يفتقد عنصر التشويق ولا يقدم جديداً

«صيف 84».. استمرار أزمة النوستالجيا بأفلام العقود الماضية

صورة

ذكرنا في قراءتنا لفيلم «أوقات سيئة في الرويال» أن العمل لا معنى له، وحتى صانعه، درو غودارد، ربما لا يعلم لماذا صنعه! فهو يقلد أفلاماً سابقة من دون شرح وجهة نظره، ومهووس جداً بعقد الستينات، أي تقليد من أجل التقليد. اليوم لدينا مشكلة مشابهة مع فيلم Summer of 84 أو «صيف 84»، وهو فيلم كندي لا نعلم ما الهدف من صنعه غير الهوس بعقد الثمانينات.

- فكرة أن المجرمين يبدون أشخاصاً عاديين حولنا ليست بجديدة، وهي سمة مشتركة في كل أفلام الغموض.


3

مشاركين في إخراج الفيلم، هم: فرانسوا سيمارد وأنوك ويسيل ويوان كارل ويسيل.


باقٍ على السطح

ليست النوستالجيا ما يصنع فيلماً بوليسياً أو غيره، بل الرابط بين المشاهد والشخصيات لو كتبت بشكل جيد يستدعي اهتمامنا بها، وأُعطيت مشاهد كافية لتعبر عن ذاتها في قصة تحترم عقل المشاهد، وتتعمّق في المضمون، أما «صيف 84» فيبقى على السطح، لأنه يريد خلق نوستالجيا من دون أساس جيد لفيلم سينمائي.

يبدأ الفيلم بصبي يدعى ديفي (غراهام فيرشير) يقود دراجة هوائية في الحي الذي يسكنه، ويوزع الصحف في مدينة أوريغون صيف عام 1984، ويروي المشهد بصوته قائلاً: «حتى القتلة المتسلسلون يعيشون مجاورين لشخص ما.. لو تعلمت شيئاً من هذه الحقيقة فهو أن الناس تخفي حقيقة أمرها، فلا تعرف أحداً على حقيقته».

يتضح في ما بعد أن هناك مجرماً في المدينة كان سبباً في اختفاء 13 صبياً مراهقاً خلال عقد من الزمن. يشتبه ديفي في جاره وين ماكي (ريتش سومر)، الذي يعمل ضابطاً في الشرطة المحلية ببلدتهم الصغيرة إبسويتش، أنه المجرم الذي سبّب كابوساً لأهالي المدينة.

يرفض أصدقاء ديفي المراهقون، ديل (كيلب إيميري) وكيرتيس (كوري آندرو) وتومي (جودا لويس)، تصديق نظريته، لأنه من المؤمنين بنظريات المؤامرة والأساطير الشعبية. لكن عندما يرى ديفي صبياً في منزل ماكي، كان قد شاهد صورته ضمن إعلانات الصبية المفقودين الذين كانت تطبع صورهم على علب الحليب في الثمانينات، ويبلغ رفاقه فإنهم يغيرون رأيهم ويقررون مساعدته، يبدأ الأربعة في مراقبة ماكي وتوثيق روتينه اليومي ويكتشفون أنشطته المشبوهة.

عبارة مكررة

عودة إلى العبارة «التحفة» التي بدأ بها الفيلم، وهي «حتى القتلة المتسلسلون يعيشون مجاورين لشخص ما.. لو تعلمت شيئاً من هذه الحقيقة فهو أن الناس تخفي حقيقة أمرها، فلا تعرف أحداً على حقيقته»، هذه العبارة في منتهى الركاكة، وهي من البديهيات، كأن يقول شخص: «هناك ناس تعيش خلف أسوار هذه المنازل، وبعض هؤلاء قد يكون مجرماً»، أليس المجرمون بشراً يعيشون وسط مجتمعاتهم ويخفون هوياتهم الحقيقية!

كتب الفيلم مات ليزلي وستيفن سميث، ومن الواضح أنهما يعتقدان أن العبارة في منتهى الحكمة، لأنهما كرراها في نهاية الفيلم، وهي عبارة حمقاء.

