ثاني فيلم عن عصابة نسائية هذا العام

«أرامل».. دراما حزينة ومتفائلة رغم التناقضات

صورة

وقف صانع الأفلام البريطاني ستيف مكوين، الحائز أوسكار أفضل فيلم ومخرج عن «12 عاماً من العبودية» عام 2013، على المنصة في مهرجان تورنتو السينمائي منذ شهرين، وقدم فيلم Widows أو «أرامل»، مشدداً على أهمية تأليف أفلام في عالم من شخصيات حقيقية ومألوفة.

تصريح مكوين صحيح تماماً، وهو السبب الأول الذي يجعلنا «نعيش الأفلام»، لكن أن يأتي هذا الكلام من رجل صعد المنصة ليقدم فيلم سرقة، فذلك يعكس أن مكوين لم يشاهد أفلام سرقة سابقاً، رغم أننا متأكدون أنه شاهد، لأن هذه النوعية من الأفلام موجودة بالقالب الكلاسيكي نفسه الذي وضعه الراحل جون هيوستن، في رائعته «غابة الإسفلت» عام 1950.

القالب كالتالي: تجتمع شخصيات لإعداد وتنفيذ خطة سطو مسلح، تلك الشخصيات يائسة بسبب رداءة الوضع الاقتصادي، وبعضها خارج للتو من السجن، ويعاني صعوبة الحصول على وظيفة، لأن المجتمع لا يتقبله، فتحتضنه عصابة، ما يعكس سخرية الفيلم من الواقع، لكن الفيلم والقصة وكل شيء هو عن السرقة ذاتها، ومدى ذكاء العملية، وكيف ستنفذ، وكيف تتغلب الشخصيات على المفاجآت والصعاب؟ وهنا تأتي المتعة في مشاهدة هذه الأفلام.

لكن «أرامل» كما أشار مكوين هو قصة أخرى، عن ثلاث نساء يتحالفن بعد مقتل أزواجهن في عملية سطو مسلح، لسرقة خمسة ملايين دولار، رغم عدم امتلاكهن الخبرة اللازمة لهكذا عملية، ولا حتى خبرة إجرام أو جرأة حمل مسدس وقتل من قد يعترض طريقهن.

أرامل مقتبس من مسلسل بريطاني عرض عام 1983، وهذا بدوره مقتبس عن رواية لليندا لا بلانت. كتب مكوين نص الفيلم بالتعاون مع الروائية الأميركية المشهورة غيليان فلين، التي اقتُبِسَ عن روايتيها السابقتين الفيلم المشهور Gone Girl عام 2014، ومسلسل Sharp Objects العام الجاري.

تدور أحداث الفيلم في مدينة شيكاغو حالياً، نرى فيرونيكا (فيولا ديفيس) وزوجها اللص المحترف هاري (ليام نيسون)، يعيشان أجواء رومانسية قبل انتقال الكاميرا لمشهد سطو مسلح وتبادل إطلاق نار بين عصابة هاري والشرطة، ثم نرى انفجاراً هائلاً يقتل الجميع.

تترمل فيرونيكا وترث دَيْناً بقيمة مليوني دولار من زوجها، هو في الحقيقة مبلغ سرقه من جمال ماننغ (برايان تايري هنري)، وهو زعيم عصابة على مشارف الدخول في انتخابات على منصب حاكم المدينة. يطلب جمال من فيرونيكا تسييل أصولها وبيع منزلها لتسديد المبلغ الذي سرقه زوجها منه خلال شهر.

جمال بحاجة إلى المال لتمويل حملته الانتخابية ضد جاك موليغان (كولين فيريل)، ابن توم موليغان (روبرت دوفال)، الحاكم الفعلي المتجه للتقاعد والساعي لتوريث ابنه، لأن العائلة تتوارث المنصب منذ 60 عاماً. تكتشف فيرونيكا دفتر زوجها هاري الذي يحوي خططاً تفصيلية عن عملية السطو التالية على خمسة ملايين دولار. تقرر هي تنفيذ العملية لتسديد الدين إلى جمال، وتجند اثنتين من أرامل أفراد عصابة زوجها الهالكين في العملية الفاشلة.

الأولى أليس (إليزابيث ديبيكي)، والثانية ليندا (ميشيل رودريغز)، تتفق الأرامل الثلاث على اللقاء، لكن تتخلف أرملة رابعة هي أماندا (كاري كون). تستعين ليندا ببيل (سينثيا أريفو) جليسة أطفالها التي تعمل في صالون نسائي، لتكون العضو الرابع في العملية.

