن قوته الحقيقية تكمن في الصورة التي تتجسد فيها الشخصية الرئيسة فيه، والأهم أن التجسيد لا يتجاوز في عرض النتائج بعيدة المدى لما جرى في حادثة المدرسة من جهة، ولا يتجاوز بالغوص في حالة إدمان سلست. ما يهم كوربيت هنا هو إثبات كفاءة سلست رغم صدمات حياتها، والمحافظة على أداء كاسيدي، الذي يلتحم بشكل جميل جداً بعد خروجها من الجزء الأول، وإعادة دخولها في الثاني، في سلاسة رهيبة قد لا تنجح بالضرورة مع مخرج آخر، سلاسة راعت 16 عاماً من فارق العمر بين بورتمان وكاسيدي.

ينطلق الجزء الثاني بحادث إجرامي على غرار الأول، فقد ارتدى إرهابيون أقنعة تشبه قناعاً ارتدته سلست، في فيديو ترويجي لإحدى أغانيها ببداية الألفية، وأطلقوا النار على مرتادي شاطئ بحر وقتلوا ما يقارب 15 شخصاً.

تضطر سلست وحاشيتها إلى الخوض في الأمر بمؤتمر صحافي، وبالنسبة لها شخصياً فإن الأمر أصبح معقداً: هل اختار الإرهابيون أقنعتهم لإعجابهم بقناع سلست في تلك الأغنية، أم لمعرفتهم بتاريخها مع حادثة مدرستها، أم هي مجرد مصادفة؟ بكلمات أخرى.. هل ألهمت ضحية حادثة المدرسة هؤلاء الإرهابيين لارتكاب جريمة؟ بقدر ما تبدو المصادفة غريبة، فإن الأغرب أن كوربيت لا يجيب عن السؤال أبداً، ويتركه هكذا ليتأمله المشاهد. هناك انتقاد للمجتمع الأميركي الذي يحوّل كل مأساة إلى تجارة، وهذه فكرة الفيلم الرئيسة، وهي خروج سلست، النجمة الغنائية، من رحم حادث مدرستها، التي ينقلب عليها المخرج في الجزء الثاني منه، عندما يلبس الإرهابيون الأقنعة المستلهمة من قناع أغنية سلست.

شخصية سلست مركّبة من بقايا شخصيات حقيقية، اقلبها من جهة قد ترى بريتني سبيرز، اقلبها للجهة الأخرى قد ترى لمحة من كيتي بيري. انظر إليها من زاوية أخرى وسترى تيلر سويفت أو ليدي غاغا، أغمض عينك قليلاً وستتراءى لك ويتني هيوستن.

وهذه الأخيرة هي النموذج الأقرب لسلست، لأن هيوستن أدمنت المخدرات ولم تتعافَ من إدمانها قط، وأنجبت فتاة لم تحسن تربيتها وكانت متألمة جداً من عدم قدرتها على الاهتمام بابنتها التي سلكت طريق المخدرات كأمها، ولقت حتفها بجرعة زائدة عام 2015، بعد وفاة أمها بثلاثة أعوام، وبالطريقة نفسها بالضبط. كل هذه التفاصيل بالإمكان مشاهدتها في الفيلم التسجيلي الرائع بعنوان «ويتني»، الذي عرض في بعض صالات الدولة، الأسبوع الماضي. بورتمان الحائزة أوسكار أفضل ممثلة عن دورها في رائعة دارين أورونوفسكي Black Swan «البجعة السوداء» عام 2010، لم تتوانَ قط عن أداء الأدوار الصعبة. كاسيدي رائعة هي الأخرى كضحية مصدومة جريحة من حادث مدرستها، وابنة مجروحة من عدم اهتمام والدتها بها.

مشكلة هذا الفيلم الوحيدة هي صوت وليم دافو، الذي يروي القصة بعد نهاية جزء وبداية آخر. راوي القصة يقرأ خطاباً طويلاً مليئاً بحقائق لا تلتفت لقطات الفيلم إليها أبداً، ويحوي كلاماً فلسفياً غامضاً لا تحتاج إليه مادة الفيلم إطلاقاً، لا يضرّ، صحيح، لكنه كقطع شحم على جسم رشيق.

هذا فيلم غريب جداً، وتجريبي في أجزاء منه، هذا فيلم شجاع في حقبة سينما جبانة تخشى التجديد والتجريب، هذا قد يكون أغرب فيلم غنائي في تاريخ هوليوود، وهو جميل ويستحق المشاهدة والتأمل.

تويتر