من السهل جداً إثبات مَواطن الضعف في فيلم لا توجد أي حكمة منه سوى تقليد التقليد. «صيف 84» يقلد مسلسل Stranger Things أو «أشياء أغرب» المعروض على «نيتفليكس»، وهو مسلسل مقتبس من مجموعة من أفلام الثمانينات. هناك ثلاث سمات رئيسة برزت في سينما الثمانينات: أولاً مجموعة أفلام خيال علمي ذات شقين، الأول شيطن المخلوقات الفضائية، أهمها The Thing لجون كاربنتر وAliens لجيمس كاميرون، والثاني أنسن تلك المخلوقات وجعلها صديقة للأطفال مثل E.T لستيفن سبيلبيرغ، أو مزجت الرعب بالخيال والكوميديا مثل Gremlins لجو دانتي.

ثانياً استمرار نجاح موجة أفلام الذباح Slasher التي انطلقت مع فيلم هالوين، وبلغت ذروتها مع فيلم A nightmare on Elm street عام 1984 لـ«ويس كريفن».

ثالثاً ظهور أفلام أبطالها أطفال ومراهقون، تروى القصص من وجهة نظرهم ويتعرضون لعراقيل من عائلاتهم التي لا تريد تصديقهم في البداية، قبل أن ينجح الأطفال في إثبات وجهة نظرهم. فيلم «صيف 84» هو خليط من كل تلك الأشياء المذكورة باستثناء أفلام المخلوقات الفضائية التي تدخل في الحوارات، وليس في سياق أحداث الفيلم مباشرة.

سمة مشتركة

ليس هناك حكمة من الفيلم سوى خلق حالة نوستالجيا لدى المشاهد المهووس بالثمانينات، والمشكلة أن الفيلم يفرط كثيراً في اعتماده على تلك الحالة، ويظن أنه يقدم شيئاً مهماً عندما يضع شخصياته في مواقف غالباً ليست جادة تهدد حياتهم، ثم يستخدم موسيقى بإيقاعات الثمانينات لاستحضار الحالة في ذهن المشاهد.

الفيلم من إخراج ثلاثة: فرانسوا سيمارد وأنوك ويسيل ويوان كارل ويسيل. فكرة الفيلم عن مجموعة عناصر تحاول كشف سر اختفاء صبية مراهقين من خلال مراقبة شخص يظنونه خطراً، أو أن المجرمين يبدون كأشخاص عاديين حولنا، ليست بجديدة، وهي سمة مشتركة في كل أفلام الغموض، ولو تتبعناها تاريخياً سنجدها تعود إلى فيلم «النافذة الخلفية» الشهير لألفريد هيتشكوك عام 1954، أو مقلد هذا الأخير وهو Disturbia عام 2007.

اكتشافات ديفي ورفاقه لا تثير اهتمام الجميع، ربما فقط المراهقين، لسببين: افتقاد الفيلم عنصر التشويق، وأننا متشبعون جداً من كليشيهات الأفلام البوليسية، ومن استمرار أزمة النوستالجيا بأفلام العقود الماضية.

الشخصيات كلها كليشيهات: ديفي الفتى المُساء فهمه وهو يحاول إثبات صحة ظنونه، وفتى يلبس معطفاً جلدياً يثبت رجولته من الحديث عن الفتيات والجنس ويتستر على مشكلاته في المنزل، وفتى يرتدي نظارة مهووس بالاكتشافات العلمية، وأخيراً الفتى السمين الغبي لأن الكليشيه يحتم وجود سمين وغبي! ناهيك عن نيكي (تيرا سكوفباي) جليسة الأطفال، التي كانت تعتني بديفي عندما كان طفلاً، ويقع في حبها عندما يكبر فتجد نفسها وسط مغامرته.

عندما يوافق رفاق ديفي على مساعدته في مراقبة ماكي، فإنهم يفعلون ذلك من باب الإثارة وليس لأن نظريته تتمتع بأي صدقية، لكن بمجرد الشروع في أنشطة المراقبة، التي تعتبر بداية انطلاق القصة، تكبحها عبارات بالية جداً سمعناها في عشرات الأفلام البوليسية مثل: «هذا أكثر شيء مثير حدث معنا»، أو «لقد كان ذلك قريباً جداً» والمقصود اقتراب ماكي من مكان اختباء الصبية أثناء مراقبتهم له، أما الثالثة التي لا تغتفر فهي: «لن يكون أي شيء كما كان عليه».

سومر هو الوحيد الذي يقدم أداء متوازناً في الفيلم، فهو ضابط يعيش وحده، مؤدب أمام المجتمع، مخيف عندما تراقب تصرفاته عن بُعد.

تويتر