هذا أول فيلم سرقة ليس عن العصابة نفسها وإنما عن أرامل أفرادها المقتولين، وهو ثاني فيلم عن عصابة نسائية هذا العام بعد الفيلم البائس «أوشنز 8». وربما أول فيلم عن عصابة بلا خبرة عملية. لا يوجد وجه مقارنة إلا من ناحية الفكرة، لأن «أرامل» مستواه أعلى بكثير من أوشنز 8، وهو جدي أكثر وأعمق من ناحية القصة والشخصيات.

كل الأرامل لديهن دوافع قوية للمشاركة في العملية، وأقوى دافع لدى فيرونيكا التي تتعرض شخصية قريبة منها للقتل على يد جيتمي (دانيال كالويا) شقيق جمال، وهو رجل عصابة شرس لا يتورع عن طعن شخص مقعد! كالويا يقدم أداء مختلفاً لا يعلى عليه في أرامل، فلو عدنا بالذاكرة قليلاً فسنجد أنه كان الضحية في فيلم Get Out وكان شخصية عادية في بلاك بانثر، لكن هنا نراه شريراً ومخيفاً يستمتع بالتعذيب والقتل.

تتعرض الأرامل للكثير من المواقف المحرجة والغبية لانعدام خبرتهن الإجرامية، وهنا يبرز دور مكوين في تصوير اللحظات الغبية كعفوية للحفاظ على الجدية، وإبعاد الكوميديا تماماً. في الوقت نفسه يحرص مكوين على إبراز الجوانب العاطفية لكل شخصية، فيرونيكا تتألم من حياتها الحالية، بعد أن فقدت كل شيء في لحظة واحدة وباتت مهددة.

ليندا التي كان زوجها يقامر بالمال مهددة بفقدان محل الملابس الذي تمتلكه، وتحتاج إلى مداخيله لإعالة أطفالها. أليس المرأة المعنّفة التي تعرضت لضرب من زوجها، وأمها التي تضغط عليها لتصبح بائعة هوى عن طريق مواقع إنترنت متخصصة.

تبرز في خلفية الفيلم موضوعات أساسية تتداخل مع القصة الرئيسة، مثل السياسة القذرة وفساد الساسة والواقع الاجتماعي المرير الذي يستغله السياسيون لتمرير أجنداتهم والفوز بمقاعد الحكم. وكذلك العنصرية بين البيض والسود على المستويين السياسي وحتى الشخصي.

رغم حرفية مكوين العالية، إلا أن الفيلم يحوي بعض التناقضات، ولا يشرح نقاطاً مهمة تدعو إلى التساؤل لاحقاً. لا نقول إنه فيلم سيئ، بل هو جيد جداً، لكن المخرج البارع مثل مكوين ينجح في إخفاء عيوب الفيلم أثناء المشاهدة، إلا أن هذا الإخفاء لا يصمد كثيراً بعد نهاية الفيلم.

مثلاً، تنفذ الأرامل العملية بعفوية شديدة، وأخطاء فادحة، ثم يقع مأزق فيتحولن فجأة إلى محترفات، ويتخلصن من المأزق. مثال آخر، نرى مشاهد تدريبية لأليس وليندا على استخدام المسدس، لكن لا نرى تطبيقاً حقيقياً أثناء للعملية، ربما كن مرتبكات، صحيح، لكن هذا فيلم وليس واقعاً، وتالياً فإن لقطات تبادل إطلاق النار مشهد مطلوب جداً لزيادة جرعة التشويق التي يفتقدها هذا الفيلم.

يتشتت الفيلم بعض الشيء بالتركيز على السباق السياسي بين جاك وجمال، خصوصاً مشهد سعيهما للحصول على تأييد قس الكنيسة، وتلك قصة جانبية لا دخل لها كثيراً في الموضوع الرئيس. مخطئ من يظن أنه سيشاهد فيلم أكشن أو سرقة ذكية، أرامل فيلم دراما حزين ومتفائل في نهايته، يستغل مكوين ببراعة الإطار العام لصنف السرقة لعرض موضوعات تعانيها مدينة شيكاغو.

يحوي الفيلم مشهداً لافتاً، إذ يصور مكوين لقطة حوارية دون أي قطع، ودون إظهار المتحاورين، وهما جاك ومساعدته، فهما يتحاوران عن أجندته السياسية في السيارة، بينما كاميرا مكوين خارجها تصور البيوت والمباني التي تمر السيارة بجانبها. اللقطة ربما تعبر عن طموح جاك، أو الإرث السياسي لعائلته في مدينة شيكاغو.

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.


لا نقول إنه فيلم سيئ، بل هو جيد جداً، لكن المخرج البارع مثل مكوين ينجح في إخفاء عيوب الفيلم أثناء المشاهدة.

تويتر